جدالٌ وقتال
محمد جلال القصاص
وعند التدقيق نجد أن النزاع بين الشريعة (على لسان الرسل.. كل الرسل)
وبين (الملأ) القائمين على المجتمعات الجاهلية يتعلق بالسيادة، تكون
لمن؟، لله في صورة الشريعة؟ أم لهم في صورة النظام القائم الذي تسعى
الشريعة لتغيره؟
- التصنيفات: الشرك وأنواعه -
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
القرآن العظيم يحدثنا بأن مجتمع الكافرين في كل العصور فريقان، مستكبرون وهم (الملأ) ومستضعفون وهم (العامة) أو (الجماهير) في لغة مثقفي اليوم.
ويحدثنا القرآن العظيم بأن (الملأ) يعرفون الحق وهم له منكرون، وأن عداوتهم لا تتعلق بماهية الشريعة، فهم يعرفونها جيداً قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [سورة النمل: 14]، وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [البقرة : 89 ـ 90].
فالتكذيب أصله الظلم والعدوان.. البغي والحسد، وليس الجهل.
وعند التدقيق نجد أن النزاع بين الشريعة (على لسان الرسل.. كل الرسل) وبين (الملأ) القائمين على المجتمعات الجاهلية يتعلق بالسيادة، تكون لمن؟، لله في صورة الشريعة؟ أم لهم في صورة النظام القائم الذي تسعى الشريعة لتغييره؟
على هذا يكون الصراع بين المهتدين والضالين {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} [يونس: 78]، فالكبرياء هنا تعني السلطان كما يقول الطبري وابن كثير في تفسيرهما للآية.
والشواهد على هذا كثيرة من السيرة النبوية ولا أحسب أن أحداً ينازع في هذا . فكل رسولٍ أرسله الله لقوم كذبوه {كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} [المؤمنون: 44]، وبدهي أن تكذيب المرسلين خلل في الضالين المكذبين وليس في خطاب ولا في شخص المرسلين.
والقرآن يحدثنا بأن الذين كفروا... الملأ منهم خاصة يواجهون الدعوة الإسلامية بطريقتين جدال وقتال {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [سورة غافر: 5]، كل الأمم تجادل وتقاتل، قريش كانت شديدة الجدال كما كانت شديدة القتال، تجادل في الأحكام (تحريم الميتة مثلا)، وتجادل في الأخبار (البعث بعد الموت مثلاً)، وتجادل في المعجزات (الإسراء والمعراج مثلا)، وكانت تقاتل أشد القتال، ويهود تجادل وتقات، والعلمانية تجادل وتقاتل، والنصرانية تجادل وتقاتل، وعباد الشجر والحجر والبقر في الهند والصين يجادلون ويقاتلون، كلهم يجادلون ويقاتلون كما أخبر خالقهم سبحانه وتعالى.
والقرآن يحدثنا بأنهم في جدالهم يمكرون.. يكيدون قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} [الطارق: 15]، ولا حظ تأكيد الفعل بالمفعول المطلق ويكيدون كيدا تعني: يمكرون بالناس في دعوتهم إلى خلاف القرآن كما يقول ابن كثير في تفسيره للآية.
وقال تعالى: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [سورة إبراهيم: 46] وقال تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} [سورة الفيل: 2].
والكيد والمكر يعني الخداع، يعني التدبير في الخفاء، يعني إظهار شيء واستبطان شيء آخر، وما أفهمه أن الكافرين وخاصة اليهود، وهم الذين يحركون الكفر كله اليوم، يمدون الجسور مع المنافقين، يثيرون بهم الشبهات والشهوات داخل الصف الإسلامي فهم إخوان كما قال الله: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [سورة الحشر: 11].
ومكرهم وخداعهم يكون على قومهم وعلينا، على قومهم بقلب الحقائق لهم، وافتعال الشبهات لصدهم عن دين الله وتثبيتهم على الكفر بربهم.
وتتضح هذه الحقيقة من جميع مواقف العتاب بين الأتباع والمتبوعين من الكافرين في يوم القيامة وفي النار ـ عياذا بالله ـ ، ففي هذه المواقف يتكلم الأتباع عن مكرٍ مكره الملأ عليهم.. عن كيد كادوهم به، والكلام على حقيقته لا نعلم له صارف.
