العنوسة وتأخر سن الزواج .. مشكلة طالت الجميع

أصبحت ظاهرة العنوسة لدى الشباب والبنات تمثل مشكلة كبيرة يعاني منها الكثيرون، فتأخر سن الزواج (العنوسة) في وطننا العربي بصورة عامة، وفي المجتمع المصري بصورة خاصة، من المشكلات الكبيرة والمعقدة التي تبحث عن حل، فانتشار المشكلة بصورة صاخبة في مجتمعنا اصبح أزمة ضخمة يصعب حلها؛ فرغم الكم الهائل من الموروث الديني والثقافي الذي يعمل على منع ظهور هذه الظاهرة، لكن وجود عادات عقلية غريبة، وشروط شكلية كثيرة.

  • التصنيفات: قضايا الشباب -

أصبحت ظاهرة العنوسة لدى الشباب والبنات تمثل مشكلة كبيرة يعاني منها الكثيرون، فتأخر سن الزواج (العنوسة) في وطننا العربي بصورة عامة، وفي المجتمع المصري بصورة خاصة، من المشكلات الكبيرة والمعقدة التي تبحث عن حل، فانتشار المشكلة بصورة صاخبة في مجتمعنا اصبح أزمة ضخمة يصعب حلها؛ فرغم الكم الهائل من الموروث الديني والثقافي الذي يعمل على منع ظهور هذه الظاهرة، لكن وجود عادات عقلية غريبة، وشروط شكلية كثيرة...

تغير مسارات كثيرة نحو الاتجاه المعاكس، ولكل بلد عاداتها وعقليتها المختلفة التي تساعد على انتشار هذه الظاهرة، فنظرة المجتمع لا ترحم كل من تقدم بها السن دون أن تتزوج...

الإحصائيات التي نقرأها بين الحين والآخر في الدول العربية عن ارتفاع نسبة العنوسة، تثير المخاوف وتنذر بخطر داهم من تفشي هذه الظاهرة الاجتماعية، التي تعد من أمراض المجتمع التي يجب مواجهتها والحد من انتشارها والبحث عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والدينية التي أدت إليها، خاصة وأن الإسلام يحض على الزواج، ويشجع على العفاف وتكوين الأُسر القوية، التي تعد الاساس الأول في بناء المجتمع القوي المتماسك.. لم يترك شبح العنوسة دولة إلا وزارها، ولا مجتمعا إلا وانتشر فيه، وتعتبر أرقام وإحصائيات العنوسة في الدول العربية وحدها كفيلة بإبراز حجم المشكلة، ومدى المخاوف والهواجس التي تفرض نفسها على تلك المجتمعات بقوة....

فوفق آخر الإحصائيات كشفت دراسة حديثة أن 35% من الفتيات في كل من الكويت وقطر والبحرين والإمارات بلغن مرحلة العنوسة، وانخفضت هذه النسبة في كل من اليمن وليبيا لتصل إلى 30%، في حين بلغت النسبة20% في كل من السودان والصومال، و10% في سلطنة عمان والمغرب، وكانت في أدنى مستوياتها في فلسطين، حيث مثلت نسبة الفتيات اللواتي فاتهن قطار الزواج 1%، وكانت أعلى نسبة قد تحققت في العراق إذ وصلت إلى 85%.

 وقد أوضحت الإحصائيات أن العنوسة لا تقتصر على النساء فقط، فهناك نسبة كبيرة من الرجال يعانون هذه الظاهرة، ففي سورية بينت الأرقام الرسمية أن أكثر من 50% من الشباب السوريين لم يتزوجوا بعد، في حين لم تتزوج 60% من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 25 و29 عاماً، وبلغت الفتيات اللاتي تخطى عمرهن 34 عاماً دون زواج أكثر من نصف النساء غير المتزوجات، وفي لبنان أكدت إحصائية أن نسبة الذكور غير المتزوجين ما بين 25 و30 سنة تبلغ 95.1% والإناث 83.2%.

وأشارت نتائج دراسة أردنية إلى تأخر عمر الفتيات عند الزواج الأول إلى 29.2سنة، بينما يتأخر إلى 31. 9 سنة لدى الذكور.

 وفي الجزائر كشفت الأرقام الرسمية أن هناك أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن بعد، على الرغم من تجاوزهن الرابعة والثلاثين، وأن عدد العزاب تخطى 18 مليوناً من عدد السكان البالغ 36 مليون نسمة.

وأخيرا في مصر فقد أكدت دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن نسبة غير المتزوجين من الشباب من الجنسين بلغت 29.7% للذكور، و28.4% للإناث.

 وهكذا نلاحظ أن مشكلة العنوسة شملت كل دول المنطقة.

لذلك ارتأت مجلة "الحوار" أن تلقي الضوء في هذا التحقيق على قضية تأخر الزواج "العنوسة" وأسبابه ووقعه المرهق نفسيا واجتماعيا على الشباب وما يليه من نتائج سلبية على الفرد والمجتمع...

تتبعنا هذه الظاهرة من خلال مسارين أولهما رأي الشباب أنفسهم، ثم رأي العلماء والمختصين، وإليكم ما وصلنا إليه.

في البداية التقينا بمجموعة من الشباب والفتيات في الشارع المصري وسألناهم عن رأيهم في انتشار ظاهرة العنوسة....

- أميرة عبد العزيز 30 عاما غير متزوجة "دكتورة صيدلانية" تقول:

في أثناء دراستي في الجامعة، وأثناء عملي بعد التخرج كنت أنظر إلى الزواج على أنه مشروع مؤجل في حياتي، فتقدم لي كثير من الشباب الذين يرغبون في الزواج مني؛ وكانوا ذوي ثراء أو منصب علمي محترم - ورغم ذلك كنت أرفض هذه الفرص للزواج خوفا على حريتي، وأملا في أن الحياة بها الأفضل إلى أن اكتشفت أن جميع صديقاتي تزوجن وأصبح لهن أسر وأصبح عمري الآن 30 وبدأت الفرص تقل وأخشى الآن أن أكمل حياتي وحيدة ونادمة على الفرص التي ضاعت بسبب تفكيري الخاطئ...

- يقول "محمود فاروق" شاب غير متزوج ورئيس مجلس إدارة شركة كتابي للنشر والطباعة:

يعيش الشباب في هذه الأيام وضعا ماديا صعبا يواجه من خلاله جملة إشكاليات؛ بداية من البحث عن مسكن مناسب، مرورا بوظيفة تضمن له راتبا شهريا ثابتا يناسب متطلبات الحياة، انتهاءا بتكاليف الزواج التي أصبحت مرتفعة بشكل جنوني، وكل هذه المشكلات كفيلة بانتشار نسبة العنوسة وعدم التفكير من الأساس في الزواج، فمن الصعب في هذه الأيام تحمل الشاب نفقات نفسة فكيف يستطيع تحمل نفقات بيت وأسرة.

- من أغرب الآراء التي صادفتني كان رأي "سالي حسن" 26 سنه غير متزوجة؛ في بداية كلامها قالت:

 "العنوسة شيء جميل" فلا يوجد فيه أي مسئولية لأن مساحة الحرية كبيرة وكل شيء بحرية؛ الخروج والسفر والسهر، عملي يتطلب مني السفر بحكم أنني "مرشدة سياحية" لكن إذا تزوجت فمن الصعب أن أسافر فالقيود ستكون كبيرة وهذا شعرت به عندما خطبني أحدهم من قبل... وأي امرأة متزوجة ولديها قيود فبالتأكيد هي تتمني أن تعيد الحياة من الأول ولا تتزوج، ولابد أن يعلم المجتمع أن الزواج مسألة شخصية قد تختلف أسبابها وخلفياتها من شخص إلى آخر، وقد لا يكون شيئا ملحا عند الكثيرين؛ فلماذا تتوقف الحياة إذا لم تتزوج الفتاة.. ؟!.

- أنا لا أرغب في الزواج من الأساس وراضية بحياتي على حالها، هكذا بدأ "محمد شعبان" 29 سنه محاسب في شركة للغاز الطبيعي كلامه قائلا:

 كنت أحب زميلة لي في مكان عملي السابق وكانت مادياتي متوسطة، كنت في بداية حياتي لا املك سوي شقة وراتب بسيط وكنت أتخيل أن ظروفي تسمح بالزواج منها وان ابدأ حياتي معها من الصفر، وذهبت للتقدم لخطبتها من أهلها لكنهم رفضوا بشدة بسبب ضعف ظروفي المادية ومنذ هذه اللحظة وأنا رافض فكرة الزواج من الأساس.

