(43) لُغز المَداخلة والجاميَّة ومُقدِّسي الحُكَّام!
أبو فهر المسلم
ما هي الإشكالية التي أوقعَت المداخلة والجامية، ومُقدسي الحكام وأولياء الأمور؛ فيما وقعوا فيه؟!
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب - العقيدة الإسلامية - السياسة الشرعية -
ما هي الإشكالية التي أوقعَت المداخلة والجامية، ومُقدسي الحكام وأولياء الأمور؛ فيما وقعوا فيه؟!
الإشكالية باختصار:
أنه ثمة فرقٌ كبيرٌ جدًا بين الدليل، والاستدلال بالدليل، وبين صحة الدليل، وصحة الاستدلال به، إذ ليس كلُّ دليلٍ صحيحٍ؛ يصحّ الاستدلال به!
وعليه: فإن آفة هؤلاء.. أنهم عمَدوا إلى جمْع النصوص من هنا وهناك، وخاصةً نصوص السُنة مما في الصحيحين وغيرهما، ليقرروا زيفَ ما اعتقدوه وأُشربوه، في مسائل الحاكمية وتقديس الحكام!
ولم يكتفوا بهذه النصوص فحَسْب؛ حتى أعياهم الجهد في جمْع الآثار والمَرويَّات؛ عن الصحابة ومَن تلاهم؛ مما يختص كذلك بهذه المسألة!
بل راحوا يُفتشون ويُدققون ويُنقبون عن كلام الأئمة الأربعة، وغيرهم من أهل الحديث والفقه والسُنة، وجمعوا كذلك أقوال طائفةٍ كبيرةٍ من علماء أهل السنة، الذين عَنوا بكتابة العقيدة الصحيحة المُسندَة، وصنَّفوا فيها المُصنفات!
ونحن لا نُكذِّب بهذه النصوص ولا نتأوّلها، بل نُسلِّم لها ولِما دلَّت عليه من دلالاتٍ مستقيمة، لاعِوج فيها ولا أمْتًا.. بل ونحن ولله الحمد والمِنَّة؛ قادرون على أن نأتيهم بأضعافِ هذه النصوص، وما يربو على ضِعفها!
ولسنا أيضا برادِّين تلك العقائد المَوروثة لدينا عن سَلفنا وأئمتنا!
لكنَّهم لسوء فهمهم لهذه النصوص، وعجَلتهم في تقرير مفادها على غير وجهها؛ طاروا بها كلَّ مطار، واحتكروا نسبَتهم وحدَهم إلى السُّنة والسَّلف! وانطلقوا في خاصة الناس وعامَّتهم انطلاق النار في الهَشيم؛ تبديعًا.. وتفسيقًا.. بل وتكفيرًا! وارتموا في أحضان الطواغيت والطُّغاة.. مُتذللين مُنبطحين مُداهنين! طامعين في إرضائهم، مُتزلفين لنِيل ثِقتهم، غير عابئين بضياع أمّتهم ودينهم، بل والزجِّ بأهل العلم ممَّن خالفهم؛ في سجونهم!
وهي نتيجةٌ طبيعية لهذا الانحراف المُزري في فهم النصوص وتنزيلها!
لذا نقول:
إن القضية الحقيقية؛ ليست في حشد النصوص وجمعها، ولا في الوقوف عليها وإبرازها، وإنما القضية تكمُن في الآتي:
- أن جميع نصوص العلماء، المنقولة في طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه، والزود عنه، وقتال مَن بغى عليه، والسمع له والطاعة... إلخ؛ كلها في الحاكم الشرعي، الذي وُلِّي ولايةً شرعيةً صحيحة؛ بشروطها المتقررة والمُشتهرة، والتي سبق وأشَرنا إليها، مثل: تحكيمه للشريعة وإقامته للحدود، وقيامه بالجهاد، وإيفائه بالحقوق، وحفظ البَيضة... إلخ.
وأن المُتغلِّب في لسان العلماء قاطبةً؛ مَن قام بمثل ذلك.
- ولا يتنزل أبدًا هذا الأصلُ المتقرِّر ولا يَمضي؛ على حُكام اليوم!
إلا مَن كان له مثلُ الحال التي ذَكرْنا.. وهيهات!
فحُكام اليوم؛ مُتسلطون على بلاد المسلمين -وإن زعموا أنهم مسلمون - وماهم إلا غاصبون جائرون مأجورون. لا علاقة لهم بتطبيق شريعةٍ أو دين، وما ولايتهم إلا غصبٌ واضطرارٌ، لا اختيار فيها - إلا وهمًا -ولا خير فيهم- إلا أن يشاء ربي شيئًا!
- وهؤلاء العلماء الذين كثرت عنهم النُّقول؛ بعدم الخروج على الحاكم، وطاعته وإن كان متغلبًا؛ كلها في الحاكم الشرعي كما ذكرْنا، ولترى صِدْق ذلك؛ انظر إلى الحِقَب الزمنية التي عاش فيها هؤلاء العلماء، ليس في أحدها أبدًا حاكمٌ خارج عن القيود التي ذكرْنا، والحالة الوحيدة التي طَرأتْ على الأمة، مُخالِفة لذلك؛ كانت ولاية التتار، وقد تصدَّى لهدم هذه الولاية في وقتها؛ العلماءُ والأئمة، كالعز بن عبد السلام، وابن تيمية، وابن كثير، وغيرهم.
فيجب أن يُفهم كلامُ العلماء في سياقه؛ أحمد والشافعي والطحاوي والبربهاري وابن بطّة... إلخ. وحاشاهم أن يَتنزَّل كلامُهم وتقريراتهم، على حُكام اليوم! كيف وهم لم يُعاصِروا مثلَ هذه الكارثة التي حلَّت بديار المسلمين؟! هل كانوا يتصورون أصلًا؛ أن يتحاكم المسلمون المَربوبون لله؛ إلى غير شريعة ربهم وخالقهم؟!
هل دارَ بخَلَد أحدهم يومًا؛ أن الخلافة الإسلامية ستسقط، وأن حُكام المسلمين، سيصبحُون حاميها وحراميها؟!
هل كانوا يتوقعون ولو جدلًا؛ أن المسلمين سيتحاكمون إلى قوانين وضعية، فرنسيةً كانت أو أمريكية، صليبيةً كانت أو يهودية، ويدَعون شريعةَ أحكم الحاكمين؟! حاشاهم.. ثم حاشاهم.. ومَن أنزل كلامَهم في غير منزله؛ فليتبوأ خُصومَتهم يوم لا ينفع مالٌ ولا بَنون!
فبئس الفَهم وبئس التَّنزيل.. وبئس الرأي وبئس التَّدليل!
وكما قيل:
إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونُه *** وصدَّق ما يعتاد مِن تَوهُّمِ
فليتق الله كلُّ مَن وقف في صَفِّ هؤلاء المجرمين المُتسلطين! وليعلم أن هؤلاء ما هم إلا غاصبون متآمرون! وما بقي عذرٌ لأحدٍ بعد أن فضح اللهُ مخططاتهم يومًا بعد يوم، وخِتامًا:
إن لم تستطعْ أن تقول حقًّا.. فلا تنطق باطلًا!
وإن لم تستطعْ أن تُزيل منكرًا.. فزُل أنت، وذلك أضعف الإيمان.