في سورة الصافات ـ مثلا ـ وفي سياق عتاب (العامة) للملأ يقول الله تعالى على لسان (العامِّة): {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [سورة الصافات:28] أي (من جهة النصح.. مجيء من إذا حلف لنا صدقناه) كما يقول القرطبي رحمه الله. ومثله قول الله تعالى على لسان (المستضعفين) وهم يجادلون (المستكبرين) يوم القيامة {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} [سبأ: من الآية 33].
ومكر أعداء الأنبياء وأتباعهم بعضهم ببعض هو المتبادر للذهن من قول الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام : 112]، وهو ما تكلم به المفسرون. يقول الطبري معلقاً على الآية الكريمة: "وأما قوله: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} فإنه يعني: أنه يلقي الملقي منهم القول الذي زينه وحسنه بالباطل إلى صاحبه, ليغتر به من سمعه فيضل عن سبيل الله".
هذا هو حال الملأ في صدهم عن سبيل الله حين يتكلمون إلى متبوعيهم.. يمكرون بهم.
ومكرهم يطالنا بل يتوجه إلينا في الأساس، يستهدف شملنا، ويستهدف جهدنا، بالتشويش والتشويه.
والحال هكذا أسأل: أين الخداع وأين المكر؟ أين الجدال وأين القتال في أرض الواقع؟
حين اتصلت عامة الناس هنا بعامة الناس هناك (في أوروبا وأخواتها) عن طريق البعثات العلمية والتجارة في القرن التاسع عشر، نهض (الملأ) وقاموا بدراسة الإسلام، وأعادوا قراءته من جديد، عن طريق ما يسمى بـالمستشرقين، وعن طريق نشر كتابات بعض الحاقدين من النصارى وخاصة نصارى الشام مثل لويس شيخو (صاحب كتاب شعراء النصرانية)، وخرجوا بقراءة جديدة للشريعة الإسلامية نشرت في عدة أبحاث أهمها (دائرة المعارف الإسلامية) ثم في خطوة تالية سربوا هذه المفاهيم للشاذين فكرياً ممن ينتمون لهذه الأمة فخرجت أفكار الكافرين في كتبٍ تحمل أسماء مسلمين، مثل (أبكار السقاف) و (على عبد الرازق) و (طه حسين)، و (خليل عبد الكريم) و (سيد القمني) و (عباس العقاد) في بعض ما كتب، ومن وَرِمَ أنفه حمية له فليراجع كتاب (الله جل جلاله).
ثم دعموا هذه الأسماء عن طريق نفوذهم في البلاد الإسلامية، وخاطبوا قومهم بهذه الأبحاث التي كتبتها يد المستشرقين أو التي كتبتها يد (المسلمين) الموافقين لهم، وبهذا عرضوا الإسلام مشوهاً على قومهم، وأخرجوا إسلاماً مشوهاً لقومنا، فشغلونا بأنفسنا وصدونا عن قومهم، ولك أن تنظر إلى ما كتب وما قيل.. ما أنفق من وقت وجهد ومال في التصدي لأبناء المستشرقين الذين نبتوا في أرضنا يتكلمون بلساننا، ويعرضون الدين على الناس أو ينازعون من يعرض الدين على الناس.
وهذا هو السبب الحقيقي الذي بسببه لم نستطع عرض الإسلام على عامة الناس في الغرب، أولئك الذين لا يحملون ذات الأحقاد التي يحملها الملأ الذين استكبروا، أولئك الذين لو سمعوا لاستجابوا، هذا مع أننا نتكلم ويصل صوتنا في كل مكان. كله بسبب التشويش الذي أحدثه الملأ من خلال قراءات المستشرقين وقراءات تلاميذ المستشرقين من (المسلمين).
ويتم مصادرة الفرص بهؤلاء أيضاً، فمثلا حين ثارت أبقار الدينمارك وتطاولت على جناب الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بادر هؤلاء بنشر كتب المستشرقين (المعتدلين) ممن كتبوا عن شخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من منظور آخر غير منظور النبوة، وبهذا طوقونا وصدونا.
واستخدموا ذات الآلية (المعتدلين) عندهم و (المعتدلين) عندنا، فأسكتوا من هنا أو كتموا صوتهم وحجموه، وأسكتوا من هناك أو أعطوهم ما لا يصل بهم إلى الصراط المستقيم!!