وبعد هذه الجولة في أراء الشباب كان للحوار وقفات مع بعض المختصين فإليكم ما قالوا:

- في البداية كان لنا لقاؤنا مع الدكتور "أمير بسام" مسئول قسم البر في جماعة الإخوان المسلمين والمتحدث الرسمي باسم إخوان الشرقية ومؤسس مجموعة من الجمعيات الخيرية منها جمعية لتيسير الزواج.

وقد تحدث عن مجموعة من الأسباب والدوافع التي دفعت "قسم البر" وجمعية "مجلس العيلة" بتوجيه نشاطهما في هذا الاتجاه لمساعدة الشباب للحد من العنوسة؛ موضحا أن الأرقام والإحصائيات المعلنة في جميع الدول العربية ومصر هي تعبير غير مكتمل عن حجم المشكلة؛ فهي تعكس قدرا أقل من واقع العنوسة حيث ان حجم المشكلة يزداد يوما بعد يوم، وبالنظر والبحث في هذه الدراسات نجد أن ارتفاع نسبة العنوسة لم يأت من فراغ إنما له العديد من الأسباب مثل المشاكل الاقتصادية، مشاكل البطالة، مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار الجنونية، عدم التنشئة السليمة للأبناء والبعد عن تعاليم الدين الإسلامي.

وأكد "الدكتور أمير" أن حل أزمة العنوسة لن يكون إلا بمعالجة تلك الأسباب لان الحلول الجذرية تبدو بعيدة التحقيق وبالذات في مجتمعاتنا؛ فهناك عدة مقترحات عملية يمكن أن تحد من الظاهرة، وهي ما نحاول من خلال قسم البر الوصول لحلها عن طريق تقديم نموذج فريد يشمل الوسائل المجدية للخروج من هذه الأزمة وهذا من خلال جمعيات خيرية تقوم بمعالجة ملف كامل يشمل كل مشاكل الأسرة من عنوسة وطلاق وإدمان، وأول هذه الحلول التي تقوم بها الجمعيات هي البرامج التثقيفية.

وأشار الدكتور أمير إلى أن البنية الدينية والثقافية اختلت في مجتمعاتنا الإسلامية لذلك تقوم الجمعية بالندوات والمحاضرات التي تناقش جميع المشكلات الخاصة بأسباب العنوسة عن طريق إعادة مفاهيم الإسلام لدى الشباب والفتيات لتوعيتهم بعدم المغالاة في المهور، من خلال الأحاديث النبوية التي أكدت على ضرورة عدم المغالاة في المهور حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة"، وتعريفهم بكيفية العلاقة بين الخاطب والمخطوبة والقيم التي يجب أن تسود بين الزوجين؛ وواجبات كل منهما تجاه الآخر.

ويضيف ومن الحلول الأخرى التي نتابعها إخضاع الزوجين لبرنامج نفسي واجتماعي للتأكد من نضج أسلوب التعامل بين الزوجين ولبيان المشاكل التي من المتوقع أن يتعرضوا لها، بالإضافة إلى تقديم النصح والمشورة والمحاضرات للمقبلين على الزواج حتى نتجنب مشاكل ما بعد الزواج والطلاق لأنه من اخطر المشاكل التي تواجه المجتمعات الإسلامية.

ويوضح الدكتور "أمير" أن أهم أسباب تأخر سن الزواج للشباب والبنات هو ارتفاع تكاليف الزواج المتمثلة في ارتفاع المهور، وتكاليف حفلات الزفاف، والأثاث، وارتفاع أسعار الذهب والعقارات والشقق السكنية، وغيرها من متطلبات الزواج.

 وتعد جمعية "بيت العيلة" والتي لها أكثر من فرع في جميع محافظات مصر، وهي أحد الجمعيات المهتمة بتوجيه الجهود الخيرية في مشروعات تيسيير الزواج والتي تساعد في إيجاد حلول لمشكلة العنوسة عن طريق تقديم كافة أنواع الدعم للشباب حتى يتمكنوا من تيسير سبل الزواج في المجتمع عن طريق؛ المنح والمساعدات، وتقديم قروض حسنة، وبرنامج كفالة الزواج، ومساكن للمقبلين على الزواج، علاوة على ذلك تقوم الجمعية بتقديم المساعدات المادية للشباب والفتيات المقبلين على الزواج، وتقديم أثاث مخفض ومدعم للزوجين، وأجهزة كهربائية للفتاة، ومساعدات عينية للشباب، وإحياء مبدأ التكافل الاجتماعي بين المسلمين.

