سلاح المقاومة لا يفل ولا يصدأ

مصطفى يوسف اللداوي

العدو الإسرائيلي يخشى سلاح المقاومة، والقدرات العسكرية الكبيرة التي باتت بتصرفها وبين يديها، لعِلمه أن المقاومة لا تقبل بفكرة تخزين الأسلحة وعدم استخدامها، أو مراكمتها وزيادة مخزونها، تمهيدًا لصدأها وفقدانها لصلاحيتها، بل إنها تُصِر على مبدأ استخدامها، وتعمل على تجديدها وتطويرها.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية والكيان الصهيوني، أن الأنظمة العربية تشتري الأسلحة لتضعها في المستودعات والمخازن، وأنها لا تشتريها بقصد المشاركة في الحروب، أو استخدامها في المعارك، أو توظيفها في معركة العرب القومية ضد إسرائيل، وهي على يقينٍ من ذلك لعدم قناعة الأنظمة العربية في خوض حربٍ ضد إسرائيل، ثم إن جميع صفقات السلاح المشتراة من أمريكا ودول أوروبا تخضع لشرطٍ قاطعٍ حاسمٍ، لا يخول العرب استخدامها في معارك ضد إسرائيل، فضلًا عن قيام الدول المصدرة للسلاح بنزع بعض التقنيات وإبطال بعض المواصفات منها، لتصبح غير ذات قيمة عسكرية، ولا تصلح للمواجهة، ولا تقوى على الصد والدفاع.

وتعلم أن مصير هذه الأسلحة هو الصدأ والتلف، وأن بعضها يخرج عن الخدمة لقِدمه أو لعدم فعاليته، أو لوجود ما هو أحدث منه وأفعل، رغم أن الحكومات العربية تدفع سنويًا عشرات المليارات من الدولارات، ثمنًا لهذه الأسلحة التي لا تُستخدم، أو لا تصلح ولا تنفع، وتُكلِّف ميزانية الدولة كثيرًا لتغطية تكاليف تخزينها وصيانتها دوريًا، علمًا أن بعض الأسلحة المشتراة تكون مصنفةً بأنها غير مجدية، أو تحتاج إلى صيانةٍ مُكلِّفة، ما يدفع جيوش الدول الكبرى لإخراجها من الخدمة، وعدم وضعها بتصرف الجيش، ولكن بعض الأنظمة العربية تتنطع وتتعهد بشراء هذا الركام المهول من الأسلحة، وهي تعلم أنه بالنسبة إلى كثيرٍ من الدول المصدرة، ليس إلا حديدًا خردة، وأنها تبحث عن وسائل مختلفة لتفكيكه وتعطيله.

لا يأبه العدو الصهيوني ولا الغرب والولايات المتحدة الأمريكية للسلاح الذي تملكه الدول العربية، بل إنها تعتبره مخزونًا استراتيجيًا لها، تستخدمه وقتما تريد وفي المعارك التي تُقرِّر، وضد الخصوم الذين تفترضهم وتسميهم، وقد رأينا في العقود الثلاثة الماضية، أن السلاح العربي قد اشترك مع السلاح الغربي والأمريكي في ضرب أهدافٍ عربيةٍ وإسلامية، وأنه كان أداةً في يد قيادة أركان الجيوش الأمريكية، التي استخدمته ضد الأشقاء والأصدقاء، وسخرته لخدمة أهدافها، والدفاع عن مصالحها، وتأمين مصادر الوقود والطاقة التي تخشى عليها، وتقاتل من أجلها.

لكن العدو الإسرائيلي يخشى سلاح المقاومة، والقدرات العسكرية الكبيرة التي باتت بتصرفها وبين يديها، لعِلمه أن المقاومة لا تقبل بفكرة تخزين الأسلحة وعدم استخدامها، أو مراكمتها وزيادة مخزونها، تمهيدًا لصدأها وفقدانها لصلاحيتها، بل إنها تُصِر على مبدأ استخدامها، وتعمل على تجديدها وتطويرها، وهو أمرٌ بات يدركه المسؤولون الإسرائيليون، ومنهم وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه أرنس، الذي يقول بأن السلاح لا يطول بقاؤه في مخازن المقاومة، إذ لا يوجد عندها أسلحة قديمة، وصواريخ صدئة، ومعدات متآكلة، بل تحرص دائمًا على استخدام ما لديها من أسلحة والاستفادة منها، وما لا تقوى على استخدامه في المعركة لتأخرها أو عدم وقوعها - فإنها تستخدمه في التدريب، وتستغله في التطوير، لتُحسِّن من دقته، وتزيد من فعاليته، وتضاعف قدراته التدميرية.