ومن مكر الملأ ما يسمى ب (الحوار بين الأديان) فقد بدأ بعد الاستشراق بقليل، وقد غُرس لينبت شوكاً يثير جدلاً بيننا، وقد عُقدت مؤتمراته ليشير الملأ إليها حين يتحدثون إلى قومهم ويقولون لهم: "هؤلاء علماء المسلمين يعترفون بديننا فلا داعي إذا لأن تتركوا دينكم إلى دين يقول علمائه أنكم على صواب". وفي ذات الوقت يتلون عليهم (مثالب) ديننا التي افتعلوها هم في حق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو في حق أحكام الشريعة، وإن تكلمنا نحن قالوا أولئك المتشددون منهم!!
مِن تأملي في حوارات النصارى المباشرة مع المسلمين (في المناظرات المنشورة أو في مناظرات البالتوك) ألاحظ أن النصراني يهدف إلى شيء واحد من المناظرة هو القول بأن الإسلام فيه مشاكل كما النصرانية فلا داعي لترك النصرانية لمشاكلها فلن ترحل لمكانٍ هادئٍ بلا مشاكل، لا يريد أكثر من هذا من المناظرة.
والملأ لا يريدون من إفتعال الشبهات حول شخص الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحول أحكام الشريعة سوى القول بأن عندهم ما عندنا فلا داعي لأن تغادر غضباً فلن تجد هناك رضاً.
ويلحق بهذا أن الملأ من الكافرين يشجعون إخوانهم عندنا، فالجوائز الأدبية تعطى لأوليائهم، والبرامج التي يسمعها كل الناس تعطى للأقرب مكاناً منهم. وهذه وسائل تفعيل للمكر والكيد في صفوفنا، فانظر مثلاً من الذي يتكلم للعامة؟ تجد أن الأبرزَ هو الأقربُ مكاناً من القوم، هو من لا يكفرهم أو من لا يهتم بكفرهم أو من لا يشجب عليهم أو يثير القلاقل بينهم.
حين أنسحب من هذه الضوضاء وأحاول رسم صورة لما يحدث على أرض الواقع لا ترتسم الصورة بخاطري إلا ثلاثة أقواس... متتاليات... متداخلات... قوس بداخلنا وقوس أمامنا، وقوس خلفه لا نلمسه ولا نستطيع.
القوس البعيد من الكافرين، قد حموا أنفسهم بقوسٍ من المنافقين في السياسة والفكر، والقوس الثالث صنعته يد النفاق وهو بين أظهرنا... يتخللنا... بين صفوف الملتزمين بشريعة رب العالمين، أهلُ هذا القوس من إخواننا، مَن يجادلون في الكفر الأكبر ويقولون كل ما هو كائن اليوم على أرض الواقع كفر أصغر، وأن حدَّ الإيمان النطق بالكفر، وهو كلام نصوب بعضه ونتفهم بعضه ونرد جلَّه، وليس المقام مناقشة إخواننا، ولكن بيان هذه الأقواس الثلاثة المتتالية تبصرة وذكرى لأولي الألباب.
على ماذا الصراع؟
الصراع صراع وجود، ولا يسير في طريقه إلى (السلام) أو يصير إلى (السلام) بمفهومه الخاص، الذي لا يكون إلا حين تنعدم أفعال وأصوات المخالفين، لا يرضى الكافرون بالمؤمنين، ولا يرضى المؤمنون بالكفر ولا بالكافرين، لا يرضى أحدٌ منهم بالآخر إلا في إطار التبعية والانحسار وعدم التأثير في حياة الناس، ومن يقل بغير هذا يخادع نفسه.
ولك أن تسأل عن سبب الحروب القائمة اليوم على ظهر المعمورة في الأفغان وفي الشيشان وفي فلسطين والصومال ولك أن تسأل عن من يُصَادَر رأيهم ويُحْبَسون في بلادهم، ولم؟
من أجل (السلام)!!، فهؤلاء من منظور أولئك يسعون في الأرض (فساداً) ولذا وجب قتلهم أو (اعتقالهم) ليحل (السلام). منطق كمنطق فرعون إذ قال كما حكى على لسانه القرآن الكريم {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26].
