دبيب الموت

أحمد كمال قاسم

أَحيي حاسة استشعار الموت فيك وإلا ستعض بنان الندم يوم لا ينفع مال ولا بنون.

  • التصنيفات: تربية النفس -

إن اﻹنسان منا عندما يُولد، فإنه يكون مفعمًا بالحياة، يتحرك في كل اتجاه بدون قصد معين، ولكن ﻻ عجب فإنه نبعُ الحياة الذي يتفجر من نفسه وجسده تفجرًا ملؤهُ الطاقةُ والزَخم.

ويحينُ اﻷجلُ فيكون اﻹنسانُ عاجزًا عن تحريك بَعضه، ثم يتطور معه اﻷمر، فيعجز عن تحريك بضعة منه، فإذا بها سكرات الموت تهيمن هيمنة الجبابرة على الجسد وتطرد ما تبقى من حياة، فيجف نبعها إﻻ من نقطة واحدة، تنتظر رياح المنية التي تهب مجففةً لها، ويحل محلها الموت البارد، فيبرد معه الجسد وتؤوب الروح إلى بارئها، الله تعالى، الذي نفخها في الجسد أول مرة.

أما في بحر حياته فهو في مزيجٍ بين الحي والميت. مزيجٌ غريبٌ تتصارع فيه الحياة والموت فيشعر الإنسان أحيانًا أنه مفعمٌ بالحيوية ويشعر أحيانًا أخرى أنه يذبل ويكاد يتساقط من فرط ضعفه وجدب حيويته نفسيًا أو جسديًا. وكلما تقدم به العمر كلما زاد نصيب الفرد من الموت وأفلس من الحياة حتى ينتهي أجله.

ولكن ما العمر؟ العمر؟! ما العمر إﻻ اﻷلم الذي أحس به اﻹنسان في حياته والخبرة التي حصلها وكلاهما يدوران في فلك بعضهم فالألم يُزيد اﻹنسان حكمة وخبرة، والخبرة والحكمة مع اﻻحتكاك بالبشر (على اﻷقل صورتهم كالبشر) يزيدان اﻹنسان ألمًا فوق ألم.

أما العجب كل العجب أن كثيرًا من البشر ﻻ يشعرون إﻻ بالحياة وﻻ يشعرون بإفلاسهم منها على مر الساعات واﻷيام والشهور بل السنين والعقود، بل اﻷعجب أنهم يشعرون بتجمد عمرهم عند شبابهم، فيشعرون أنهم دائمي الشباب مهما بلغوا من السن.. يا للعجب، إن حب أكثر الناس للحياة وكرههم للموت يعميهم عن حقيقة دبيب الموت فيهم تمامًا كما عبر الشاعر:

أﻻ كل ما هو آتٍ قريب *** وللأرضِ من كلِ حيٍ نصيب

وللناسِ حبٌ لطولِ البقاءِ *** فيها وللموتِ فيهم دبيب

الخلاصة:

أَحيي حاسة استشعار الموت فيك وإلا ستعض بنان الندم يوم لا ينفع مال ولا بنون.

والله أعلم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام