{فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}
أي ارْدُدْ عليهم عهدهم ردًا واضحًا علنًا مكشوفًا؛ حتى يستوي عِلْمُكَ، وعِلْمُهم بذلك، ولا يحل لك أن تَغْدُرَهم.
- التصنيفات: فقه المعاملات - ترجمة معاني القرآن الكريم -
هذا العنوان جزء من آية في سورة الأنفال وهي قول الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال:58].
وهذه الآية تشتمل على حُكْمِ المعاملة لمن تلوح منهم بوارق الغدر، بحيث يبدو من أعمالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بذلك.
وقوله: {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ} [الأنفال:58] أي ارْدُدْ عليهم عهدهم ردًا واضحًا علنًا مكشوفًا؛ حتى يستوي عِلْمُكَ، وعِلْمُهم بذلك، ولا يحل لك أن تَغْدُرَهم، أو تسعى في شيء مما مَنَعَهُ مُوجَبُ العهد حتى تخبرهم بذلك. هذا هو معنى الآية كما يقول المفسرون.
وكما أن هذا هو معناها فهي كذلك تشير إلى ما هو دون ذلك مما يجري في العلاقات العامة؛ إذ كثير من الناس يَشْكُون من تَقَلُّبِ أصحابهم، وتلوُّنِ أهل ودِّهم. ومبعثُ الشكوى أنهم يقولون: لنا أصحاب نحن وإياهم على خير ما يرام، وفجأة نراهم وقد صرموا حبال الود، وقطعوا العلائق، وتركوا الإتصال بنا، أو الرد علينا، وربما نقابل أحدهم بعد مدة فيلقانا بكل برود وتثاقل وعبوس دون أن ندري سبب ذلك، ودون أن يكون له مقدمات.
وقد نكون معهم في اتفاق حول شأن من الشؤون، ثم نُفاجَأ بنقض ذلك الاتفاق دون سبب ظاهر.
ولا ريب أن هذه آفة قبيحةٌ تَعْصِفُ بالعلاقات، وتُوْدِي بكثير من المودات، وتورث سوء الظن، وتبعث على القطيعة.
فيحسن بالعاقل اللبيب الذي يحترم نفسه، ويرعى حَقَّ من يخالطه، أو يصادقه أن يضع هذا الأمر في حسبانه؛ فلا يُقْدِمَ على قطع العلاقة مع أحد دون سبب، ولا ينقض ما أبرمه من عَهْدٍ أو عَقْدٍ مع غيره دون مقدمات.
وإذا كان ثَمَّ سببٌ فليخبر صاحبه به، ولينبذ إليه على سواء؛ فلعلَّ له عذرًا، وأنت تلوم، ولعل ما بلغك، أو توصلت إليه من نتيجة غيرُ صواب.
أما أن يقطع المودة هكذا فما ذلك بمسلك سديد ولا رشيد.
ثم إن العاقلَ إذا تَعَرَّض لمثل ذلك الموقف؛ بحيث يرى من بعض خلطائه تنكرًا، أو نقضًا فإنه يأخذ بالحكمة؛ فإن وُجِدَ سببٌ لذلك التَّغَيُّر، أو كان ثَمَّ لبسٌ أو سوءُ فهمٍ فإنه يوضحه، أو يعتذر إن كان أخطأ في حق صاحبه.
وإذا لم يكن شيء من ذلك فلا يُقْلِقْ نَفْسَه، ولا يجعلْها تذهب حسراتٍ على ذلك الصاحب العاتب الزاري؛ فاللوم على من صرم بلا سبب، وربما كان ذلك طبيعةً له معك ومع غيرك؛ فمن غرائب النفوس والطباع أن بعض الناس مولعٌ بالهجر، مُغَرىً بالقطيعة، يتلذذ بقطع الأواصر، وإيذاء الخلطاء والأقرباء.
وإذا كان الأمر كذلك فلا خير في ودٍّ يجيء تكلفًا، وليست تنال مودة بعتاب، وإذا هجرك بلا سبب فربما يرضى بغير سبب.
محمد الحمد
كتاب: ومضات