والملأ يواجهون واقع الدعوة بما يناسبه، فحين يكون منكفئاً في ذاته لا يسمع به أحد ولا يتكلم في أمور العامة... بمعنى لا يُحْدِثْ تغيراً في حياة الناس فإنهم لا يلتفتون إليه، كما حصل مع الدعوة في فترة السرية، وكما حدث مع الحنفاء من قبل، وكما يحدث الآن مع (المتدينين) في المجتمعات الأوروبية والأمريكية، ثم حين يتحركون ويحدثون أثراً يشتدون لاستئصالهم فإن لم يقدروا خدعوهم واستنزلوهم عن مبادئهم، بالحوارات، كما حدث من قريش، كانت جادة في القضاء على الدعوة، ثم حين اشتد عودها لجئوا إلى (الحوار)، وراح (عتبة بن ربيعه) وراح الملأ جميعهم يعرضون على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشياء يريدون بها طريقاً وسطاً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، طريقاً يبقى كل على ما في يديه، تقول الروايات وذاك بعد أن أسلم حمزة وعمر.
لماذا عادت الدعوة للحوار بين الأديان؟
في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر 2007 وفي حلقة برنامج (القاهرة اليوم) التي عقدت لمناقشة أمر الكذاب اللئيم زكريا بطرس ـ قبحه الله ـ ، تكلم محمد سليم العوا بأنه تقدم بطلبٍ للفاتيكان لعقد جولة جديدة (للحوار بين الأديان) فرفض الفاتيكان حتى يُؤمن المتاحورون بعدم عصمة القرآن الكريم ويحذفوا منه بعض الآيات!!
والآن نرى الفاتيكان اشتد في طلب الحوار بين الأديان ثانية، ما الذي جاء بهم ثانية؟
الذي جاء بهم أن السنوات الأخيرة شهدت مواجهة مباشرة بين الشريعة الإسلامية والعقيدة النصرانية على يد الأرثوذكس في القنوات الفضائية، وأخص بالذكر الأقباط، وانتشرت هذه المواجهات الفكرية بين العقيدتين عن طريق الإنترنت في المنتديات الكتابية والغرف الصوتية (البالتوك) والمواقع الخاصة والعامة، وكذا القنوات الفضائية، والمساحة التي تحدث فيها المواجهة المباشرة بين الإسلام والنصرانية كبيرة جداً.
وساعد في وجود أثر قوي للحوارات المباشرة بين الإسلام والنصرانية، أن النصارى (الأرثوذكس ـ وخاصة الأقباط) استحضروا للعامة، وباغتونا، ثم إنهم وجدوا أثراً حين تكلموا للناس، وهذا شأن من يتكلم للعامة بأي شيء، فالعامة لا تمتلك ثقافة مضادة فهي تتبع أو تقف حائرة... فاغرة فاها متعجبة مما تسمع.
وساعد في حشد الناس حول هذه الحوارات الصريحة أحداث الدنمارك وما يفعله الأمريكان في الشرق وخاصة أن رئيسهم يبدي التدين ويدعي أن عبد الصليب، يرفعه، ويحارب باسم (الرب).
أقول: "وأنا من هناك، حيث هذه الحوارات المباشرة، قد منيت النصرانية بخسارة فادحة، وفي المكان الذي ثارت منه ـ مصر ـ يُسلم منهم كل يوم ما بين مائة ومائة وعشرين فرداً هذا على حد قولهم. هذا ولم يبرز لهم من أهل العلم أحد إلا قليلاً جدا، وهي تدور اليوم بنفر من المتحمسين الغيورين، كتب الله أجرهم ورفع الله ذكرهم".
لذا جاءوا ثانية يريدون إعادة الكرة من جديد، يريدون التشويه والتشويش كي لا يرى أحد الصورة على حقيقتها وكي لا يسمع الناس الرسالة الحقيقية التي جاء بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فمن كان ذكياً فلا يستدرج، وليعلم أن القوم جادون، يجادلون ويقاتلون، ومن كان تقياً فليتذكر الوقوف بين يدي الله غدا يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه.
وأختم بنداء على أهل العلم والتقوى ممن يرجون ثواب الله بعلمهم أو جاههم أو مالهم، حشد عبّاد الصليب الناس وراحوا يعرضون عليهم بضاعتهم الكاسدة الفاسدة، ويسبون في الإسلام، فهي فرصة سانحة أن نتكلم للناس... ندعوهم لصراط الله المستقيم، فهل من مشمر؟!
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
القرآن العظيم يحدثنا بأن مجتمع الكافرين في كل العصور فريقان، مستكبرون وهم (الملأ) ومستضعفون وهم (العامة) أو (الجماهير) في لغة مثقفي اليوم.
ويحدثنا القرآن العظيم بأن (الملأ) يعرفون الحق وهم له منكرون، وأن عداوتهم لا تتعلق بماهية الشريعة، فهم يعرفونها جيداً قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [سورة النمل: 14]، وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [البقرة : 89 ـ 90].
فالتكذيب أصله الظلم والعدوان.. البغي والحسد، وليس الجهل.
وعند التدقيق نجد أن النزاع بين الشريعة (على لسان الرسل.. كل الرسل) وبين (الملأ) القائمين على المجتمعات الجاهلية يتعلق بالسيادة، تكون لمن؟، لله في صورة الشريعة؟ أم لهم في صورة النظام القائم الذي تسعى الشريعة لتغييره؟
على هذا يكون الصراع بين المهتدين والضالين {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} [يونس: 78]، فالكبرياء هنا تعني السلطان كما يقول الطبري وابن كثير في تفسيرهما للآية.
والشواهد على هذا كثيرة من السيرة النبوية ولا أحسب أن أحداً ينازع في هذا . فكل رسولٍ أرسله الله لقوم كذبوه {كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} [المؤمنون: 44]، وبدهي أن تكذيب المرسلين خلل في الضالين المكذبين وليس في خطاب ولا في شخص المرسلين.
والقرآن يحدثنا بأن الذين كفروا... الملأ منهم خاصة يواجهون الدعوة الإسلامية بطريقتين جدال وقتال {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [سورة غافر: 5]، كل الأمم تجادل وتقاتل، قريش كانت شديدة الجدال كما كانت شديدة القتال، تجادل في الأحكام (تحريم الميتة مثلا)، وتجادل في الأخبار (البعث بعد الموت مثلاً)، وتجادل في المعجزات (الإسراء والمعراج مثلا)، وكانت تقاتل أشد القتال، ويهود تجادل وتقات، والعلمانية تجادل وتقاتل، والنصرانية تجادل وتقاتل، وعباد الشجر والحجر والبقر في الهند والصين يجادلون ويقاتلون، كلهم يجادلون ويقاتلون كما أخبر خالقهم سبحانه وتعالى.
والقرآن يحدثنا بأنهم في جدالهم يمكرون.. يكيدون قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} [الطارق: 15]، ولا حظ تأكيد الفعل بالمفعول المطلق ويكيدون كيدا تعني: يمكرون بالناس في دعوتهم إلى خلاف القرآن كما يقول ابن كثير في تفسيره للآية.
وقال تعالى: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [سورة إبراهيم: 46] وقال تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} [سورة الفيل: 2].
والكيد والمكر يعني الخداع، يعني التدبير في الخفاء، يعني إظهار شيء واستبطان شيء آخر، وما أفهمه أن الكافرين وخاصة اليهود، وهم الذين يحركون الكفر كله اليوم، يمدون الجسور مع المنافقين، يثيرون بهم الشبهات والشهوات داخل الصف الإسلامي فهم إخوان كما قال الله: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [سورة الحشر: 11].
ومكرهم وخداعهم يكون على قومهم وعلينا، على قومهم بقلب الحقائق لهم، وافتعال الشبهات لصدهم عن دين الله وتثبيتهم على الكفر بربهم.
وتتضح هذه الحقيقة من جميع مواقف العتاب بين الأتباع والمتبوعين من الكافرين في يوم القيامة وفي النار ـ عياذا بالله ـ ، ففي هذه المواقف يتكلم الأتباع عن مكرٍ مكره الملأ عليهم.. عن كيد كادوهم به، والكلام على حقيقته لا نعلم له صارف.
