المطر أحكام وفوائد
أسباب الجدب: متى حل الجدب بالأرض لحق الناس والدواب وغيرها ضرر عظيم وهو من المصائب التي يبتلي بها الله - تعالى -عباده ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم [الحديد: 22] قال قتادة هي السنون، يعني الجدب، تفسير ابن كثير 4/315 وقال - تعالى -: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين [الأعراف: 130] أي بالجدب والقحط.
- التصنيفات: التصنيف العام -
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فهذه بعض الأحكام المتعلقة بالأمطار سائلاً المولى جل جلاله أن ينفعنا بها، قال - تعالى -: وجعلنا من الماء كل شيء حي [الأنبياء: 30] فجميع المخلوقات لا تستغني عن الماء بحال من الأحوال والأمطار من أهم مصادر المياه العذبة في الأرض ولنزول المطر من علو على ما نراه حكم عظيمة قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (تأمل الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من علو ليعم بسقيه وهادها وتلولها وظرابها وآكامها ومنخفضها ومرتفعها ولو كان ربها - تعالى -إنما يسقيها من ناحية من نواحيها لما أتى الماء على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر وفي ذلك فساد فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها فينشيء - سبحانه - السحاب وهي روايا الأرض ثم يرسل الرياح فتحمل الماء من البحر وتلقحها به كما يلقح الفحل الأنثى··) ا· هـ مفتاح دار السعادة 1/323 وسأتحدث عن هذا الموضوع وفق العناصر التالية:
- الاستسقاء عند الجدب:
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا، قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال فلا والله ما رأينا الشمس سبتا) رواه البخاري 968 ومسلم 897 وعند البخاري 1033 (ولم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته)·
- أسباب الجدب: متى حل الجدب بالأرض لحق الناس والدواب وغيرها ضرر عظيم وهو من المصائب التي يبتلي بها الله - تعالى -عباده ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم [الحديد: 22] قال قتادة هي السنون، يعني الجدب، تفسير ابن كثير 4/315 وقال - تعالى -: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين [الأعراف: 130] أي بالجدب والقحط·
وقال - تعالى -على لسان أخوة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما دخلوا عليه يشكون حالهم فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين [يوسف: 88] والضر هنا الشدة من الجدب والقحط، تفسير الطبري 13/49 تفسير ابن كثير 2/499·
وأسباب الجدب كثيرة ولعل من أهمها كثرة الذنوب:
قال - تعالى -: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس [الروم: 41] قال القرطبي مفسرا الآية ظهر الجدب في البر أي في البوادي وقراها وفي البحر أي في مدن البحر مثل واسأل القرية [يوسف: 82] أي ظهر قلة الغيث وغلاء السعر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض أي عقاب بعض الذي عملوا ثم حذف والقول الآخر أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم فهذا هو الفساد على الحقيقة· ا· هـ تفسير القرطبي 14/41 وانظر تفسير ابن كثير 3/436 الجلالين 536·
وعن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس - رضي الله عنهما - عن قول الله - عز وجل - إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما [التوبة: 39] قال استنفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيا من أحياء العرب فتثاقلوا فأمسك عنهم المطر وكان عذابهم، رواه أبو داود 2506 وعبد بن حميد 681 وابن جرير 10/134 والحاكم 2/114 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه·
وقال - تعالى -: وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون [الأعراف: 168] قال القرطبي - رحمه الله تعالى -: وبلوناهم أي اختبرناهم بالحسنات أي بالخصب والعافية والسيئات أي الجذب والشدائد لعلهم يرجعون ليرجعوا عن كفرهم· ا· هـ، تفسير القرطبي 7/310·
وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على الظلمة (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) [رواه البخاري 771 ومسلم 675 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]·
والتوبة لها أثر عظيم في نزول المطر قال - تعالى -حكاية عن نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا [نوح: 10 - 12] وقال - تعالى - حكاية عن هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين [هود: 52] قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون [الأعراف: 96] [المغني 2/148]·
وقال العباس لما استسقى به عمر - رضي الله عنهما - عام الرمادة: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس· [انظر: فتح الباري 2/497 ونيل الأوطار 4/32 والاستيعاب 2/814]·
حال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تخيلت السماء:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج تغير وجهه فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - سما أدري لعله كما قال قوم عاد فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم [الأحقاف: 24] [رواه البخاري 3034]·
وعنها - رضي اله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى ناشئا من أفق من آفاق السماء ترك عمله وإن كان في صلاته ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيها) فإن كشفه الله (حمدا لله) وإن مطرت قال: (اللهم صيبا نافعا) [رواه أحمد 6/190 والبخاري في الأدب 686 والنسائي في الكبرى 1829]·
