دالاي لاما.. والحكمة الضالة!

أمير سعيد

إن هذا النوع من الطب ـ إن جازت التسمية ـ يتطلب حالة "روحية" يتم التحكم بها في "الإرادات"، بما لا يمكن فصلها عن العقيدة البوذية وتعاليمها وطقوسها العبادية، خصوصاً أن رواده من الرهبان البوذيين، وعليه؛ فإن هذا الخلط يسرب إلى النفس ما يسرب، وهو ما قد تبدى في النهاية بهذه الصورة التي جعلت من "الإله بوذا الحي" ـ بزعم البوذية ـ يتوسط الصورة، وتوضع صورة بوذا نفسه خلفهم.. والجميع يضحكون على تلك الفاجعة التي تنم عن فراغ هائل، وهزيمة نفسية موجعة أمام "حكمة البوذية الضالة"!، وخسارة قيمية فادحة.

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية -

صورة لسعوديات يلتففن حول الكاهن الأول والسياسي للبوذيين في إقليم التبت في أعقاب دورة قيل إنها علمية أثارت جدلاً في السعودية بعد أن انتقدها الداعية المعروف الشيخ محمد صالح المنجد، قائلاً: "نهاية الدورات المزعومة كفر وشرك واختلاط برعاية الراهب وصورة بوذا ، شر وفتنة وبلاء دخلت مجتمعنا"؛ فبين مؤيد لهذا الاعتراض من الشيخ المنجد، على خلفية الاحتفاء بأحد الطواغيت التي يتوجه لها قطاعات شعبية بالعبادة في إقليم التبت الذي تحتله الصين، وطلبت نساء قدمن من قلب الجزيرة العربية التي بدأت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم منها التصوير مع هذا الكاهن، وما صاحب ذلك من اختلاط ونحوه. وبين معارض لهذا النقد لاعتباره متكلفاً يحمل الأمور أكثر مما تحتمل؛ فالصورة "تذكارية" بعد إتمام "دورة علمية"!
الصورة تلك، لم تبد مزعجة للبعض، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال فريق من الليبراليين وبعض "الناشطات" و"الناشطين" في مجال "حقوق المرأة"، لكنها على الصعيد الشخصي أزعجتني كثيراً، بل لا أفشي سراً إن قلت أن خيالي قد جال حتى حط بي في آخر الزمان، حيث سيتم التساهل في مثل هذه الأمور وصولاً إلى فادحة عودة نساء دوس لعبادة صنم ذي الخلصة، والتي أثبتها حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة" (كناية عن تزاحمهن حوله، يقول ابن الجوزي في كشف المشكل ج3/ص324 إنه "يصف قوة الحرص على السعي حول ذلك الصنم"، وقال ابن حجر في الفتح: "قال ابن التين: فيه الإخبار بأن نساء دوس يركبن الدواب من البلدان إلى الصنم المذكور" ـ نقلاً عن ملتقى أهل الحديث).
 
ومصدر الإزعاج في الحقيقة ليس التوسع في "سد الذرائع"، أو التحوط مما لا ينبغي المبالغة في آثاره؛ فالمسألة عند النظر إليها لا تتعلق فقط بالصورة، وإنما بخلل منهجي يحتاج إلى معالجة متأنية وواعية، وغير متشنجة؛ فببساطة ينبغي السؤال ابتداءً عن ذاك الذي دفع هؤلاء النسوة للسفر كل هذه المسافة للبحث عن "الحكمة الضالة" في الهند أو حتى في الصين؟! أهو الطب البديل، والعلاج "الروحي" الذي يشاع عن الرهبان البوذيين أنهم يتقنونه؟! أهي رحلة "علمية"، طبية، عن العلاج بإدارة الطاقة، وإفراغ السلبي منها؟!
 
لنفترض.. 
فما الذي يجعل هؤلاء النسوة يتزاحمن بالصورة حول الدالاي لاما؟ هل هو أكاديمي جامعي يتقافز الطلاب، وربما الطالبات لنيل صورة تذكارية معه في ختام العام الدراسي؟! لا، إنه ليس كذلك، وهو ذاته لا يدرس بدورات طبية ولا علمية، وإنما هو يقود أتباع نحلة شركية هي نحلة البوذية، فالرجل اسمه الحقيقي هو "تينزن غياتسو"، أما الـ"دالاي لاما" فهو اسم منغولي يطلق على "بوذا الحي" أو "محيط الحكمة" أو "إله الحكمة" لدى البوذيين الموجود على قيد الحياة بعد بوذا، ويشغل غياتسو هذه المكانة لديهم حتى يتوفاه الله ليحل محله "إله" آخر بزعمهم!
 