هذا هو منطق المقاومة الجديد، وهو السياسة الأصيلة التي تعتمدها ولا تستغني عنها، فلا سلاح عندها للمباهاة والتظاهر، ولا قدرات عندها للزينة والتفاخر، بل إن كل ما لديها مُسخّرٌ للمعركة، ومُعدٌ للحرب، ومُجهزٌ للقتال، ومرصودٌ من مموليه ومن المتبرعين بثمنه لاستخدامه في قتال الكيان الصهيوني وصد هجماته، ووقف اعتداءاته.

يعتقد الاستراتيجيون الإسرائيليون وحلفاؤهم الغربيون، أن منطق المقاومة هو القادر على خلق سياسة الردع، وأنه الذي سيقود إلى توازن الرعب، وسيُغيِّر من معادلات الصراع في المنطقة، وسيُجبِر الإسرائيليين على إعادة التفكير في استراتيجيتهم القتالية، وتبديل أهدافهم وتغيير وسائلهم وأدواتهم، ذلك أن المقاومة جادة في استخدام السلاح الذي تملك، ومُصِرّة على توظيفه في المعركة التي اختارت وقرَّرت، والتي من أجلها عملت وعبأت، ودربت وجهزت، وامتلكت وطورت.

ويرون أن قيادة المقاومة حُرّةً في قرارها، ومُستقلةً في سياستها، ومُصمِمةً على مواصلة طريقها، وأنها لا تتردد في اتخاذ القرار ولا تتأخر، وأنها لا تراعي فيه ظروفًا دولية أو مصالح إقليمية، وقد لا تأبه برد الفعل الإسرائيلي، لاعتقادهم أن الكيان الصهيوني يعتدي ويهاجم، ويبادر ويقتل، دون وجود أسباب مجدية، أو دوافع مُلحَّة، اللهم إلا اتباع سياسة الضربات الاستباقية الوقائية، ومباغتة الخصم وإرهاقه، وعرقلة مشاريعه وإبطال خططه، وأنها بسياستها تعتمد على مزاج قواعدها وتأييد جمهورها لها، واستعداده للتضحية في سبيل أهداف المقاومة.

يرى خبراء عسكريون إسرائيليون أنه من الصعب ردع المقاومة أو كبح جماحها بالقوة المسلحة، إذ أن سياسة القوة ستُولِّد لديهم قوةً أكبر، وإرادةً أصلب، وأنها لن تتمكن من كسر إرادتهم، أو جلبهم إلى طاولة المفاوضات، أو إجبارهم على القبول بما اعتادوا على رفضه، وأن سِجل التصفيات التي اعتدها الجيش الإسرائيلي ضد قادة المقاومة ورموزها، قد أدى إلى ظهور أجيالٍ جديدة من القادة أصلب من سابقتها، وأكثر عِنادًا منهم، وما قد كان ممكنًا مع سلفهم، بات صعبًا أو مستحيلًا مع من جاء بعدهم.

ويرون أنه يجب على قادة الكيان الصهيوني وأصحاب القرار فيه، البحث عن وسيلةٍ للردع جديدة، تكون مختلفة عن نظريات الردع السابقة، وتكفل تحقيق الأهداف الإسرائيلية، وتقليل حجم الخسائر التي قد تتعرّض لها، وتكون قادرة على ضبط مخزون الأسلحة، وضمان عدم استخدامه ضدها، ليعود ملتزمًا بالسياسة التقليدية التي اتبعها، والتي جعلت منه مخزونًا للصدأ، أو حديدًا لإعادة الصب والتشكيل، ويعتقدون بأن الوسيلة الأنسب لإعادة تطويع السلاح وتأمينه - هي عبر الأنظمة العربية نفسها، التي يجب عليها أن تتولى التعامل مع المقاومة ومعالجة ظاهرتها، ومواجهتها وتجفيف منابعها، تمهيدًا لنزعها واحتوائها، وامتلاكها وتوظيفها وفق السياسة الرسمية العربية المعتمدة، فهم أقدر على ذلك، وقد أثبتت التجارب نجاحهم.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام