(40) المراتب الثمان لقضية الحكم بغير ما أنزل الله!

أبو فهر المسلم

هذه المراتب الثمان: من التقسيمات البديعة المفصَّلة، التي توضح المسألة، وترفع الإشكال والالتباس والتداخل، عند كثيرٍ من الدارسين، وكلها منثورة في كتب العلماء.

  • التصنيفات: السياسة الشرعية -

الحكم بغير ما أنزل الله مراتب:

المرتبة الأولى: يستحلّ ذلك، بأن يقول بأن الحكم بغير ما أنزل الله جائز: فهذا كفرٌ بالإجماع ولا نزاع فيه، والطوائف كلها توافق على هذا.

الثاني: أن يقول بأنه مخيَّر بين الحكم بما أنزل الله، والحكم بغير ما أنزل: وهذا كفرٌ بالإجماع، لا نزاع فيه بين كل الطوائف.

الثالث: أن يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله؛ أحسن من حكم الله: فهذا كافرٌ بالإجماع ولو حكم بما أنزل الله.

الرابع: أن يُبدِّل أحكام الله، فيحكم بالقوانين الوضعية، ويأتي إلى أحكام الله فيبدّلها، فيجعل عوضًا عن القصاص؛ غرامة مالية، ويجعل عوضًا عن قطع اليد؛ حبسًا، ويجعل هذا نظامًا للناس يمشون عليه، لا يتجاوزونه: وهذا كفرٌ بالإجماع، وقد حكَى الإجماع على هذا: إسحاق بن راهويه، وابن حزم، وابن تيمية، وابن كثير، وآخرون.

وينبغي ألا يختلف في مثل هذا.. لأن العلماء مُجمعون على أن مَن اتَّبع التوراة والإنجيل ولم يتبع القرآن؛ أنه كافر، مع أنها أحكام الله المنسوخة، فكيف بمن بدّل أحكام الله، واتبع وحْي الشياطين والغرب؟!

- ومن ذلك:

جعل الحكم تحت إرادة الشعوب، وكذا تحكيم الديمقراطية والعلمانية.. وهذا أصلٌ مُتفقٌ عليه، في جميع الشرائع.. لأنه معنى: لا إله إلَّا الله.

الخامس: أن يُشرِّع لعباد الله أحكامًا لم يأذن بها الله، مثل: أن يشرع لهم ركعةً خامسة للظهر، أو يشرع لهم قِبلةً غير قبلتهم، أو يَسن لهم أنظمةً مضادة لحكم الله ورسوله: فهذا مُشركٌ كافرٌ كذلك، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشورى من الآية:21]. وقال: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف من الآية:26].

والتشريع غير التبديل، فكل تبديل تشريع، وليس كل تشريع تبديلًا.

السادس: أن يترك حكمَ الله بالكلية، ولا يلتزم بشرع الله: فهذا كفرُه كفر امتناع عن التزام الشرع، لكن هذا الترك ليس محل اتفاق، وإنما وقع فيه الخلاف.

السابع: أن يَحكم بشرع الله تارة، وبغير شرعه تارةً أخرى، دون تبديل ولاتشريع، فقط يحكم ويترك: فهذا إذا لم يكن ممتنعًا؛ ففيه خلاف أيضًا.

الثامن: أن يترك حكمَ الله في قضية عينية، دون استحلال، أو اعتقاد أن هذا أفضل من شرع الله، كأن يحكم قاضٍ في قضية لصالح قريب له، دون استحلال ولا تبديل: فهذا الذي قال فيه أئمة السلف: كُفرٌ دون كفر.

فائدة:

قول ابن عباس: "كُفرٌ دون كفر"، معلول بعلتين:

الأولى: هشام بن حُجير، سيئ الحفظ، الثانية: أنه خالف مَعمرًا في لفظه، ومَعمر أوثق بكثيرٍ من هشام بن حُجير.

وأيضًا.. فإن العلماء قد حملوا أثر ابن عباس هذا -تنزّلًا-:

على الحكم بغير ما أنزل الله، في القضية المعينة فقط، ولم يطردوه أبدًا في التشريع العام للناس، ولم يقلهُ أحدٌ من المتقدمين قاطبةً. وإنما هو محض افتراءاتٍ، لا أساس لها.

وهذه المراتب الثمان: من التقسيمات البديعة المفصَّلة، التي توضح المسألة، وترفع الإشكال والالتباس والتداخل، عند كثيرٍ من الدارسين، وكلها منثورة في كتب العلماء.

وقد استفدتُ هذا التقسيم الدقيق، من شيخنا: العُلوان فكَّ اللهُ أسرَه.


 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام