(41) انتفاء الأعذار عمَّن شرَّع للناس غير ما أنزل الله

أبو فهر المسلم

قال الشنقيطي: "والعجب ممَّن يحكم غير تشريع الله، ثم يدَّعي الإسلام! وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان، مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت؛ بالغةٌ من الكذب ما يحصل منه العجَب".

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - السياسة الشرعية -

انتفاء الأعذار عمَّن شرَّع للناس غير ما أنزل الله، وألزمهم إياه، وكونه كافرًا كفرًا أكبرَ؛ لإتيانه ناقضًا واضحًا من الدين؛ وإن صلَّى وصام، وأقرَّ بما أنزل الله!

* قال شيخ الإسلام، في (الصارم المسلول):

"قال إسحاق بن راهويه: أجمع المسلمون أن مَن سبَّ اللهَ أو رسولَه، أو دفع شيئًا مما أنزل الله؛ أنه كافرٌ بذلك، وإن كان مُقرًّا بكل ما أنزل الله".

* وقال الشنقيطي، في (أضواء البيان):

"والعجب ممَّن يحكم غير تشريع الله، ثم يدَّعي الإسلام! وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان، مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت؛ بالغةٌ من الكذب ما يحصل منه العجَب".

* وقال الشيخ محمد بن إبراهيم، في رسالة تحكيم القوانين:

"وأما القانونيون: فمُتناقضون، حيث يَزعمون الإيمانَ بما جاء به الرسولُ ويُناقضون، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:151]".

* وقال الشيخ أحمد شاكر، في (عمدة التفسير):

"إن الأمر في هذه القوانين الوضعية، واضحٌ وضوح الشمس، هي كُفرٌ بواحٌ لا خفاءَ فيه ولا مُداورة، ولا عذر لأحدٍ ممَّن ينتسب للإسلام -كائنًا من كان- في العمل بها، أو الخضوع لها، أو إقرارها".

* وقال الشيخ ابن عثيمين، في مجموع رسائله:

"وهذا دليلٌ على كفرهم؛ لأنه قال: {يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا} وهذا إنكارٌ لإيمانهم! فظاهر الآية أنهم يزعمون بلا صدقٍ ولا حق... ومَن سنَّ قوانين تخالف الشريعة، وادَّعى أنها من المصالح المرسلة؛ فهو كاذبٌ في دعواه؛ لأن المصالح المُرسلة والمُقيّدة إن اعتبرها الشرع، ودلَّ عليها؛ فهي حقٌّ ومن الشرع، وإن لم يعتبرها؛ فليست مصالح، ولا يمكن أن تكون كذلك...

ومِن هؤلاء مَن يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية، لتكون مِنهاجًا يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية؛ إلا وهم يعتقدون أنها أصلحُ وأنفعُ للخلق، إذْ مِن المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية؛ أن الإنسان لا يعدل عن مِنهاجٍ إلى مِنهاجٍ يخالفه؛ إلا وهو يعتقد فضلَ ما عدل إليه، ونقص ما عدل عنه!

من أخطر ما يكون بالنسبة لحُكام المسلمين اليوم، فإنهم قد وضعوا قوانين تخالف الشريعة وهم يعرفون الشريعة! ولكن وضعوها -والعياذ بالله- تبعًا لأعداء الله من الكفرة، الذين سَنُّوا هذه القوانين، ومشى الناسُ عليها...

فأين الإسلام؟! وأين الإيمان؟! وأين التصديق برسالة محمد عليه السلام؟!

وأين التصديق بعموم رسالته، وأنها عامة في كل شيء؟!".

* وقال الشيخ ابن عبد الوهاب، في رسائله:

"وأما أهل السنة فمذهبهم: أن المسلم لا يكفر إلا بالشرك، ونحن ما كفَّرنا الطواغيتَ وأتباعَهم إلا بالشرك، وأنت رجلٌ من أجهل الناس، تظنُّ أن مَن صلَّى وادَّعى أنه مسلمٌ؛ لا يَكفر، فإذا كنت تعتقد ذلك؛ فما تقول في المنافقين الذين يُصلون ويَصومون ويُجاهدون؟! وما تقول في الخوارج؟!".

* وقال الشيخ عبد اللطيف بن حسن، في (الدُّرر السَّنية):

"ومن أعرض عن كلام أهل العلم، ورأى أن مَن صلَّى، وقال لا إله إلا الله؛ فهو من أهل القِبلة، وإن ظهر منه من الشرك، والترْك لدين الإسلام ما ظهر؛ فقد نادى على نفسه بالجهالة والضلالة، وكشَف عن حاصله، من العلم والدين بهذه المقالة... وهذا الفهم الفاسد؛ مردودٌ بكتاب الله، وسُنة رسوله، وبإجماع أهل العلم. وقد عقد الفقهاءُ من أرباب المذاهب، بابًا مستقلًا في هذه المسألة، وذكروا حُكم المُرتد من أهل القِبلة، وقرَّروا من المُكفرات أشياء كثيرة، دون ما نحن فيه، وجزَموا بأن العصمة؛ بالتزام الإسلام ومبانيه، ودعائمِه العظام؛ لا بمجرد القول والصلاة، مع الإصرار على المُنافي".

قلتُ:

وهذه الفتاوى وأضعافها، من هؤلاء العلماء وغيرهم، في عدم عُذر مَن حكم بغير ما أنزل الله، وإن صلَّى وصام؛ مبنيةٌ على ما قدَّمناه:

من كون الحكم بغير ما أنزل الله، وجعْله تشريعًا عامًّا مُلزمًا للناس؛ هو من الكفر الأكبر البواح، ومن المسائل الواضحة الجليَّة في دين الله، والتي يَكفر مُرتكبُها لأوَّل وهلة، دون عُذرٍ أو تأويلٍ أو جهلٍ أو استحلال!

وليس هذا ممَّا يَلزم معه، إقامة الحُجَّة، إذ إنَّ الحُجَّة فيه، قد قامَت بالقرآن نفسه، وبأصل رسالة الإسلام!

- غيرَ أن العلماء، قد خصُّوا العاجزَ بشيءٍ من الرُّخصة، اعتبارًا بعدم تمكُّنه، من الإتيان بجميع التشريعات، ولكونه قاصدًا إقامة الدّين، عازِمًا على تطبيقه، لكنه حِيل بينه وبين ذلك، وقد شهد الحِسُّ بصدقه!

يقول شيخ الإسلام، في مجموع فتاويه:

"فمَن ولِي ولايةً، يقصد بها طاعة الله، وإقامة ما يُمكنه من دينه، ومصالح المسلمين، وأقام فيها ما يُمكنه من الواجبات، واجتناب... المُحرّمات؛ لم يُؤاخَذ بما يَعجز عنه؛ فإن تولية الأبرار؛ خيرٌ للأمة من تولية الفُجّار".


 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام