الشرك الخفي ورطة

في الحديث القدسي يقول الله عز وجل: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» (10)، واعلموا أيها الإخوة أن الرياء خطره عظيم، وأن النجاة منه تحتاج جهدًا كبيراً، ومراقبة شديدة للنفس، لأن القلب سريع التقلب، فليكن المؤمن على حذر منه، حتى لا يقع في الشرك.

  • التصنيفات: الشرك وأنواعه - الحث على الطاعات -

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فإن من الأمور المهمة، والتي يجب أن يعلمها المسلم هي خطورة الشرك الخفي، ألا وهو الرياء..
والرياء مأخوذ من الرؤية، والسمعة من السماع، وحد الرياء: إرادة العبد بعبادته غير الله تعالى، كأن يقصد إطلاع الناس على عبادته وكماله، حتى يحصل له منهم نحو مال أو جاه أو ثناء.

ويجب أن يعلم المسلم أن مدار قبول العمل عند الله هي النية الصالحة الخالصة، وهو أن يكون الباعث على العمل إرادة وجه الله لا رياء وسمعة، لأن الرياء محبط للأعمال وسبب المقت عند الله، وهو من كبائر المهلكات، وينافي كمال التوحيد.

والرياء هو الشرك الأصغر، وهو من الكبائر المحبطة للعمل، وقد شهد بتحريمه الكتاب والسنة، وانعقد عليه إجماع الأمة، قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون:6]، وقال تعالى: {وَاَلَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَاب شَدِيدٌ} [فاطر من الآية:10]، قال مجاهد: "هم أهل الرياء، هم أهل الرياء" (1)، وقال تعالى: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف من الآية:110].

وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا انظروا هل تجدون عندهم جزاء؟» (2)، وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يسمع يسمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به» (3)، وانعقد إجماع الأمة على تحريم الرياء.

إخواني: إن المُراد بالشرك في هذه الآية هو الشركُ الأصغر وهو الرياء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتّقوا الرياء فإنه الشِركُ الأصغر»، فقد سمّى الرسول الرياء الشرك الأصغر لأن الذي يعمل رياءً كأنه أشرك بالله تعالى، وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من الرياء، فعن أبي سعيد الخدري قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟» قال: قلنا: بلى، فقال: «الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته، لما يرى من نظر رجل»" (4).

قال شداد بن أوس: "كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر" (5).
ويقول ابن القيم رحمه الله: "الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهداً غير الله، ولا مجازياً سواه" (6).
ويقول أحد السلف: "إذا فُقد الإخلاص فلا تبقى إلا الرسوم والأشكال التي تُخفي وراءها فساد الخلق، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب".

واعلم أخي المسلم: أن أكثر الناس هلكوا من خوف مذمة الناس، أو حب مدحهم، فصارت أعمالهم على ما يوافق هوى الناس. قال قتادة رحمه الله: "من كانت الدنيا همه ونيته، جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة، وليس له حسنة يعطى بها جزاءً، وإن المؤمن ليجازى بحسناته في الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة" (7).

وقال ابن القيم: "لا يجتمع الإخلاص في القلب، ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع، والزهد في الثناء والمدح، سهل عليك الإخلاص" (8).

وانظر إلى حالة المرائي يوم القيامة، فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عملٍ عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك» (9).


وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» (10)، واعلموا أيها الإخوة أن الرياء خطره عظيم، وأن النجاة منه تحتاج جهدًا كبيراً، ومراقبة شديدة للنفس، لأن القلب سريع التقلب، فليكن المؤمن على حذر منه، حتى لا يقع في الشرك.

أسأل الله أن ينفعنا بما ذكرنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تفسير الطبري- (ج 15 / ص 266).
2- مسند أحمد- (ج 48 / ص 123 – 22523) وصححه الألباني في صحيح الجامع
انظر حديث رقم : 1555.
3- صحيح مسلم- (ج 14 / ص 256- 5302).

4- سنن ابن ماجه- (ج 12 / ص 246 – 4194) وحسنه الألباني في صحيح الجامع انظر حديث رقم : 2607.
5- المعجم الكبير للطبراني- (ج 6 / ص 445- 7014).
6- مدارج السالكين جزء 2- صفحة 92.
7- تفسير الطبري- (ج 15 / ص 264). 

المصدر: موقع إمام المسجد