لا أَنكسِر!
كل فترة، يطرقنا خبر مؤلم، تطوف بنا أزمة، أو ملمة، تزورنا الأحزان والآلام، تقع بنا المصائب، ترزؤنا التبعات والمسئوليات.. تلك دورة الحياة! ربما ثقلت علينا فناءت بحملها ظهورنا وأوشكنا على الانكسار، وربما صدمتنا فألقت بنا على جانب السير بلا حِراك. لكننا وفي كل مرةٍ تزورنا الآلام نرفع أكفّنا إلى السماء، نستمد العون، نستجمع ما بقي من قِوانا الجريحة، وننهض من جديد..
- التصنيفات: تربية النفس - الطريق إلى الله -
كل فترة، يطرقنا خبر مؤلم، تطوف بنا أزمة، أو ملمة، تزورنا الأحزان والآلام، تقع بنا المصائب، ترزؤنا التبعات والمسئوليات.. تلك دورة الحياة!
ربما ثقلت علينا فناءت بحملها ظهورنا وأوشكنا على الانكسار، وربما صدمتنا فألقت بنا على جانب السير بلا حِراك.
لكننا ووفي كل مرةٍ تزورنا الآلام نرفع أكفّنا إلى السماء، نستمد العون، نستجمع ما بقي من قِوانا الجريحة، وننهض من جديد..
الصالحون يكرهون الانكسار إلا في ركوع الصلاة، ويتبرؤون من الضعف إلا بين يدي الله، ويبغضون الذلة إلا سجودًا للملك المُتكبِّر، إنهم يعادون الظلام، ويصنعون للنور مصباح حياة..
إن قرار الانكسار أثقل التبعات التي لا يمكن أن تمحوها الأيام، وقرار الهزيمة اسوا القرارات التي لا تنساها صفحات التاريخ، فالتاريخ قسمان، منكسرمهزوم، وناهض منتصر، لذلك فالله سبحانه العزيز الحكيم يخاطب أهل الإيمان بخطاب يليق بهم: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
إن لحظات الألم تحتاج إلى قلوب شجاعة، وظهور تستعصي على الانحناء، ويحتاج الناس أنفسهم إلى تلك القلوب ليلتفوا حولها، ويتشبثون بها، فتنبعث فيهم زفرة الأمل من جديد.
ربما تظهر تلك القلوب الشجاعة بين الجموع بعد أن غابت، وربما عادت بعد رحيل، وربما برزت في لحظات الضعف أو الخور الثقيل الذي يصيب الجميع..
وربما يحدث ما هو أغرب من ذلك فيكتشف امرئ في نفسه تلك القوة ويرى من قلبه تلك الصلابة والشجاعة بعد أن لم يكن يعلمها عن نفسه، فتمرّ به مصيبةً ما فيكتشف قلبه ويعلم قوة نفسه.
والناس دومًا بحاجةٍ إلى ذاك القلب الشجاع الصلب، فلكأنهم يبحثون عنه كلما مرّت بهم صعوبة أو حلّت بهم نازلة، يُفتِّشون عنه في الوجوه، ويعرفونه في لفظات القول وخطوات السلوك ولمحات الأعين، فهو المتفائل عندما يحيط اليأس بالناس، والمِقدام بينما التراجع يكون عميمًا، ورابط الجأش إذ الإحجام يكسو الخُطى.
هو المتوكل على ربه بينما يتردّد الناس، والمتصل بالإيمان بينما تضعف القلوب المحيطة.. فتراه وكأنه مؤيد بقوةٍ علوية قادرة، تدفعه نحو العطاء، وتؤهله لحمل التبعة، وتوجهه للقرار الصائب.
والقلب الشجاع دومًا ذاهل عن الصغائر، مترفع عن المكاسب الخاصة, واهب نفسه للحق والخير والإيمان، فذكر الناس له ليس غاية تلفت اهتمامه، ولا مديحهم له منقبة يراها ترفع قدره، ولا تصدره في المجالس واشتهاره بين الأقوام أمنية تدور بذهنه النقي المخلص..
فهو ناذر نفسه لطاعة ربه، وكسب الثواب وتحقيق الأجر، والسعي للرضا الرباني السامي الرفيع، صراعات الناس على الدنيا في عينيه منقصة، وتسارعهم على المال في رؤيته معرّة وشينة، وسعيهم للمتاع في منطقه خيبة وخسران.
فالمسابقة عنده إنما هي نحو الجنان، والتسارع في الخُطى في عقيدته إنما يكون نحو الرضوان، والصراع على الدنيا عنده مُفسِد للصفاء ومُكدِّر لمعين الحكمة النقي الشفاف.
ينقل الواقدي عن أبي هريرة رضي الله عنه: "شهدتُ مؤتة فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قِبَل لنا به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب"، قال أبو هريرة: "فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة! ما لك؟ كأنك ترى جموعًا كثيرة، قلت نعم، قال: تشهدنا ببدر إنَّا لم نُنصر بالكثرة"..
وقال الواقدي: "لمَّا قُتِل ابن رواحه انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط! ثم تراجعوا، فأقبل رجل من الأنصار يقال له ثابت بن أقرم فأخذ اللواء وجعل يصيح بالأنصار -يُثبِّتهم- فجعل الناس يثوبون إليه من كل وجهٍ وهم قليل وهو يقول: إليَّ أيها الناس! فاجتمعوا إليه، فنادى على خالد بن الوليد وأعطاه اللواء وجمع الناس عليه حتى ثبت الناس وكرّوا ونصرهم الله".
خالد رُوشه