كهنة فرعون في عصرنا الحاضر

أبو محمد بن عبد الله

الآل هنا هم الأتباع على الطريقة والخلفاء في المنهج، ولو جاءوا بعد آلاف السنين، وقد قال الله تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [فصلت:4]، سنة مطَّردة، كلما قام أتباع الأنبياء قام لهم أتباع الفراعنة، ولكن العاقبة للمتقين.

  • التصنيفات: الدعوة إلى الله - الطريق إلى الله -

الآل هنا هم الأتباع على الطريقة والخلفاء في المنهج، ولو جاءوا بعد آلاف السنين، إنْ في الخير أو الشَّر، فآل إبراهيم وآل موسى وآل محمد وآل الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام جميعهم هم أتباعهم على دينهم، والذين آمنوا بهم واقتفوا آثارهم واهتدوا بهداهم.. وآل إبليس وآل فرعون هم أتباعهم على مناهجهم وورثتهم في حربهم على دين الله والمؤمنين والتنكيل بهم وإقامة المذابح لهم والمشانق والمحارق: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}[البقرة:49]، سنة مطَّردة، كلما قام أتباع الأنبياء قام لهم أتباع الفراعنة، ولكن العاقبة للمتقين، وقد قال الله تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [فصلت:4].

ولكثرة آل فرعون وأتباعهم عبر التاريخ، وضراوة حربهم لآل سيدنا موسى عبر التاريخ أيضًا فقد ذُكر في القرآن (آل فرعون) أربعة عشر مرة، بينما ذُكِر (آل) مع الأنبياء جميعًا عشر مرات فقط! وهذا يتناسب مع سنة القلة والكثرة بين الفريقين..

فقد كَذَب الفرعون الأول والفراعنة بعده: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]. فلا هم هدَوْهم، ولا هم قصدوا نفعهم وهدايتهم أصلًا، وما زال ولن يزال الفراعنة يقولون ذلك في كل عصر ومصر، بطريقة أو بأخرى؛ بلسان الحال أو المقال، بل ويقولون كما قال فرعونهم الأول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24].

الفراعنة يدَّعون الحق، ويدَّعون أنهم هم المصلحون، وأنهم يريدون الخير والحق للبلاد والعباد، وأنهم قادرون عليه، أما آل موسى عليه السلام فهم-عندهم- المفسدون في الأرض، المخرِّبون للأوطان: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127، لا بل يُرسلون مخبريهم ووسائل إعلامهم وآلات إعدامهم: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)}[الشعراء: 53-56].

لما عادت حلقات التاريخ الغابر في العصر الحاضر، وعلى أرض مصر نفسها وفي شخوصٍ آخرين، فقد كِدْتُ أقرأ قول الملأ من قوم فرعون هذا الزمان أتذر مُوسى وإخوانه ليفسدوا في الأرض؟ بإبدال موسى وإخوانه بمرسي وإخوانه .

ولكنها مقروءة واقعًا فوق كل أرض يدب عليها وتحت كل سماء يستظل تحتها خلفاءُ موسى عليه السلام وتُبَّعُ فرعون عليه اللعنة: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ؛ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:36]. فما الذي يخشى آلُ فرعون تبديله من الأديان، وما الفساد الذي يُظهِرُه آلُ سيدنا موسى في الأوطان؟!

كل ذلك يتعلق بتشديدة: لطائف يَهَدِّي في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[يونس:35]، تتعلق بمن يهدي، ومن لا يَـهـدِّي إلا أن يُهدَى؛ ملكًا واختصاصًا وقدرة وقصدًا وسبيلًا وبلوغًا وعاقبة!

فهذا يا عباد الله المسلمين، ويا عبيد الله من غير المسلمين  لو سُئِلتم: أفمن يَخلق كمن لا يَخلق؟!
مؤكَّدٌ أنكم تتفقون على أنه ليس من يخلق كمن لا يخلق.
فإلى من تتوجهون في طلب الحاجات، وكشف الكربات..؟!
ظنِّى بكم أنكم تقولون إلى الله.. لأن له الخلق! حتى الذين أشركوا إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين!

أمَا تقرؤون في كتاب الخالق أن الذي يخلق هو – وهو فقط- الذي يستحق أن يَأمر؟! أوَليس الخالق هو القائل: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف:54]. 

فما لكم يا عباد الله – ويا عبيده- تبتغون الهداية عند غير الله، ممن لا يستطيعون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا ولا هداية.. فضلا عن أن يملكوها لغيرهم؟!

لا يملكون أن يهتدوا إلى أيسر الأشياء، ولا إلى كيف يفتكون الذبابَ شيئاً سلبهم إياه، لا يملكون أن يَهتدوا إلى كيفية حياطة أنفسهم وإلى حماية أعراضهم... فكيف تطلبون منهم حماية أو هداية؟!

اللهم إنك الحق، وتهدي للحق، ودينك الحق.. فاجعلنا اللهم من أهل الحق، وأريناه حقًّا وارزقنا اتِّباعه بالحق وللحق.

انتهى ما عندي مما يتعلق بهذه الآية، وفيها ما لم أجد بُدًّا من الإشارة إليه، مما شدَّني إليها الشدَّة.

وها قد حططنا الرحال بعد هذا التجوال مع شدائد هذه الشدة، ومع لطائفها البديعة، ولفتاتها الرشيقة، ومعانيها العميقة، والتي أوفى الله تعالى فيها البيان وأقام الحجة، هكذا القرآن كلُّه لمن أعطاه كُلَّه، فاللهم افتح بيننا وبين كتابك الهادي العزيز، واجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنا ودستور حياتنا، وشفيعنَا يوما القيامة.

يتبع لمقالات: لطائف: يَهَدِّي

وإلى شدَّات آخرى في آيات أخرى إن شاء الله تعالى

6 صفر 1436 (28‏/11‏/2014)