دعونا من هذا، ولنكن أكثر "مرونة" ونتصور أن الصورة الملتقطة وأظهرت هذا التزاحم حوله، ومحورية الرجل فيها تعود فقط لشهرته كزعيم سياسي منحته الماسونية العالمية جائزة نوبل للسلام قبل ربع قرن، ولربما يقول لنا "زملاؤنا" الليبراليون إن الصورة لها طابع تحرري سياسي، تقديراً لنضال الرجل!
 
حسناً، ليكن، لكن هل يعلمون أن الرجل يمثل رأس نظام ثيوقراطي شديد الارتباط بما يزعم أنه دين، وأن التبت قد كانت نحكمها سلسلة يتعاقبون عليها من الرهبان البوذيين، باسم "دالاي لاما" حتى احتلتها الصين في العام 1950، وأقامت فيها "نظاماً مدنياً" استبدادياً كمثل ما يبشرون به في عالمنا العربي؟! وعليه؛ فلم تستكثرون على خصومكم المتدينين أن يكونوا "ثيوقراطيين" ـ كما تزعمون مع أنهم ليسوا كذلك ـ وأنتم تتزلفون هكذا لأحد علامات الحكم الثيوقراطي الذي "يخلط الدين بالسياسة"، مثلما تحذرون؟!
 
وإن كان "نضاله" يأسرهم هكذا؛ فكيف فاتهم أضعاف هذا النضال غير بعيد من التبت، وفي دولة مسلمة تحتلها الصين مثلما احتلت التبت، هي تركستان الشرقية لديها مئات وآلاف من يفوقون نضال دالاي لاما، وثيق الصلة بالمخابرات الأمريكية، والذي دربت الوكالة ميليشياته قبل وبعد مقاومتهم التي انتهت في العام 1959 ضمن "المشروع سيرك  Project Circus " والذي سمح بنقل قواته الخاصة للتدريب بالخارج (أو انتفاضته المسلحة التي قتلت المئات من الصينيين) واستمر البرنامج حتى ألغاه نيكسون عام 1971.
 
يدافعون: لِمَ كل هذه المبالغات، إنها فقط رحلة علمية، ودورة لـ"طب الطاقة".. ذهبن يتعلمن أصول "الحجامة" مثلما ورد في إعلان تلك الدورة ضمن عناصر أخرى.. (وكأنها وضعت خصيصاً لامتصاص أي غضب تالٍ)!
 
ليكن، هل سيسمح لهن بممارسة هذا النوع من "الطب" إذا كان الطب النبوي نفسه لا يروق لكثير من النظم الطبية حول عالمنا العربي، ولا يمكن تخيل قبول "النخب العلمانية" لعقد دورات لتعلمه لا هنا ولا حتى في بلاد السند والهند! ولا يمكن في حسها "خلط الدين بالطب أو بالسياسة أو بأي شيء" لكن يبدو أن خلط البوذية بالطب، لا يجر فاعليه نحو التطرف!
 
إن هذا النوع من الطب ـ إن جازت التسمية ـ يتطلب حالة "روحية" يتم التحكم بها في "الإرادات"، بما لا يمكن فصلها عن العقيدة البوذية وتعاليمها وطقوسها العبادية، خصوصاً أن رواده من الرهبان البوذيين، وعليه؛ فإن هذا الخلط يسرب إلى النفس ما يسرب، وهو ما قد تبدى في النهاية بهذه الصورة التي جعلت من "الإله بوذا الحي" ـ بزعم البوذية ـ يتوسط الصورة، وتوضع صورة بوذا نفسه خلفهم.. والجميع يضحكون على تلك الفاجعة التي تنم عن فراغ هائل، وهزيمة نفسية موجعة أمام "حكمة البوذية الضالة"!، وخسارة قيمية فادحة.