تعليم القراءة
وتتطلب القراءة مهارات كثيرة وقدرة على التفكير، وهي لذلك تؤثر على شخصية التلميذ تأثيراً عميقاً ودائماً. فهي تشكل مواقفه نحو زملائه ومدرسته وأهله ونحو الحياة نفسها، وتدفعه إلى تذوق عظمة الكون وجماله، وقد تبث فيه الأمل في غد مشرق. ولكنها في الوقت نفسه قد تسبب للتلميذ الاضطراب أو الخوف أو القلق. من هنا يتحمل المعلم مسؤولية كبرى في اختيار النصوص التي يكلف تلاميذه بقراءتها وفي تقديم الإرشاد والتوجيه في تفسير هذه النصوص وتقريبها من أذهان التلاميذ.
- التصنيفات: وسائل التكنولوجيا الحديثة -
يمكننا أن نعرف التعليم بأنه عملية توفير الشروط المساعدة على التعلم.
وينطبق هذا التعريف على تعليم القراءة. ونبحث في ما يلي في الشروط اللازمة لتعلم القراءة في الصفوف الابتدائية الأولى. تشمل هذه الشروط الصحة البدنية والصحة النفسية والبصر والسمع والذكاء والخبرات الحياتية ومعرفة اللغة والرغبة والاهتمام بالقراءة.
ومن حسن الحظ أن جميع الأطفال تقريباً يلتحقون بالمدرسة وهم يتمتعون بمعظم هذه الشروط وإن كان ذلك بنسب متفاوتة، ويتعلم بعض الأطفال القراءة بالرغم من افتقارهم لبعض هذه الشروط. بل إن بإمكان الأطفال الذين لا يبصرون ولا يسمعون أن يتعلموا القراءة. ولكن يزداد عجزهم عن تعلم القراءة بازدياد افتقارهم للشروط التي نتحدث عنها.
ولا تقع المسؤولية الكاملة على المعلم والمدرسة في توفير جميع الشروط اللازمة، بل يقع جانب كبير من المسؤولية على الأسرة أيضاً. ولكن لا شك أن المدرسة تعتبر المسهم الكبير في توفير الشروط الضرورية لتعليم القراءة للأطفال.
ونحن إذ نحدد هذه الشروط في تنمية الطفل، لا نقصد من وراء ذلك تحديد نمط هرمي للقيم التعليمية. فمثلا الصحة البدنية والنفسية هي هدف بحد ذاتها وليست مهمة لمجرد أنها تلعب دورا كبيرا في تعلم القراءة وكأن تعليم القراءة هو الغرض الأسمى للمدرسة.
الصحة البدنية: لا شك أن قدرا معينا من الصحة البدنية ضروري لتعلم أي موضوع من الموضوعات التي يتعلمها الأطفال في المدرسة. فالتعب والإرهاق وانخفاض معدل حيوية التلميذ وغير ذلك من أعراض المشكلات الصحية - كل ذلك له اثر سلبي في إحراز تقدم في عملية التعلم. والتوتر العصبي أو الانحطاط البدني يمكن أن يفقد التلميذ الرغبة في التعلم وفي ممارسة القراءة. كما أن نقص الفيتامينات في الجسم واضطراب وظائف الغدد الصم له اثر في اضطراب عملية التعلم. ويذكر علماء التربية أعراضاً أخرى تسبب تدني قدرة التلميذ على التعلم، منها التهاب اللوزتين، والربو، والحساسية، والسل، وآلام الأسنان. ومن الواضح أن تغيب التلميذ المتكرر عن المدرسة بسبب هذه الأعراض يعوق عملية تعلم القراءة وقد يتشكل نتيجة له موقف عدائي أو لا مبال نحو القراءة إجمالاً.
ومن مهام طبيب المدرسة أن يحدد إن كان تخلف التلميذ عن تعلم القراءة مرده إلى أسباب بدنية ولكن من مهام المعلم بذل كل ما في الإمكان لتحسين الشروط الصحية في غرفة الصف. فالوجبات المغذية المجانية أو الزهيدة الثمن تساعد في تزويد التلاميذ بما يحتاجون إليه من غذاء ضروري وطاقة بدنية. وبإمكان المعلم أيضا المساهمة في توفير البيئة الصحية الضرورية في المدرسة كالإضاءة الجيدة ودرجة الحرارة المناسبة والمقاعد المريحة وفي تخصيص وقت مناسب للرياضة والراحة.