وقد عذب الله - تعالى -أقواما بالمطر منهم:
1 - قوم نوح - عليه السلام - قال - تعالى -: فدعا ربه أني مغلوب فانتصر (10) ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر (11) وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر (12) وحملناه على ذات ألواح ودسر (13) تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر [القمر: 10 - 14]·
2 - قوم عاد وذكرناه سابقا·
3 - قوم لوط عليه السلام قال - تعالى -: وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين [الشعراء: 173]· فقد أرسل الله - تعالى -عليهم حجارة من سجيل لتكذيبهم رسولهم، تفسير القرطبي 13/133 وابن كثير 6/21·
4 - قوم سبأ قال - تعالى -: فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم [سبأ: 16] وهو الماء الغزير، تفسير ابن كثير 6/495 الجلالين 565·
وما واقعة تسونامي عنا ببعيدة فقد أهلك الله - تعالى -مئات الآلاف في دقائق معدودة نسأل الله - تعالى - العفو والعافية·
السنة عند نزول المطر:
من السنن عند نزول المطر ما يلي:
1 - التعرض له: عن أنس - رضي الله عنه - قال: أصابنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطر قال فحسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: (لأنه حديث عهد بربه تعالى) [رواه مسلم 898]·
2 - أن نقول الذكر الوارد عند نزول المطر وقد وردت عدة أذكار منها:
أ - قول (اللهم صيبا نافعا) فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى المطر قال: (صيبا نافعا) رواه البخاري 985·
ب - قول (رحمة) لحديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا رأى المطر (رحمة) رواه مسلم 899·
ج - قول (مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله) كما في حديث خالد بن زيد - رضي الله عنه -، رواه البخاري 3916·
3 - الدعاء العام عند نزول المطر فهو من مواطن استجابة الدعاء كما في الحديث الذي أخرجه الحاكم 2/114 وصححه، وانظر مجموع الفتاوى 7/129·
4 - إذا كثر المطر وخيف ضرره يسن أن يقول (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام - أي الهضاب - والجبال والآجام - أي منبت القصب - والظراب - أي الجبال - والأودية ومنابت الشجر) رواه البخاري 967 من حديث أنس - رضي الله عنه - ونحوه عند مسلم 897 وانظر زاد المعاد 11/459·
5 - ويسن أن يقول عند سماع صوت الرعد والصواعق ما جاء في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: (اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك) رواه أحمد 2/100 والبخاري في الأدب 721 والترمذي 350 وقال (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) وصححه الحاكم 4/318 وكان ابن الزبير - رضي الله عنه - إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) رواه مالك 18011 والبخاري في الأدب 723 وأشير إلى أن الصواعق تكثر في آخر الزمان كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق تلكم الغداة فيقولون صقع فلان وفلان وفلان) رواه أحمد 3/46 والحاكم 4/491 وصححه على شرط مسلم·
ولا بأس بالجمع بين الصلاتين إذا كثر المطر؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جمعا بالمدينة من غير خوف ولا سفر، قال أبو الزبير: فسألت سعيدا لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته) رواه مسلم 507·
كما يسن الصلاة في الرحال عند نزول المطر مع شدة البرد لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال: ألا صلوا في الرحال ثم قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول (ألا صلوا في الرحال) رواه مسلم 697 وفي رواية له تقييدها بالسفر·
حكم الاستسقاء بالنجوم:
قال - تعالى -: أفرأيتم الماء الذي تشربون (68) أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون [الواقعة: 68 - 69] وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة) رواه مسلم 934·
وعن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال أتدرون ماذا قال ربكم؟) قلنا: الله ورسوله أعلم· فقال: (قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا وكذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي) رواه البخاري 3916·
أقسام الاستسقاء بالنجوم وحكم كل قسم:
الأول: أن يدعو الأنواء بقوله مثلا: يا نوء كذا اسقنا، وهذا شرك أكبر في الألوهية لأنه صرف شيئا من العبادة وهي الدعاء لغير الله تعالى·
الثاني: أن ينسب حصول المطر للأنواء على أنها هي الفاعلة دون الله - تعالى -ولو لم يدعها وهذا شرك أكبر في الربوبية·
الثالث: أن يجعل هذه الأنواء سببا مع اعتقاده أن الله - تعالى -هو الخالق الفاعل وهذا شرك أصغر لأن من جعل سببا لم يجعله الله - تعالى -سببا لا بوحيه ولا بقدره فهو مشرك شركا أصغر·
الرابع: أن يريد بقوله (مطرنا بنوء كذا) أي في وقت كذا فتكون الباء ظرفية أي جاءنا المطر في وقت هذا النوء، وهذا جائز، انظر القول المفيد لشيخنا العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - 3/18 و2/31·
وأختم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (ليست السنة أن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئا) رواه مسلم 2904 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه·
أسأل الله - تعالى -أن يجعل ما أنزله علينا متاعا وبلاغا إلى حين وأن يجعله سقيا رحمة لا سقيا عذاب وهدم وغرق إنه جواد كريم والله - تعالى -أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه·
نايف بن أحمد الحمد