كذبة إبريل

الإسلام سؤال وجواب

والصدق أحد أركان بقاء العالم .. وهو أصل المحمودات، وركن النبوات، ونتيجة التقوى، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع، والاتصاف بالكذب: انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق.

  • التصنيفات: التصنيف العام -

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له . وبعد : فإن الكذب من مساوئ الأخلاق، وبالتحذير منه جاءت الشرائع ، وعليه اتفقت الفِطر ، وبه يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة.

والصدق أحد أركان بقاء العالم .. وهو أصل المحمودات، وركن النبوات، ونتيجة التقوى، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع، والاتصاف بالكذب: انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق.

" بريقة محمودية " محمد الخادمي ( 3 / 183 ) .

وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب والسنة ، وعلى تحريمه وقع الإجماع ، وكان للكاذب عاقبة غير حميدة إن في الدنيا وإن في الآخرة .

ولم يأت في الشرع جواز " الكذب " إلا في أمورٍ معينة لا يترتب عليها أكل حقوق ، ولا سفك دماء ، ولا طعن في أعراض ...الخ ، بل هذه المواضع فيها إنقاذ للنفس أو إصلاح بين اثنين ، أو مودة بين زوجين .

ولم يأت في الشريعة يومٌ أو لحظة يجوز أن يكذب فيها المرء ويخبر بها ما يشاء من الأقوال ، ومما انتشر بين عامة الناس ما يسمى " كذبة نيسان " أو " كذبة أبريل " وهي : زعمهم أن اليوم الأول من الشهر الرابع الشمسي - نيسان - يجوز فيه الكذب من غير ضابط شرعي .

وقد ترتب على هذا الفعل مفاسد كثيرة - يأتي ذكر بعضها - .

تحريم الكذب :

1. وقال تعالى : إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون  [ النحل / 105 ] .

قال ابن كثير :

ثم أخبر تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بمفتر ولا كذاب ؛ لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم شرارُ الخلق الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس ، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس ، وأبرهم ، وأكملهم علماً وعملاً وإيماناً وإيقاناً ، معروفاً بالصدق في قومه لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدعى بينهم إلا " بالأمين محمد " ، ولهذا سأل " هرقل " - ملك الروم - أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيما قال له : " هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟  قال : لا ، فقال هرقل : فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل .

" تفسر ابن كثير " ( 2 / 588 ) .

2. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان .

رواه البخاري ( 33 ) و مسلم ( 59 ) .

قال النووي :

الذي قاله المحققون والأكثرون - وهو الصحيح المختار - : أن معناه : أن هذه الخصال خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ، ومتخلق بأخلاقهم ، ...

وقوله صلى الله عليه وسلم " كان منافقاً خالصاً "  معناه : شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال ، قال بعض العلماء : وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه ، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلاً فيه . فهذا هو المختار في معنى الحديث ، وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي رضي الله عنه معناه عن العلماء مطلقاً فقال : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل . " شرح مسلم " ( 2 / 46 ، 47 ) .

وأشنع الكذب :

1.الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

وهو أعظم الكذب ، وصاحبه معرَّض للوعيد الشديد ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير فاعله .

قال تعالى : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون

وعن علي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تكذبوا عليَّ ؛ فإنه من كذب علي فليلج النار " .

رواه البخاري ( 106 ) .

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار " .

رواه البخاري ( 110 ) ومسلم ( 3 ) .

قال ابن القيم :

المباءة : هي التي يبوء إليها الشخص ، أي : يرجع إليها رجوع استقرار ، والمباءة " هي المستقر ومنه قوله " من كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار " ، أي : ليتخذ مقعده من النار مباءة يلزمه ويستقر فيه ، لا كالمنـزل الذي ينـزله ثم يرحل عنه .

" طريق الهجرتين " ( ص 169 ) .

ومن الكذب ما يكون على الخلق مثل

2.الكذب في البيع والشراء

عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ، قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار ، قال أبو ذر : خابوا وخسروا من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل ، والمنَّان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " .

رواه مسلم ( 106 ) .

وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا - أو قال : حتى يتفرقا - فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " .

رواه البخاري ( 1973 ) ومسلم ( 532 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان ، ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة     بيعهما " ، وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [  المائدة / 8 ] .

" منهاج السنة " ( 1 / 16 ) .

3.تحريم الكذب في الرؤيا والحلم

وهو ما يدَّعيه بعضهم أنه رأى في منامه كذا وهم غير صادق ، ثم يصبح يقص على الناس ما لم ير .

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من تحلَّم بحلم لم يره كلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون - أو يفرون منه - صُب في أذنه الآنُك يوم القيامة ، ومن صوَّر صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ " .

رواه البخاري ( 6635 ) .

قال المناوي :

" أن يعقد بين شعيرتين " بكسر العين ، تثنية شعيرة ، ولن يقدر أن يعقد بينهما ؛ لأن اتصال أحدهما بالأخرى غير ممكن عادة ، فهو يُعذب حتى يفعل ذلك ، ولا يمكنه فعله فكأنه يقول يكلف ما لا يستطيعه فيعذب عليه ، فهو كناية عن تعذيبه على الدوام ،… ووجه اختصاص الشعير بذلك دون غيره لما في المنام من الشعور وبما دل عليه فحصلت المناسبة بينهما من جهة الاشتقاق .

وإنما شدد الوعيد على ذلك - مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ يكون شهادة في قتل أو حدٍّ ؛ - لأن الكذب في النوم كذب على الله تعالى ؛ لأن الرؤيا جزء من النبوة ، وما كان من أجزائها فهو منه تعالى والكذب على الخالق أقبح منه على المخلوق .

" فيض القدير " ( 6 / 99 ) .

4.تحريم التحدث بكل ما يسمع

عن حفص بن عاصم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع " .

رواه مسلم ( 5 ) .

قال النووي :

وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب : ففيها الزجر عن التحدث بكل ما سمع  الإنسان؛ فانه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدَّث بكل ما سمع  فقد كذب ؛ لإخباره بما لم يكن ، وقد تقدم أن مذهب أهل الحق : أن الكذب : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، ولا يشترط فيه التعمد ، لكن التعمد شرط في كونه إثما والله أعلم .

" شرح مسلم " ( 1 / 75 ) .  

5. الكذب في المزاح

ويظن بعض الناس أنه يحل له الكذب إذا كان مازحاً ، وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في أول " نيسان " أو في غيره من الأيام ، وهذا خطأ ، ولا أصل لذلك في الشرع المطهَّر ، والكذب حرام مازحاً كان صاحبه أو جادّاً .

الكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره .

عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه وسلم : " إني لأمزح ولا أقول إلا حقّاً " .

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 12 / 391 ) .

والحديث : حسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 8 / 89 ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " ( 2494 ) .

وعن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا ، قال : " إني لا أقول إلا حقا ".

رواه الترمذي ( 1990 ) .

قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .

ونحوه عند الطبراني في " الأوسط " ( 8 / 305 ) وحسَّنه الهيثمي في " مجمع الزوائد.