الأسد مع كل مبادرة وضدها؟!
النظام السوري ساقط لا محالة بإذن الله، فلا يوجد مثال واحد بالتاريخ أن استطاع نظام استبدادي الوقوف بوجه ثورة شعب ضخمة كهذه، ولعل مطالبة السياسي الدرزي اللبناني وليد جنبلاط العائد لتوه من موسكو حليفة النظام الأسدي لأبناء طائفته الدرزية بالانشقاق عن النظام الأسدي والخروج من عباءته والالتحاق بالثورة مؤشر على تغير مزاج روسي تجاه الأسد الذي لم يعد قادراً على خدمة أسياده في مواجهة المارد الشعبي السوري التوّاق للحرية.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
قيل عن السياسي السوري الراحل أكرم الحوراني والذي كان أحد ما أُبتليت به السياسة السورية والمسؤول الأول والأخير عن تنامي نفوذ طائفة الأسد في الجيش السوري قيل عنه" إنه مع كل انقلاب وضد كل انقلاب"، بشار الأسد اليوم هو مع كل مبادرة وضد كل مبادرة في الوقت نفسه، الفارق بينهما أن الحوراني كان واضحاً صريحاً في وقوفه مع الانقلابات، أو ضدها عاكساً بذلك حمويته"نسبة إلى مدينة حماة" حيث أخلاق الفارس هل من مبارز؟!، بينما الأسد منذ عهد الأب عكس باطنيته وتقيته في أنه مع كل مبادرة، ولكنه في الحقيقة والواقع ضدها، ظهر ذلك في كل المبادرات التي طُرحت منذ المبعوث العربي إلى المبعوث الدولي واتفاق جنيف ومن قبلها محاكمة قتلة الحريري وعشرات الأمثلة التاريخية، التي تدل على أنها يؤيد المبادرات ويدرسها ليفرغها من مضامينها لا لتطبيقها والتعامل معها.
المبعوث الدولي دي ميستورا يبدأ من حيث بدأ أسلافه كوفي عنان و الأخضر الإبراهيمي وكأنك يا أبا زيد ما غزيت، يطرح اليوم متواضعاً جيوباً آمنة في حلب على غرار الجيوب الآمنة للأمم المتحدة في البوسنة والهرسك بالتسعينيات، ليتراجع عن اتفاق جنيف وتنحي الأسد وتشكيل حكومة ذات صلاحيات مطلقة، بالطبع اعتبر الأسد العرض جديراً بالدراسة، والله وحده يعلم كم ستطول الدراسة وماذا سيتبقى من المبادرة حين يوافق عليه، وعماذا سيعترض عليه، لكن المفترض في الثوار من وجهة دي ميستورا ومن خلفه، الموافقة الفورية دون قيد أو شرط، لا لشيء وإنما للتفرغ كما قال بكل بجاحة عبر البي بي سي لقتال داعش.
إذن وظيفة الحكم في سوريا هو أن يظل كلب حراسة،وهو ما فعله النظام منذ عقود حين حمى الأمن الصهيوني، وأفصح عن ذلك ابن خالته رامي مخلوف منذ بواكير الثورة من أن أمن إسرائيل من أمن النظام السوري وهو ما كرره نائب وزير خارجية إيران بكل صفاقة قبل أسابيع، دي ميستورا والقوى الدولية اليوم أضافوا وظيفة جديدة لكل من يصل إلى الحكم أو يتعاون معهم وهي محاربة تنظيم الدولة وغداً تكرّ المسبحة، أما إرهاب الأسد فهي مراهم للإجرام الدولي المتواطئ معه على ذبح الشام وأهلها وتدميرها لسنوات.
طرح الجيوب الآمنة في حلب ليست بحاجة إلى شرلكوك هولمز ليعرف أبعادها وألغازها، فالعالم كله بعد أن دمر العراق وسوريا على أيدي أسد والمالكي وحلفائهم الطائفيين يتجه إلى تدمير تركيا، ولذا فمثل هذا الطرح سينزع الورقة التركية المطالبة بمنطقة آمنة، تُعيد المشردين، وتوفير الجيوب الآمنة سيعيدهم بلا غطاء أمني وإنما يظلون تحت غطاء البراميل المتفجرة الأسدية، ليتفرغ إثرها النظام لقتال مناطق أكثر التهاباً مثل درعا وحماة وغيرهما من المناطق التي يخسر فيها، لكن الرد الذي أتى من ثوار حلب بالرفض واضعين شروطاً تعجيزية يشير إلى أن طرح دي ميستورا لن يكون أحسن حالا من طروحات عنان والإبراهيمي، فالثوار على الأرض يدركون تماماً أن أي مهلة أو تجميد إنما يصب في صالح نظام لا يرعى إلاّ ولا ذمة بخصومه، تجلى ذلك بما حل في حمص والمعضمية وغيرهما من المهل والهدن في الريف الدمشقي.
الأمم المتحدة التي أوقفت عدّ ضحايا السوريين بعد أن تعبت منه، هي نفسها الأمم المتحدة التي تبحث لها عن وظيفة ولو بطرح المطروح، وإعادة المعاد، فهي تدرك تماماً أنها تجتر تماماً طروحات سابقة، وأن هذا النظام لن يقبل بأي تنازل، فالقرار لم يعد في رأسه، وإنما في اليد الإيرانية الوكيل الحصري للنظام العالمي في المنطقة، سيما بعد تسليمها اليمن واستعدادها العبث بدول خليجية جديدة.
النظام السوري ساقط لا محالة بإذن الله، فلا يوجد مثال واحد بالتاريخ أن استطاع نظام استبدادي الوقوف بوجه ثورة شعب ضخمة كهذه، ولعل مطالبة السياسي الدرزي اللبناني وليد جنبلاط العائد لتوه من موسكو حليفة النظام الأسدي لأبناء طائفته الدرزية بالانشقاق عن النظام الأسدي والخروج من عباءته والالتحاق بالثورة مؤشر على تغير مزاج روسي تجاه الأسد الذي لم يعد قادراً على خدمة أسياده في مواجهة المارد الشعبي السوري التوّاق للحرية.
أحمد موفق زيدان