في سورة الصافات ـ مثلا ـ وفي سياق عتاب (العامة) للملأ يقول الله تعالى على لسان (العامِّة): {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [سورة الصافات:28] أي (من جهة النصح.. مجيء من إذا حلف لنا صدقناه) كما يقول القرطبي رحمه الله. ومثله قول الله تعالى على لسان (المستضعفين) وهم يجادلون (المستكبرين) يوم القيامة {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} [سبأ: من الآية 33].
ومكر أعداء الأنبياء وأتباعهم بعضهم ببعض هو المتبادر للذهن من قول الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام : 112]، وهو ما تكلم به المفسرون. يقول الطبري معلقاً على الآية الكريمة: "وأما قوله: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} فإنه يعني: أنه يلقي الملقي منهم القول الذي زينه وحسنه بالباطل إلى صاحبه, ليغتر به من سمعه فيضل عن سبيل الله".
هذا هو حال الملأ في صدهم عن سبيل الله حين يتكلمون إلى متبوعيهم.. يمكرون بهم.
ومكرهم يطالنا بل يتوجه إلينا في الأساس، يستهدف شملنا، ويستهدف جهدنا، بالتشويش والتشويه.
والحال هكذا أسأل: أين الخداع وأين المكر؟ أين الجدال وأين القتال في أرض الواقع؟
حين اتصلت عامة الناس هنا بعامة الناس هناك (في أوروبا وأخواتها) عن طريق البعثات العلمية والتجارة في القرن التاسع عشر، نهض (الملأ) وقاموا بدراسة الإسلام، وأعادوا قراءته من جديد، عن طريق ما يسمى بـالمستشرقين، وعن طريق نشر كتابات بعض الحاقدين من النصارى وخاصة نصارى الشام مثل لويس شيخو (صاحب كتاب شعراء النصرانية)، وخرجوا بقراءة جديدة للشريعة الإسلامية نشرت في عدة أبحاث أهمها (دائرة المعارف الإسلامية) ثم في خطوة تالية سربوا هذه المفاهيم للشاذين فكرياً ممن ينتمون لهذه الأمة فخرجت أفكار الكافرين في كتبٍ تحمل أسماء مسلمين، مثل (أبكار السقاف) و (على عبد الرازق) و (طه حسين)، و (خليل عبد الكريم) و (سيد القمني) و (عباس العقاد) في بعض ما كتب، ومن وَرِمَ أنفه حمية له فليراجع كتاب (الله جل جلاله).
ثم دعموا هذه الأسماء عن طريق نفوذهم في البلاد الإسلامية، وخاطبوا قومهم بهذه الأبحاث التي كتبتها يد المستشرقين أو التي كتبتها يد (المسلمين) الموافقين لهم، وبهذا عرضوا الإسلام مشوهاً على قومهم، وأخرجوا إسلاماً مشوهاً لقومنا، فشغلونا بأنفسنا وصدونا عن قومهم، ولك أن تنظر إلى ما كتب وما قيل.. ما أنفق من وقت وجهد ومال في التصدي لأبناء المستشرقين الذين نبتوا في أرضنا يتكلمون بلساننا، ويعرضون الدين على الناس أو ينازعون من يعرض الدين على الناس.
وهذا هو السبب الحقيقي الذي بسببه لم نستطع عرض الإسلام على عامة الناس في الغرب، أولئك الذين لا يحملون ذات الأحقاد التي يحملها الملأ الذين استكبروا، أولئك الذين لو سمعوا لاستجابوا، هذا مع أننا نتكلم ويصل صوتنا في كل مكان. كله بسبب التشويش الذي أحدثه الملأ من خلال قراءات المستشرقين وقراءات تلاميذ المستشرقين من (المسلمين).
ويتم مصادرة الفرص بهؤلاء أيضاً، فمثلا حين ثارت أبقار الدينمارك وتطاولت على جناب الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بادر هؤلاء بنشر كتب المستشرقين (المعتدلين) ممن كتبوا عن شخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من منظور آخر غير منظور النبوة، وبهذا طوقونا وصدونا.
واستخدموا ذات الآلية (المعتدلين) عندهم و (المعتدلين) عندنا، فأسكتوا من هنا أو كتموا صوتهم وحجموه، وأسكتوا من هناك أو أعطوهم ما لا يصل بهم إلى الصراط المستقيم!!
