عِمارة المسجد الأقصى

تطور عمارة المسجد الأقصى منذ أن فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس وإلى يومنا هذا

  • التصنيفات: التاريخ الإسلامي - الواقع المعاصر -

 

فتح عُمر بن الخطاب:
أول من بنى المسجد الأقصى في الإسلام (المُصلى في الساحات) هو الخليفة الراشدي عُمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15هـ/636م بعد أن فتح بيت المقدس. وقد اتفق جمهور المؤرخين على أن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أقام مسجدًا متواضعًا وصغيرًا ومُحاذيًا لسور المسجد الأقصى من جهة القبلة، وهو مبنى متواضع أنشأه من عروق خشبية ضخمة ويتسع لثلاثة آلاف مُصلي في وقت واحد. وحدد عُمر مكان المُصلى ليكون في صدر المسجد.

في العهد الأموي:
الرأي الراجح أن عبد الملك بن مروان هو الذي أمر ببناء المسجد، ولكن البناء لم يتم إلا في عهد ولده الوليد بن عبد الملك. وقد عني الوليد بن عبد الملك بالمسجد الأقصى عناية خاصة لمكانته عند المسلمين.

في العهد العباسي:
حدث زلزال في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور عام 138هـ/ 754م سقط بسببه شرقي المسجد وغربيه، فتمت عمارة المسجد الأقصى، ولكنه ما لبث أن تعرض لهزة أرضية عنيفة ثانية سنة 158هـ مما دعا الخليفة المهدي الذهاب لبيت المقدس وأعاد بناء المسجد مرة أخرى. وقد تولى الخلفاء العباسيين رعايتهم لبيت المقدس، وذُكر أن الأمن استتب فيها حتى إن المسافر ليلًا كان يجب عليه أن يحمل بيده وثيقة تُثبت هويته وإلا زُج به في السجن حتى يُحقق في أمره.

في العهد الفاطمي:
تعرض المسجد الأقصى وكذا قبة الصخرة لزلزال شديد فتهدمت أجزاء كثيرة منهما في عهد الحاكم بأمر الله سنة 406هـ، فلما تولى الظاهر لإعزاز دين الله أمر بإصلاح وترميم ما تصدع من المسجد الأقصى، وكذلك أمر بتجديده وترميمه بعد زلزال سنة 425هـ، وجدد المنتصر بالله سنة 448هـ الحائط الشمالي من المسجد وكذا الأروقة المُتصدعة.

الاحتلال الصليبي:
لم يكد ينتهي القرن الخامس الهجري حتى احتل الصليبيون مدينة القدس سنة 493هـ/ 1099م، وظلوا بها تسعين عامًا أراقوا فيها دماء الأبرياء من النساء والصبية، وهتكوا الحرمات، وأزالوا الأمن والأمان، وقضوا على المُقدسات، وكونوا فرقة أسموها (فرسان الهيكل) خُصصت لمكافحة المُسلمين، واتخذت من المسجد الأقصى مقرًا لأعمالها، وجعلته مستودعًا لأسلحتها، كما حولوا المسجد الأقصى إلى كنيسة ووضعوا على قُبته صليبًا بدل الهلال، كما اتخذوا من الأقبية الموجودة تحت المسجد اسطبلات لخيولهم.

في العهد الأيوبي:
ظل الأمر كذلك حتى استرجع صلاح الدين بيت المقدس، وكان ذلك في السادس والعشرين من رجب سنة 583هـ/ 1187م، وأمر السلطان بإزالة التماثيل والصلبان وأعاد المكان مسجدًا إسلاميًا كما كان في عهده السابق، وأحضر منبر السلطان نور الدين محمود من حلب ووضعه في محراب المسجد. وشهد العهد الأيوبي بعد صلاح الدين حركة عمرانية وإنشاءات رائعة الجمال في المسجد الأقصى، بقى بعضها قائمًا إلى الآن مثل قبة المعراج والقبة النحوية وأسبلة الماء العديدة وغيرها من المعالم والأوقاف.

في العهد المملوكي:
لما تولى الظاهر بيبرس السلطنة زار بيت المقدس سنة 661هـ/ 1262م وجدد كل ما تهدم من أبنية المسجد الأقصى، كما أنشأ خانًا يجمع أكبر عدد من التجار، وأوقف عليه أعيانًا كثيرة يُصرف ريعها السنوي في إطعام المُسافرين، كما يُقدم مصروفًا للمحتاجين منهم، كما خصص خمسة آلاف درهم سنويًا لتُصرف على شؤون المسجد الأقصى والقدس. ثم توالت يد الترميم والصيانة والرعاية للمسجد الأقصى طوال عهد السلاطين المماليك ولكنهم لم يُغيروا في معالمه الأصلية.

في العهد العثماني:
أهم الأعمال التي أجريت في المسجد الأقصى كانت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على يد السلاطين:
السلطان سليمان القانوني الذي جدد بناء سور المدينة.
السلطان عثمان الثالث أصلح القصدير الذي يكسو سقوف المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
السلطان محمود الثاني وعبد العزيز قاما بإجراء إصلاحات وترميمات وزود السلطان عبد العزيز المسجد الأقصى بالزجاج الملون سنة 1874م.
السلطان عبد الحميد فرش المسجد بالبسط من صناعة بلاد فارس وسجاجيد صلاة من آسيا الوسطى.
السلطان عبد الحميد الثاني وضع شمعدانًا كبيرًا من الفضة وجدد عمارة سبيل قايتباي.

الانتداب البريطاني:
في عهد الانتداب البريطاني (1920م- 1948م) كان يُشرف على مقدسات القدس المجلس الإسلامي الأعلى بفلسطين، وقام بالعديد من مراحل الصيانة والترميم للمسجد الأقصى بعد أن لوحظ عليه علامات التصدع.

الاحتلال اليهودي:
عطلت أعمال الصيانة والترميم تمامًا بعد الاحتلال اليهودي عام 1967م بسبب العقبات التي وضعت في طريق المقاولين والمعماريين فضلًا عن أعمال التنقيب والحفر التي يقوم بها اليهود بجوار المسجد الأقصى الأمر الذي هدد جميع المقدسات بالتصدع والسقوط، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بإحراق المسجد الأقصى سنة 1969م ما أدى إلى خسائر فادحة بالمسجد وكان أهمها المنبر الخشبي.

وها هو الكيان اليهودي مستمر في مؤامراته على المسجد الأقصى لهدمه وإقامة المعبد المزعوم على أنقاضه. ويمنعون أي ترميم للمسجد ليكون مآله للتصدع والسقوط على الأمد البعيد، ومع ذلك ما زال المسلمون في القدس والمسجد الأقصى يقومون بأعمال الترميم بشكل بسيط ومستمر وتم ترميم المُصلى المرواني وافتح للمصلين عام 1996م وساهم في ترميمه العيد من المتبرعين من داخل وخارج فلسطين، وفي عام 2006م تم وضع منبر يُحاكي منبر صلاح الدين الذي أحرقه اليهود.


(من كتاب: المسجد الأقصى.. الحقيقة والتاريخ)