البركان الذي يهدد أمريكا
هي أقرب للقارة منها للدولة العادية تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي المتنوعة وثروات طبيعية كبيرة وتنوع سكاني فريد حرصت على اختياره بعناية في معظم الأحيان.. إنها أمريكا الدولة العظمى القوية التي انفردت وحدها بالسطوة والنفوذ منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال المنظومة الشيوعية قبل أكثر من عقد من الزمان.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
هي أقرب للقارة منها للدولة العادية تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي المتنوعة وثروات طبيعية كبيرة وتنوع سكاني فريد حرصت على اختياره بعناية في معظم الأحيان.. إنها أمريكا الدولة العظمى القوية التي انفردت وحدها بالسطوة والنفوذ منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال المنظومة الشيوعية قبل أكثر من عقد من الزمان.
هي الاقتصاد الأكبر في العالم والجيش الأكثر تسليحا والمصانع الأكبر لشتى أنواع التكنولوجيا والمسيطرة على أسواق العديد من السلع الاستراتيجية وواحدة من دول الفيتو في مجلس الأمن والدولة المسيطرة على الأمم المتحدة باعتبار أنها الأكثر تمويلا لعملياتها واكبر دولة تنشر قطع حربية وجنود خارج أراضيها وتتمتع بعلاقات متشابكة ونفوذ مع معظم دول العالم ومع ذلك فهي تعاني من العديد من الأزمات والمشاكل الداخلية التي تهدد هذا الكيان الضخم بالانهيار في أي لحظة.
لقد فجرت حوادث قتل الشرطة الأمريكية لعدد من الرجال السود بشكل غير قانوني وإصرار القضاء على إعفاء الشرطة من المسؤولية وما صاحب ذلك من مظاهرات عنيفة واعتقالات وغليان في المجتمع الأسود وفي طبقات أخرى تعاني من التهميش، فجرت بركان الغضب وكشفت عن حجم المشاكل التي يعيشها المجتمع الأمريكي.
المجتمع الأمريكي عاش عشرات السنين داخل حلمه الذي صدره للعالم عبر وسائل إعلامه واسعة الانتشار وأفلامه الهوليودية التي تتحدث عن مجتمع الرفاهية واحترام حقوق الإنسان والقانون والعدل والأمن والرخاء ولكنه أخفى في طياته تهميشا وعنصرية حادة تجاه فئات مختلفة مثل السود والمسلمين وكانت العنصرية ضد السود قد عانى منها المجتمع الأمريكي بشكل علني لفترة طويلة وبعد حروب وثورات هدأت الأوضاع وحاول الوحش الأمريكي الصاعد في سماء العالم الجديد إخفاء سوءاته من أجل تجميل وجه القوة الكبرى في العالم التي "تعلم الشعوب معاني الحرية والديمقراطية" لكن المجتمع الأمريكي يعلم يقينا أن السود الذين كان يمنع في وقت من الأوقات دخولهم مطاعم وأندية البيض ويكتب على بعضها ممنوع دخول السود والكلاب! لا زالوا يعانون من تعامل يحمل الكثير من الازدراء والعنصرية رغم وصول بعضهم لأرفع المناصب إلا أنها تبقة حالات استثنائية.
الأزمة لا تقتصر على السود فقط فطبيعة النظام الأمريكي السياسي والاجتماعي تجعل فئات حزبية ورأسمالية معينة تتحكم في الحياة السياسية والاقتصادية وتحرم طبقات كثيرة من المشاركة الفعالة في اتخاذ القرار لتحكمها في الشركات الكبرى ووسائل الإعلام..ومن أمثلة ذلك تحكم اليهود في مجالات سياسية واقتصادية واسعة لا تتناسب أبدا مع قلة عددهم في المجتمع الأمريكي بينما لا يتمتع السود الذين يشكلون النسبة الأكبر بنفس المزايا بل أكثرهم يعيش في أحياء فقيرة تنتشر فيها أعمال الجريمة ويكون على المقيمين فيها دائما أن يبرهنوا على براءتهم وحسن سلوكهم أمام المجتمع.
ويزداد الأمر سوءا إذا علمت أن عددا كبيرا من السود اعتنقوا الإسلام على فترات متباعدة وهو الأمر الذي زاد من تدهور أوضاعهم في نظر المجتمع الأمريكي بينما كان الأمر بالنسبة لهم بحثا عن دين يدعو بشكل حقيقي للعدالة والمساواة دون عبارات جوفاء كالتي يرددها بعض القساوسة في الكنائس الأمريكية...إن انهيار الأسس والمقومات التي قام عليها المجتمع الأمريكي ولو بشكل نظري عندما تصطدم بواقع عملي على الأرض تزداد يوما بعد يوم؛ فهذا المجتمع الغني بثروات فاحشة يرسخ فيه الآلاف تحت خط الفقر في أوضاع بائسة لا يجدون مأوى ولا ملبس ولا طعام, كما أن الأنانية المفرطة التي يعاني منها هذا المجتمع حتى أنه يكاد لا يعلم ما يجري خارج حدوده إلا بما يؤثر مباشرة على حياته اليومية كل هذا ينذر بعواقب وخيمة تدمر التركيبة الاجتماعية التي يتكون منها مجتمع كل أبنائه تقريبا من المهاجرين أصحاب الثقافات المتعددة والتي لو لم تنصهر في بوتقة واحدة لأدت إلى انفجارات تشبه الانفجارات النووية.
حافظ المجتمع الأمريكي على تماسكه الظاهري لسنوات طويلة مستغلا الأوضاع الاقتصادية المستقرة نسبيا لمعظم طبقاته وتحكمه في ثروات العديد من الشعوب ولكن مع تصاعد نفوذ دول أخرى مثل الصين ومع الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي وحالة الكراهية المتنامية ضد سياسات الرجل الأبيض وتململ العناصر المهمشة داخل المجتمع الأمريكي كل هذا يشير إلى عوامل انهيار هذه الدولة العتية مثلها مثل بقية الإمبراطوريات الكبرى عبر التاريخ.
خالد مصطفى