الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. الشام خارج التغطية
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
لم يدر في خلد محمد أحمد عبد الوهاب الإدلبي الملقب بـ "البطريق" حين نطق عبارته الشهيرة" أنا إنسان ماني حيوان" أن ليس نظام آل أسد لوحده من يصنفه كذلك، فالعالم كله جرّد السوريين من آدميتهم، ولولا هذا التجريد لما جرؤ طاغية الشام الأب والابن على استباحة الشام لخمسة عقود قتلاً وذبحاً وتشريداً وتجويعاً وإذلالاً، مناسبة الحديث هو الاحتفال الشكلي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتشدّق عالم كريه متكاذب منافق على تسلم ملالا كأصغر مستلم لجائزة نوبل للسلام..
أستذكر البطريق اليوم ابن الجانودية الصامدة في إدلب الخضراء درع الثورة وقلبها، والدمعات الحرّى التي تتفطر من مآقيه يوم التقيته بعد أشهر على اندلاع ثورة الشام العظيمة، التي سيسطر التاريخ أن لا مثيل لها في عنفوانها واستمرارها وخذلانها، استذكر البطريق ولا همّ له يومها إلا تهريب المستضعفين من داخل قريته والقرى المجاورة لتركيا فارين من الإجرام الأسدي الذي صبّ حقده وإجرامه عليها، كونها السندان الذي لجأ إليه السوريون هناك بفعل مطرقة الطاغية، ففروا إلى واحة تركيا النصرة..
أي سلام هذا والشام تُنحر في رابع ذكرى سنوية لحقوق الإنسان تمر عليها، ومذبحة يومية لم تشهدها البشرية من قبل، لا يكل ولا يمل الجزار من ممارسة هواياته، ومعه لا يكل العالم على الصمت بل والاستمتاع ربما برؤية مشاهد الدم الشامي بلحمهم المشوي في أقبية السجون وتحت صواريخ السكود والطائرات والمدفعية، ولا ننسى خنقهم بالكيماوي والكلورين، وكل ما تفتقت عنه الذهنية الطائفية الإجرامية لآل أسد.
حصيلة الإجرام الأسدي ومعه حصيلة الصمت العالمي المطبق أكثر من ربع مليون شهيد شامي، وأكثر من مليون جريح، ومعه نصف مليون مفقود، وأحد عشر مليون مشرد، وثمة أكثر من مليونين مهددون بوثائق سفرهم، وعالم حقير بلا ضمير لم يتمكن من إجبار طاغية تافه على مجرد تمديد جوازاتهم ليعيشوا كبشر، وهناك موت بطيء لملايين المحاصرين جوعاً في مخيم اليرموك الفلسطيني والمعضمية وداريا، والغوطة الغناء، التي حولها الطاغية إلى مقبرة صامتة، بينما يتجول الوسيط الدولي أو بالأصح الوسيط الأسدي ديميستورا الملقب ثورياً الآن" دي مفضوحا" في تركيا ونحوها أملاً في تجميد القتال بحلب، لكن حصار حمص من قبل وحصار الغوطة والمعضمية وداريا لا تحرك في جسده شعرة ما دامت الضحية هي الأغلبية السنية التي ينبغي أن تتحول إلى هنود حمر أو موريسكيين بنظره وبنظر مؤسساته الدولية المجرمة..
ظن السوريون ومن يؤيدهم أن تهز صور أحد عشرة ألف ضحية المسرّبة وهم يُعذبون ويقتلون بطريقة همجية لم تقع عليها عيون البشرية من قبل، أن تحيي هذه الصور ضميراً قد مات، مما يجر طاغية الشام إلى العدالة التي دفنت تحت أقدام طاغية الشام وحلفائه الطائفيين، وأهال عليها العالم كله تراب الصمت، مرّت المناسبة على صور التعذيب المسربة وكأنها لوحات فنية لبيكاسو في معرض فني بأرقى الصالات الباريسية والنيويوركية..
يعجز الإنسان أن يفهم سرّ هذا الصمت الرهيب إزاء مجرم كسر كل الحواجز، ونقض كل العهود والمواثيق البشرية وحتى الحيوانية، وتخلى العالم بشكل مفضوح عن كل ما يتشدق به، لا تفسير لذلك كله إلا أن هذا النظام محصّن دولياً أكثر مما هو كيان بني صهيون، هل تذكرون كيف أن العالم كله وقف وأجبر الكيان الصهيوني على وقف النار بعد أربعين يوماً في غزة، هل تذكرون كيف أن والده الطاغية حافظ أسد سارع كالفأر إلى تسليم المعارض الكردي عبد الله أوجلان بعد تهديدات تركية جدية، وكيف رضخ بشار نفسه إلى التهديدات الأميركية فخلع الثوب الكيماوي، وكيف يصمت صمت القبور على مداعبة الطائرات الصهيونية له بزيارة منشآته وقصفها ودكها بشكل روتيني، فلولا هذه الحصانة الدولية في السماح له بإبادة الشام، لما تمادى وتجرأ؟!
لم تُوثق ثورة ولا حدث ولا ذكرى كما توثقت الثورة السورية بالصوت والصورة وبكل شيء، وبإبداع بقدر ما أدهش العالم وأذهله، أحرجه أيضاً بصمته، بيد أن الشام وأهلها مصممون على المضي قدماً في مشروعهم التحرري الوطني، مهما كلف الثمن، ومصممون على التحلل من قيود العبودية، فقد كانت الشام جمهورية العبيد لآل أسد، وهما هم استشعروا نعمة الحرية والتحرر وأنّى لهم أن يعودوا إلى سابق عهدهم، فأجلبوا أيها الطائفيون خيلكم ورجلكم، فشعار الشام اليوم (...فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ).
أحمد موفق زيدان