اتقوا الله في لغتنا العربية
أميمة بنت أحمد الجلاهمة
لدينا وزراء أدركوا واجبهم الديني والوطني تجاه هويتهم فعملوا على فرض اللغة العربية التي هجرت، فها هي وزارة التربية والتعليم تصدر قرارا إلزاميا لجميع المعلمين والمعلمات في مدارس التعليم العام بالحديث باللغة العربية الفصحى.
- التصنيفات: اللغة العربية -
لدينا وزراء أدركوا واجبهم الديني والوطني تجاه هويتهم فعملوا على فرض اللغة العربية التي هجرت، فها هي وزارة التربية والتعليم تصدر قرارا إلزاميا لجميع المعلمين والمعلمات في مدارس التعليم العام بالحديث باللغة العربية الفصحى.
حالنا مع لغتنا العربية محيرة لأبعد الحدود، ففي حين يتمسك الآخرون بلغتهم القومية نجد الكثير منا من يتباهى بأن أطفاله لا يتحدثون العربية!
لا أفهم كيف يتعامل بعضنا مع اللغة التي اختارها الله سبحانه وتعالى لتكون من دون لغات العالم لغة كتابه سبحانه؟! ففي حين نجد أن اللغة العربية هي التي نطق بها القرآن الكريم، وحين نجد أن المسلمين كافة ينطقون بها على الأقل خمس مرات يوميا مؤدين فريضة الصلاة، نجد أن بعضنا يهمل تعليمها لأولاده، بل يستهجن ويسخر من الناطقين بها الحريصين على التحدث بها.
هؤلاء يفتقدون المنطق ويمارسون جلد الذات بشكل فردي، ويحاولون دفن تراثهم وهويتهم بسبب تلك النظرة التي ينظرون فيها إلى أنفسهم، فهم يعتقدون يقينا أن التقدم لن يتحقق لهم، ولن ينالوا احترام الناس إلا عندما يتخلون عن لغتهم وتراثهم وتقاليدهم، ومع الأسف هؤلاء ليسوا قلة بيننا.
قد نقبل تبرير بعضهم لهذا الواقع في الدول التي هيمن عليها الاحتلال، ولكن لا يمكن لنا أن نقبل أو نستوعب مبرراته في الدول التي لم تخضع للاحتلال الغربي في يوم من الأيام، فإن أجد جماعة تحبذ التحدث بالأعجمية في بلاد ذاقت سطوة الاحتلال فهذا أمر له مبرراته من وجهة النظر التاريخية على الأقل، فالاحتلال عادة ما يحارب تراث البلاد المحتلة، دينها ولغتها وتقاليدها، بل عندما يمهد طرقها وينشر الوعي الصحي والأمني.. إلخ، يفعل ذلك تمهيدا لاستقراره وتوفير كل مقومات الحياة الضرورية لحياته على أرضها، وليضمن بقاءه أطول فترة محتلا لها.
المضحك أننا في معظم مجتمعاتنا العربية مع الأسف عندما يتوجه أحدنا لطلب وجبة طعام، ولو من مطعم متخصص في الوجبات السريعة، قد يجد نفسه مضطرا إلى التحدث بغير اللغة العربية، بل قد يفعل لو اتصل بأحد الفنادق للحجز أو للحصول على خدمة فندقية، بل وصل الحال ببعضنا عندما يريدون التحدث إلى أحد الوافدين من غير العرب باللغة العربية، نجد ألسنتهم قد اعوجت دون إرادة منهم يمنة ويسرة لتخرج كلماتهم لا عربية ولا أعجمية، وهنا نضحك على أنفسنا كثيرا، وكان الأولى أن نبكي عليها بالقدر نفسه.
المؤلم أن بعض مؤسساتنا الثقافية المعتبرة عند التعريف عن نفسها تستخدم لغة غير اللغة العربية، فمواقعها الإلكترونية تطالعك بغير لغة الضاد، وعلى من يرغب مطالعة صفحاتها باللغة القومية عليه ان يحول الرابط إليها، وإلا فلن تعلن عن نفسها إلا بالإنجليزية وكأنها مؤسسة غربية أوجدت مكانا لها على خريطة الوطن بقوة الاحتلال الثقافي.
أحمد الله سبحانه أن لدينا "مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية"، الذي يتجه لخدمة اللغة العربية في نطاقها العالمي، والذي يهتم بوضع الخطط الكفيلة بتثبيت الهوية اللغوية العربية. هذا المركز خصص جائزة تقديرية عالمية يمنحها كل عامين للعلماء والباحثين والمختصين والمؤسسات في مجال خدمة اللغة العربية، فتمنح في فرعها الأول للعلماء تقديرا لإنجازاتهم العلمية المتعلقة باللغة العربية، وفي فرعها الثاني تمنحها للمؤسسات المتخصصة التي تقدم مشاريع متميزة في خدمة اللغة العربية، وقيمة الجائرة لكل من فرعيها 750 ألف ريال سعودي وبراءة الجائزة، مع درع تذكاري.
كما أحمد الله سبحانه أننا في الآونة الأخيرة أصبح لدينا في المملكة العربية السعودية وزارات تعمل على حماية اللغة العربية وتسخر كل الوسائل لهذه الغاية، أحمد الله أن لدينا وزراء أدركوا واجبهم الديني والوطني تجاه هويتهم فعملوا على فرض اللغة العربية التي هجرت، فها هي وزارة التربية والتعليم تصدر قرارا إلزاميا لجميع المعلمين والمعلمات في مدارس التعليم العام بالحديث باللغة العربية الفصحى، موضحة أنها ستضع الحوافز الكافية لتشجيع هذا التوجه، أما وزارة التجارة فقد أعلنت في 1/1/1434 أنها بدأت في ضبط مخالفات عدم التقيد باستخدام اللغة العربية في البيانات التجارية المقدمة أو المعروضة للمستهلك، ومؤخرا أكدت بأن المهلة الممنوحة للقطاع التجاري والخدمي لتعريب الفواتير واستخدام اللغة العربية في مراكز الاتصال وخدمة المتعاملين تنتهي بعد حوالى شهر من الآن، لتبدأ الوزارة بعدها بفرض غرامات مالية على المراكز غير الملتزمة بهذا الاجراء.
وعلينا في هذا الصدد أن نشير إلى أن معظم دول العالم على سبيل المثال فرنسا وألمانيا وإسبانا اليابان والصين وتركيا وغيرها من الدول التي لها مكانة عالمية سياسيا واقتصاديا وسياحيا لا تقبل التعامل حتى مع السياح بغير لغتها القومية، ولا أعرف كيف للغة الإسبانية والفرنسية والألمانية والصينية واليابانية.. إلخ التمسك بها والعمل على إحيائها وفرضها على الجميع ممن اختار العيش على أراضيها وهي في المجمل لغة لا يتحدث بها إلا القلة من الدول، مقارنة بلغتنا العربية التي يتعامل بها أكثر من مليار مسلم، والساكنون 47 دولة إسلامية منها 14 دولة عربية بخلاف غيرها من الدول، وأنا هنا لا أقلل من قدر تعلم اللغات الأخرى بل أطالب بالاهتمام بها والحرص على تعلم أكثر من لغة، ولكن ليس على حساب لغتنا العربية.
أخيرا، أكرر على لسان الأمير خالد الفيصل بمناسبة إعلان مؤسسة الفكر العربي في دبي لمشروع "لننهض بلغتنا"، حيث قال: "لكل من يتهاون بموضوع لغتنا هويتنا أقول لهم: اتقوا الله في لغتكم.."