الصحة النفسية: من بين الشروط الأساسية لتعلم التلميذ القراءة الشعور بالأمان والقبول والحب وبالثقة بأنه قادر على القيام بالمهام المتوقعة منه. ولا ريب أن قدرة أي فرد على التعلم تزداد بازدياد ثقته بنفسه وبازدياد رغبته في الإنجاز. ولا يستطيع التلميذ أن يتعلم إذا كان فريسة للقلق والإحباط والإحساس بالعجز. ولهذه الأسباب وغيرها تسعى المدارس الحديثة لتشكيل موقف صحي في نفوس التلاميذ ولمنحهم شعورا بالانتماء والقبول واحترام الذات. وتعليم القراءة يكون ذا جدوى في بيئة يسودها الشعور بالأمان والصداقة والراحة النفسية والاطمئنان.
إن أي خبرة من شأنها أن تزيد من ثقة التلميذ بأنه قادر ومحبوب ومحترم تفيد في تيسير عملية تعليم القراءة. ويؤكد المربون أهمية العلاقة بين النشاطات الاجتماعية والعاطفية من جهة وبين قدرة التلميذ على تعلم القراءة من جهة أخرى. فهم يرون أن التلميذ المعتاد على أن يكون فردا في جماعة متعاونة ومتآلفة هو اقدر على تعلم القراءة من تلميذ لا يربطه برفاقه أي رابط من الود والصداقة أو أي نشاط خارج غرفة الصف. ويرى المربون أيضا أن تلميذا كهذا يستمتع بما يقرأه عندما يشارك أقرانه في قراءة قصة مثلا كما يتمتع تلميذ يشعر بالراحة والثقة في صحبة أبناء صفه.
وبينت بعض الدراسات التربوية أن التوتر والنفور بين أفراد بعض الأسر يؤديان في كثير جدا من الحالات وإلى عجز التلميذ عن تحقيق تقدم سريع وكبير في تعلم القراءة. وقد قال أحد المربين: إن التلاميذ يجلبون أسرهم معهم إلى المدرسة، بمعنى أن التلاميذ يذهبون إلى المدرسة وهم يحملون المواقف والقيم التي تعلموها من أسرهم ومن الأحياء التي نشأوا فيها في السنوات الأولى من حياتهم. ويدرك المربون أن التلاميذ الذين يبالغ أهلهم في حمايتهم أو الذين يعانون من إفراط أهلهم في دفعهم إلى التعلم والتحقق يواجهون تحديات كبيرة. وكذلك التلاميذ الذين يشعرون بأنهم عبء على أهلهم والذين يشعرون بعدم الأمان والاطمئنان بسبب صراع بين الأب والأم أو بسبب فقدان احد الأبوين أو كليهما. بالمقابل نجد أن التلاميذ الذين ينتمون إلى أسر مستقرة اجتماعيا واقتصاديا ويشعرون بأنهم محبوبون ومحترمون يقبلون على القراءة وتعلمها بحظ أوفر وبإمكانيات أكبر للتحقق والنجاح.
وإذا كانت الظروف الاجتماعية للتلميذ غير مواتية فإن من واجب المدرسة أن تأخذ ذلك بالاعتبار للتعويض عن هذه الظروف قدر الإمكان.
البصر والسمع: من الأسئلة التي يطرحها طبيب المدرسة عن التلميذ الذي لا يقرأ هو: هل هذا التلميذ يبصر جيدا؟ فالتلميذ الذي تؤلم القراءة عينيه لن يتمتع بالقراءة وسيتجنبها قدر الإمكان. وإذا كان إبصاره ضعيفا بحيث لا يستطيع التمييز بين الحروف فانه لن يتعلم القراءة إلا إذا عولجت عيناه. ويتعين على المعلمين أن ينتبهوا إلى أي أعراض قد تشير إلى ضعف البصر لدى التلاميذ.
ولكن يجب أن لا نفترض أن ضعف البصر هو السبب الرئيسي لإخفاق التلميذ في تعلم القراءة لان من المعروف أن أعراضا مختلفة لأمراض العيون من بعد النظر وقصر النظر وانحراف وعدم اتساق في عمل عضلات العينين هي أعراض يمكن ملاحظتها في التلاميذ الذين يقرؤون جيدا والتلاميذ الذين لا يقرؤون جيدا. ولكن جميع التلاميذ الضعاف والمتوسطين والجيدين يمكن أن نساعدهم في تحسين قراءتهم إذا عالجنا ما يعانون من قصور في عيونهم.
أما التلاميذ الذين يعانون من قصور في السمع فلا شك أنهم يعانون من مشكلة كبيرة. فهم مثلا يجدون صعوبة في الإفادة من شروح المعلم الشفوية، وبالتالي فهم يتلقون صورا سمعية مشوهة للكلمات التي يقرأها ويترتب على ذلك أنهم يواجهون صعوبة في تمييز الكلمات. ولكن من الممكن مساعدة التلاميذ الذين يعانون من ضعف في السمع بالاهتمام المناسب من الأهل والمعلمين والأطباء. ويختلف المربون في تحديد نسبة من يعانون من ضعف السمع بين تلاميذ المدارس الإبتدائية. فمنهم من يقول إن ما بين واحد ونصف بالمائة وثلاثة ونصف بالمائة من التلاميذ مصابون بضعف في السمع. بينما يقول البعض إن ما يصل إلى 30 % من البنات و50 %من الأولاد مصابون بضعف في السمع. ومهما يكن فإن بإمكاننا أن نستخلص أن من المهم أن نولي السمع اهتماما كبيرا بين جميع التلاميذ في المدارس الابتدائية.
الذكاء: من المعروف أن هناك علاقة وثيقة بين الذكاء والقدرة على القراءة. ويمكن أن يعزى جانب من هذه العلاقة إلى أن اختبارات الذكاء واختبارات القراءة فيها مهمات متشابهة على التلاميذ القيام بها. ولكن بصفة عامة إذا كان الذكاء هو معدل سرعة الفرد في التعلم فإن معنى ذلك أن تقدم التلميذ في تعلم القراءة مرتبط سلبا أو إيجابا بذكائه.
وإذا كان الاعتقاد السائد هو أن الذكاء صفة وراثية فإن معنى ذلك أن المدرسة لا تستطيع إلا أن تقف مكتوفة اليدين أمام هذا الشرط من شروط القدرة على تعلم القراءة. ولكن هناك ما يدعونا إلى الاعتقاد انه في السنوات الأولى من حياة التلميذ قد يكون للبيئة التي يعيش فيها أثر فيما يعتبر عموما بأنه ذكاء. فلا شك أن البيئة الغنية التي توفر للتلميذ فرصا كثيرة للتعلم يمكن أن تساعد التلميذ ذا القدرات الذهنية المحدودة على الاستفادة من هذه القدرات واستثمارها إلى حد أقصى من التلميذ المماثل الذي يعيش في بيئة ليس فيها تحريض للملكات الذهنية.
الخبرة الحياتية: تشير دراسات إلى أن النجاح في القراءة يعتمد على ما مر به القارئ من خبرات، فالمعلومات والانطباعات لدى التلميذ هي التي ستحدد إلى حد كبير كمية المعاني التي سيحصل عليها من الرموز البصرية على صفحة الكتاب الذي أمامه. وتشمل هذه المعلومات والانطباعات كل ما حدث له بصورة مباشرة وكل الخبرات الرمزية التي حصل عليها عن طريق القراءة والاستماع ومشاهدة أفلام السينما والتلفزيون وما شابه.
لقد غدا واضحاً أن العناصر الأساسية في فهم ما يقرأه التلميذ مستمد من الخبرة المباشرة. فالإشارة إلى مشاعر كالغضب والحب والكره والحنان والألم والضوء والظلمة لا يمكن أن يكون لها معنى إلا بالقدر الذي خبره التلميذ خبرة مباشرة. يضاف إلى ذلك أن الخبرة المباشرة لا تفيد فقط في اكتساب معنى من الصفحة المقروءة، ولكنها أيضا تحدث رغبة أكيدة في ممارسة القراءة، وهذه الرغبة على درجة عالية من الأهمية في تعلم القراءة وإجادتها. فالتلميذ الذي زار حديقة للحيوان مثلا سيقبل إقبالا قويا على قراءة نص يصف حديقة حيوان. والتلميذ المهتم بجمع الطوابع سيقبل إقبالا قويا على قراءة نص يتحدث عن هذه الهواية يفوق إقبال تلميذ لا يعرف شيئا عن الطوابع أو لا يهتم بها. إذن يعتمد عمق فهم التلميذ لما في نص من النصوص إلى حد كبير على عمق خبراته السابقة.
إن تعلم القراءة يعتمد أساساً على اتصال التلميذ اتصالاً مباشراً بالأشياء والناس والأحداث. ولا شك أن القراءة بحد ذاتها خبرة مهمة. فعن طريقها يستطيع التلميذ تشكيل صور ومفاهيم جديدة تمكنه من توسيع فهمه للواقع. وهذا يعني أن كل خبرة جديدة في القراءة تفيد في تشكيل أرضية مناسبة لفهم مزيد من النصوص والتمتع بها.
معرفة اللغة: إذا أردنا أن تكون الخبرة المباشرة عونا كبيرا في القراءة فإنه يجب أن ترافق تلك الخبرة خبرة لغوية كافية. فالتلاميذ الذين يزورون موقع فوج للأطفاء ويتعرفون إلى سيارات الإطفاء وما فيها من معدات من خراطيم مياه وسلالم متحركة ولكن دون تعلم الكلمات التي تستعمل في وصف هذه المعدات لا يستفيدون من هذه الخبرة في القراءة عن رجال الإطفاء وعن إطفاء الحرائق. فمن الضروري في هذه الحالة أن نطلعهم على الرموز اللفظية التي تطلق على المعدات وعلى عملية إطفاء الحريق. ويؤكد المتخصصون في التربية أن هناك علاقة قوية بين قدرة التلميذ اللغوية وما يحققه في مجال تعلم القراءة وان قدرة التلميذ على فهم اللغة واستعمالها شفويا عامل مهم في تعلم القراءة. وكل ما نعرفه عن لغة الطفل يشير إلى العلاقة الوثيقة بين الوجوه اللغوية الأربعة: القراءة والكتابة والتكلم والفهم. ولذلك بإمكاننا أن نستخلص أن الخبرة الواسعة لهذه الوجوه اللغوية بما فيها الاتصال الواسع بالكلمات والجمل تساعد على تحسين قدرة التلميذ على التعلم. فتعلم القراءة في أفضل الأحوال لا يتم عن طريق تمرينات منفصلة ولكن عن طريق بيئة تستعمل فيها اللغة استعمالا غنيا ومنوعا وملونا وعن طريق منهج يهدف إلى تحفيز التلميذ على اكتساب خبرات لغوية غنية.
الرغبة بالقراءة: وهذه هي الحافز الذي يدفع التلميذ إلى تعلم القراءة. وقد تكون هي الرغبة في عمل ما يفعله الآخرون حولنا. وقد تكون الرغبة في الحصول على معلومات أو في الحصول على متعة. ومهما يكن فإن الرغبة في القراءة تنشأ من إحساس بالحاجة إلى القراءة. ولذلك فإن تعليم القراءة يقتضي إيقاظ رغبة التلميذ في القراءة وإطلاق طاقته في الاتجاه الصحيح وجعله قادرا على توجيه نفسه بنفسه. وبذلك تقتصر مهمة المعلم على التوجيه وليس الضغط والإجبار. ولكن على التلميذ أن يقوم بجهد طوعي إذا كان لعملية التعلم أن تتم.
وللحافز أهمية كبرى في المراحل الأولى لتعلم القراءة. والحافز ليس مجرد ضرورة ميكانيكية للقراءة نفسها، ولكنه نتيجة لمساعدة المعلم للتلميذ في اكتشاف أهداف واضحة. وإذا كانت الخبرات الأولى للتلميذ في ميدان القراءة تهدف إلى تحقيق غاية واضحة فإننا نضعه على الطريق إلى تعلم القراءة بحيث تغدو ذات فائدة ومتعة. وليس بإمكاننا أن نسلحه في بادىء الأمر بمهارات ميكانيكية دون عناية خاصة بالمعنى ثم نتوقع منه أن يستفيد من هذه المهارات لاكتساب معلومات من القراءة.
إن أي واجب نفرضه على التلميذ في ميدان القراءة يجب أن يكون ذا هدف واضح. فليس مجديا أن نطلب إليه أن يقرأ نصا من النصوص دون أن نجهزه لهذا الواجب بان نبحث معه المادة التي ينطوي عليها النص المطلوب.
ومن مهام المعلم مساعدة التلميذ على طرح أسئلة ثم البحث عن إجابة لها من النصوص التي يقرأها. وإذا أحس التلميذ بالإحباط بسبب تعدد العقبات من صعوبة في المفردات أو من طول الجمل المبالغ فيه فانه يعزف عن العمل على تحقيق أغراضه عن طريق القراءة ويسعى إلى تحقيقها بوسائل أخرى. ويتخلى كثير من التلاميذ الصغار عن البحث التلقائي في الكتب لأجوبة طرحوها بأنفسهم لأنهم لا يتلقون التوجيه الكافي. ولكنهم إذا تلقوا التشجيع المناسب فإنهم سيبذلون قصارى جهدهم لاكتشاف كل خبرة ممكنة طارحين من الأسئلة أكثر مما يستطيع الحكماء والعالمون بالأمور الإجابة عليه!
ويميل التلاميذ إلى قراءة وفهم المادة التي تتحدث عن موضوعات في صلب اهتماماتهم. وقد بينت بعض الدراسات أن التلاميذ يميلون إلى قراءة قصص أعلى من مستواهم على سلم الصعوبة إذا كان في هذه القصص ما يجذبهم ويسليهم. ولذلك فان التلميذ المهتم بلعبة كرة القدم قد يقرأ خبرا عن هذه اللعبة في الصحيفة بالرغم من أن الخبر مكتوب بلغة لم يصل إليها مستواه بعد.
وتتولد اهتمامات التلاميذ جزئيا على الأقل من الخبرات التي مروا بها. وهي ذات علاقة وثيقة بأنشطة اللعب والعمل التي يمارسونها في حياتهم اليومية. وبعض هذه الأنشطة مشترك ما بين الأولاد والبنات، وبعضها الآخر مشترك ما بين الأولاد فقط أو ما بين البنات فقط. كما أن بعض الخبرات ذات طابع شخصي وفردي وتتأثر بمستوى التلميذ الذهني والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها. ولما كانت الاهتمامات مكتسبة وليست موروثة فان من الممكن توسيعها وتنويعها وتغذيتها. فأي نشاط يفتح أمام التلميذ مجالات جديدة من الاستكشافات يمكن أن يساعده في توسيع دائرة اهتماماته في ميدان القراءة وفي إتقانه القراءة في وقت أقصر. ولذلك فإنه يجب تعليم القراءة في إطار أنشطة ذات هدف وغاية بقصد توسيع اهتمامات التلميذ. فالراديو والتلفزيون والنشاطات المختلفة التي يمارسها أفراد الصف وحلقات النقاش التي تهدف إلى تباد الخبرات كلها وسائل تمهد السبيل إلى تعليم القراءة في المناخ المناسب.
ويكتسب بعض التلاميذ المهارات اللازمة للقراءة دون تدريب وتعليم. فإذا توفرت العوامل التي أتينا على ذكرها وإذا توفرت البيئة التي تساعد التلميذ على أن يرى ويسمع ويفكر ويتأمل فان هذا التلميذ سرعان ما يكتسب القدرة على تمييز الكلمات وعلى فهم الجمل. وقد تكون تمرينات القراءة التحليلية لمثل هذا التلميذ مضيعة للوقت.
ولكن معظم التلاميذ يستفيدون من المعلم في اكتساب المهارات اللازمة للقراءة. وهم يحققون تقدما في هذا السبيل إذا بين لهم المعلم كيف يميزون الحروف وكيف يكتشفون عناصر مألوفة في كلمات طويلة غير مألوفة وكيف يلاحظون التفصيلات ويفهمون المعنى الذي يقصده الكاتب وكيف يكيفون سرعة القراءة مع طبيعة النص الذي يقرؤونه ومع الغرض الذي يريدون تحقيقه من القراءة. وهذه المهارات يمكن تعلمها عن طريق الممارسة الموجهة.
هذه العوامل المساعدة على القراءة التي أتينا على ذكرها في هذه الدراسة تشير بوضوح إلى العلاقة الوثيقة بين تعلم القراءة من جهة وتطور الطفل ونموه جسمياً ونفسياً وعاطفياً واجتماعياً.
وتتطلب القراءة مهارات كثيرة وقدرة على التفكير، وهي لذلك تؤثر على شخصية التلميذ تأثيراً عميقاً ودائماً. فهي تشكل مواقفه نحو زملائه ومدرسته وأهله ونحو الحياة نفسها، وتدفعه إلى تذوق عظمة الكون وجماله، وقد تبث فيه الأمل في غد مشرق. ولكنها في الوقت نفسه قد تسبب للتلميذ الاضطراب أو الخوف أو القلق. من هنا يتحمل المعلم مسؤولية كبرى في اختيار النصوص التي يكلف تلاميذه بقراءتها وفي تقديم الإرشاد والتوجيه في تفسير هذه النصوص وتقريبها من أذهان التلاميذ.
زياد الحكيم