سحب الجنسيات.. طوق النجاة العربي لـ"إسرائيل"
أمير سعيد
لقد ظلت "إسرائيل" تقدم نفسها على أنها "جزيرة ديمقراطية وسط غابة من الديكتاتوريات العربية"، بالفعل لدى الكيان الصهيوني صورة لنظام ديمقراطي، لكنها في الحقيقة ليست كذلك فهي لا تعدو أن تكون قشرة يمكن الإيهام بحقيقتها لدى البسطاء وحدهم، مع هذا فهي لم تزل تمثل أمام العالم الذي يناصرها هذه الجزيرة، وإذا كان للنظام الديمقراطي تبعاته، فأكبرها هو الخضوع لرأي الأغلبية، واحترام حقوق الأقليات، لاسيما لو كانت بحجم ربع أن أقل من نصف عدد السكان بقليل.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
منذ أكثر من عشر سنوات، والسؤال الملح في أروقة ساسة ونخبة الكيان الصهيوني هو "ماذا سنصنع حيال الفجوة الهائلة في معدلات الإنجاب بين الفلسطينيين واليهود لصالح الفلسطينيين؟"
لقد ظلت "إسرائيل" تقدم نفسها على أنها "جزيرة ديمقراطية وسط غابة من الديكتاتوريات العربية"، بالفعل لدى الكيان الصهيوني صورة لنظام ديمقراطي، لكنها في الحقيقة ليست كذلك فهي لا تعدو أن تكون قشرة يمكن الإيهام بحقيقتها لدى البسطاء وحدهم، مع هذا فهي لم تزل تمثل أمام العالم الذي يناصرها هذه الجزيرة، وإذا كان للنظام الديمقراطي تبعاته، فأكبرها هو الخضوع لرأي الأغلبية، واحترام حقوق الأقليات، لاسيما لو كانت بحجم ربع أن أقل من نصف عدد السكان بقليل.
حار الصهاينة حين قادت مؤشرات التفاوت بين معدلات الإنجاب بين الفلسطينيين واليهود إلى اليقين بأن الفلسطينيين بعد عقود سيفوقون اليهود عدداً حتى داخل الخط الأخضر أو في حيز فلسطين المحتلة منذ العام 1948، وهم بطريقهم بعد سنوات قليلة من الآن لكي يمثلوا نحو ثلث تعداد نفوس هذا الحيز، وحيرة الصهاينة قادتهم إلى بعض الحلول غير الناجزة من شاكلة التشجيع على هجرة اليهود إلى فلسطين، والتي كادت أن تتوقف مع الحروب الأخيرة التي خاضها الكيان مع حركة حماس، حيث لم تعد "إسرائيل" لدى كثير ممن هم "أحرص الناس على حياة" حلماً يسعى إلى التضحية من أجله.
لكن جاء الحل أخيراً.. ثمة حل معروف لدى اليهود، جربوه من قبل عندما نجحوا في الإطاحة بالخلافة العثمانية قبل أقل من مائة عام، حين أسقط عملاؤهم الأتراك (عصابة أتاتورك اليهودية) الجنسية عن 144 شخصاً عثمانياً هم السلالة الحاكمة وتم طردهم من البلاد، لكن أيمكن التوسع في هذا الحل في هذا التوقيت، وبعدد هائل يبلغ ملايين يمكنه أن يبطل "القنبلة الديموجرافية الفلسطينية" التي يحذرها الصهاينة.. إجراء صعب بعض الشيء!
غير أن ثمة ما بدأ أنه يمهد السبيل لهذا الحل الصعب، ولو لم يكن مقصوداً بحد ذاته تقديم خدمة للكيان الصهيوني.. سلسلة متلاحقة من الإجراءات الاستثنائية تتخذها سلطات عربية بحق مواطنيها، ممن تتهمهم بجرائم مختلفة، ثم تجاوز هذا إلى من قد يشكلون تهديداً مستقبلياً حتى لو لم يرتكبوا اليوم "آثاماً"!
دول خليجية تنزع جنسيات عدد من مواطنيها "الإرهابيين" أو "المعارضين" على حد سواء، ثم تقديم عرض مثير للجدل من إحداها لـ"منح" عشرات الآلاف من سكانها من فئة "البدون" جنسية دولة أخرى مجهرية مع بقائهم ضمن حدودها مؤقتاً ريثما يتم "تذكيرهم بجنسيتهم الجديدة وما يتوجب عليهم أن يقوموا به حيالها"، ثم إعلان دولة عربية أخرى أنها ستعيد النظر مجدداً في أحقية مواطنيها ممن يتمتعون بجنسية فلسطينية بجنسيتهم الأخرى..
وفي الأعقاب، أعلن وزير داخلية الإحتلال الصهيوني أن حكومته "تدرس إمكانية سحب الإقامة من سكان القدس الذين يحرضون على الإرهاب والعنف"، ثم اقتراح له أهميته السياسية من وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان بأن يقدم نظامه حوافز اقتصادية لتشجيع "عرب إسرائيل" على ترك البلاد والانتقال للعيش في دولة فلسطين المستقبلية، عبر وثيقة رسمية لحزبه "إسرائيل بيتنا"، يقول فيها :"إن عرب إسرائيل الذين يقررون أن هويتهم فلسطينية بإمكانهم التنازل عن جنسيتهم الإسرائيلية ويصبحوا مواطنين في دولة فلسطين المستقبلية، وعلى دولة إسرائيل أن تشجعهم كذلك على القيام بذلك من خلال نظام حوافز اقتصادية". وهي حوافز يتوقع أن تكون عربية بالطبع!
وثيقة ليبرمان خطيرة، فكأنها تشير إلى أن الاعترافات المسرحية بدولة فلسطين التي تبشر بها الدول الأوروبية تباعاً، وعلى رأسها دولة وعد بلفور، بريطانيا، هي تقدمة لمصير أسوأ للفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة 48، وأنهم سيدفعون ثمن تهجير مبرمج، يتلخص في قانون يهودية "إسرائيل"، وسحب الجنسية "الإسرائيلية" من عرب فلسطين تمهيداً لطردهم من بلادهم عبر اتهامات بالإرهاب والعنف، ثم من رضي سيكون مدفوعاً بطريقة أخرى عبر "حوافز إقتصادية" تعودنا أن تكون عربية لإخراجهم بالإغراءات من بلدهم المحتل.
لقد عومل الفلسطينيون "داخل الخط الأخضر" معاملة سيئة جداً برغم اعتبارهم في القانون الصهيوني "مواطنين إسرائيليين"، ومورست ضدهم قوانين العنصرية والتمييز منذ العام 66 حين ألغيت الأحكام العسكرية، لكن القادم ربما أسوأ وأخطر؛ فالكيان الصهيوني ضاق بهم أكثر بعدما غدوا يشكلون خطراً ديموجرافياً كبيراً عليه؛ فمضت طبيعة الغدر والخيانة حثيثاً لمصير تهجير جديد.