ومن مكر الملأ ما يسمى ب (الحوار بين الأديان) فقد بدأ بعد الاستشراق بقليل، وقد غُرس لينبت شوكاً يثير جدلاً بيننا، وقد عُقدت مؤتمراته ليشير الملأ إليها حين يتحدثون إلى قومهم ويقولون لهم: "هؤلاء علماء المسلمين يعترفون بديننا فلا داعي إذا لأن تتركوا دينكم إلى دين يقول علمائه أنكم على صواب". وفي ذات الوقت يتلون عليهم (مثالب) ديننا التي افتعلوها هم في حق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو في حق أحكام الشريعة، وإن تكلمنا نحن قالوا أولئك المتشددون منهم!!
مِن تأملي في حوارات النصارى المباشرة مع المسلمين (في المناظرات المنشورة أو في مناظرات البالتوك) ألاحظ أن النصراني يهدف إلى شيء واحد من المناظرة هو القول بأن الإسلام فيه مشاكل كما النصرانية فلا داعي لترك النصرانية لمشاكلها فلن ترحل لمكانٍ هادئٍ بلا مشاكل، لا يريد أكثر من هذا من المناظرة.
والملأ لا يريدون من إفتعال الشبهات حول شخص الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحول أحكام الشريعة سوى القول بأن عندهم ما عندنا فلا داعي لأن تغادر غضباً فلن تجد هناك رضاً.
ويلحق بهذا أن الملأ من الكافرين يشجعون إخوانهم عندنا، فالجوائز الأدبية تعطى لأوليائهم، والبرامج التي يسمعها كل الناس تعطى للأقرب مكاناً منهم. وهذه وسائل تفعيل للمكر والكيد في صفوفنا، فانظر مثلاً من الذي يتكلم للعامة؟ تجد أن الأبرزَ هو الأقربُ مكاناً من القوم، هو من لا يكفرهم أو من لا يهتم بكفرهم أو من لا يشجب عليهم أو يثير القلاقل بينهم.
حين أنسحب من هذه الضوضاء وأحاول رسم صورة لما يحدث على أرض الواقع لا ترتسم الصورة بخاطري إلا ثلاثة أقواس... متتاليات... متداخلات... قوس بداخلنا وقوس أمامنا، وقوس خلفه لا نلمسه ولا نستطيع.
القوس البعيد من الكافرين، قد حموا أنفسهم بقوسٍ من المنافقين في السياسة والفكر، والقوس الثالث صنعته يد النفاق وهو بين أظهرنا... يتخللنا... بين صفوف الملتزمين بشريعة رب العالمين، أهلُ هذا القوس من إخواننا، مَن يجادلون في الكفر الأكبر ويقولون كل ما هو كائن اليوم على أرض الواقع كفر أصغر، وأن حدَّ الإيمان النطق بالكفر، وهو كلام نصوب بعضه ونتفهم بعضه ونرد جلَّه، وليس المقام مناقشة إخواننا، ولكن بيان هذه الأقواس الثلاثة المتتالية تبصرة وذكرى لأولي الألباب.
على ماذا الصراع؟
الصراع صراع وجود، ولا يسير في طريقه إلى (السلام) أو يصير إلى (السلام) بمفهومه الخاص، الذي لا يكون إلا حين تنعدم أفعال وأصوات المخالفين، لا يرضى الكافرون بالمؤمنين، ولا يرضى المؤمنون بالكفر ولا بالكافرين، لا يرضى أحدٌ منهم بالآخر إلا في إطار التبعية والانحسار وعدم التأثير في حياة الناس، ومن يقل بغير هذا يخادع نفسه.
ولك أن تسأل عن سبب الحروب القائمة اليوم على ظهر المعمورة في الأفغان وفي الشيشان وفي فلسطين والصومال ولك أن تسأل عن من يُصَادَر رأيهم ويُحْبَسون في بلادهم، ولم؟
من أجل (السلام)!!، فهؤلاء من منظور أولئك يسعون في الأرض (فساداً) ولذا وجب قتلهم أو (اعتقالهم) ليحل (السلام). منطق كمنطق فرعون إذ قال كما حكى على لسانه القرآن الكريم {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26].
والملأ يواجهون واقع الدعوة بما يناسبه، فحين يكون منكفئاً في ذاته لا يسمع به أحد ولا يتكلم في أمور العامة... بمعنى لا يُحْدِثْ تغيراً في حياة الناس فإنهم لا يلتفتون إليه، كما حصل مع الدعوة في فترة السرية، وكما حدث مع الحنفاء من قبل، وكما يحدث الآن مع (المتدينين) في المجتمعات الأوروبية والأمريكية، ثم حين يتحركون ويحدثون أثراً يشتدون لاستئصالهم فإن لم يقدروا خدعوهم واستنزلوهم عن مبادئهم، بالحوارات، كما حدث من قريش، كانت جادة في القضاء على الدعوة، ثم حين اشتد عودها لجئوا إلى (الحوار)، وراح (عتبة بن ربيعه) وراح الملأ جميعهم يعرضون على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشياء يريدون بها طريقاً وسطاً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، طريقاً يبقى كل على ما في يديه، تقول الروايات وذاك بعد أن أسلم حمزة وعمر.
لماذا عادت الدعوة للحوار بين الأديان؟
في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر 2007 وفي حلقة برنامج (القاهرة اليوم) التي عقدت لمناقشة أمر الكذاب اللئيم زكريا بطرس ـ قبحه الله ـ ، تكلم محمد سليم العوا بأنه تقدم بطلبٍ للفاتيكان لعقد جولة جديدة (للحوار بين الأديان) فرفض الفاتيكان حتى يُؤمن المتاحورون بعدم عصمة القرآن الكريم ويحذفوا منه بعض الآيات!!
والآن نرى الفاتيكان اشتد في طلب الحوار بين الأديان ثانية، ما الذي جاء بهم ثانية؟
الذي جاء بهم أن السنوات الأخيرة شهدت مواجهة مباشرة بين الشريعة الإسلامية والعقيدة النصرانية على يد الأرثوذكس في القنوات الفضائية، وأخص بالذكر الأقباط، وانتشرت هذه المواجهات الفكرية بين العقيدتين عن طريق الإنترنت في المنتديات الكتابية والغرف الصوتية (البالتوك) والمواقع الخاصة والعامة، وكذا القنوات الفضائية، والمساحة التي تحدث فيها المواجهة المباشرة بين الإسلام والنصرانية كبيرة جداً.
وساعد في وجود أثر قوي للحوارات المباشرة بين الإسلام والنصرانية، أن النصارى (الأرثوذكس ـ وخاصة الأقباط) استحضروا للعامة، وباغتونا، ثم إنهم وجدوا أثراً حين تكلموا للناس، وهذا شأن من يتكلم للعامة بأي شيء، فالعامة لا تمتلك ثقافة مضادة فهي تتبع أو تقف حائرة... فاغرة فاها متعجبة مما تسمع.
وساعد في حشد الناس حول هذه الحوارات الصريحة أحداث الدنمارك وما يفعله الأمريكان في الشرق وخاصة أن رئيسهم يبدي التدين ويدعي أن عبد الصليب، يرفعه، ويحارب باسم (الرب).
أقول: "وأنا من هناك، حيث هذه الحوارات المباشرة، قد منيت النصرانية بخسارة فادحة، وفي المكان الذي ثارت منه ـ مصر ـ يُسلم منهم كل يوم ما بين مائة ومائة وعشرين فرداً هذا على حد قولهم. هذا ولم يبرز لهم من أهل العلم أحد إلا قليلاً جدا، وهي تدور اليوم بنفر من المتحمسين الغيورين، كتب الله أجرهم ورفع الله ذكرهم".
لذا جاءوا ثانية يريدون إعادة الكرة من جديد، يريدون التشويه والتشويش كي لا يرى أحد الصورة على حقيقتها وكي لا يسمع الناس الرسالة الحقيقية التي جاء بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فمن كان ذكياً فلا يستدرج، وليعلم أن القوم جادون، يجادلون ويقاتلون، ومن كان تقياً فليتذكر الوقوف بين يدي الله غدا يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه.
وأختم بنداء على أهل العلم والتقوى ممن يرجون ثواب الله بعلمهم أو جاههم أو مالهم، حشد عبّاد الصليب الناس وراحوا يعرضون عليهم بضاعتهم الكاسدة الفاسدة، ويسبون في الإسلام، فهي فرصة سانحة أن نتكلم للناس... ندعوهم لصراط الله المستقيم، فهل من مشمر؟!
المصدر: طريق الإسلام