كما تقيم الجمعية حفلات زواج جماعية للعرسان تخفيضا لنفقات الزواج، بالإضافة إلى تأجير فساتين الزفاف بأسعار رمزية، وهذا النوع من المساعدة والمساهمة للتخفيف عن أعباء الشباب وتقليل نسبة العنوسة.

ويذكر الدكتور "أمير بسام" أن من يعتقد أن الأسباب الاقتصادية هي السبب الوحيد في انتشار العنوسة فهو مخطئ، للأسف الشديد أن معايير الزواج في وقتنا المعاصر قد تغيرت تماما عما كانت بالأمس فيوجد نسبة كبيرة جدا من الشباب المقتدر ماديا لكنه عازف عن الزواج لأسباب كثيرة تختلف من شاب لآخر، فمثلا يوجد من يفتقد للتكامل العاطفي داخل الأسرة نتيجة لانشغال الآباء والأمهات وعدم اهتمامهما بسلوك الأبناء؛ وتركهم لوسائل الإعلام والأصدقاء لتشكيل ثقافتهم الجنسية والزوجية غير السليمة، ومنهم من يرى مشاكل في بيته حيث تنعكس هذه المشاكل سلبا على نفسيته ويظن أن الحياة الزوجية كلها هكذا فيفضل العزوبية بعيدا عن المشاكل، بالإضافة إلى أن بعض الشباب قد يمر بتجارب فاشلة في الارتباط ما يؤدي إلى كراهية الجنس الأخر، وهناك عوامل أخرى كثيرة منها أن بعض المتزوجين للأسف ينفر صديقه من الزواج، وهناك بعض الشباب الذي لا يرى ضرورة في التسرع في عملية الزواج رغم قدرته المادية ظنا منه أن الزواج تحمل للمسؤولية وهم يريدون العيش أحرارا طلقاء كما يشاؤون دون أدنى مسئولية، فيوجد الكثير من شباب اليوم لا يريد تحمل مسؤولية أسرة وأطفال ويرى انه لم يستمتع بحياته بعد، ومثل هؤلاء الشباب يحتاجون إلى معرفة أن قيمة الزواج وأهميته في الاستقرار النفسي للإنسان، وهذا ما تقوم به الجمعيات الخيرية.. بالإضافة إلى أن تأخر سن الزواج والعزوف عنه يخلقان أنواعاً أخرى من الزواج غير المعترف بها رسميا مثل الزواج العرفي، زواج المتعة، وزواج المسيار، وهذا له تأثير على العنوسة لان شيوع هذا الزواج أدى إلى انعدام الثقة لدى كثير من الشباب في الحصول على شريكة حياة مناسبة، خاصة لدى هؤلاء الذين تورطوا في مثل تلك العلاقات وأصبح لديهم قناعة بأنه لا توجد فتاة عفيفة!.

ويضيف الدكتور أمير أن ما نحاول مؤخرا الاجتهاد فيه الآن هو مشروع تيسير الزواج عن طريق التوفيق بين راغبي الزواج من الجنسين لاختيار الشريك المناسب وندعو الله أن يوفقنا في هذا الاجتهاد.

هل تعدد الزوجات حل لمشكلة العنوسة ؟

وفي رده عن مسألة تعدد الزوجات قال "الدكتور أمير" أن التعدد لا يصلح لكل الناس ولكنه يصلح لفئة بعينها القادرة على العدل والتي تؤتمن على الدين والعرض، والذي يستطيع الباءة ولديه المقدرة على أن يعطي لكل واحدة حقها في المأكل والمسكن والمضجع أو الفراش، فالتعدد ليس هو حل العنوسة فالتعدد حل لمشكلة استثنائية والتعدد في الإسلام له ضوابط محددة ذكرها الله.

ويؤكد قائلا.. على كل الآباء والأبناء بذل جهد ضخم لتيسير الزواج؛ ولتكن الدعوة لبساطة الأفراح والبيوت عملية نفخر بها أمام الجميع بتكلفة زواجنا البسيطة بوصفها أحد محكمات الالتزام والتدين، وإذا كانت هذه البساطة هي سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن تجديد هذه السنة في عصرنا هذا أصبح مؤكداً، لأنها وسيلة فعالة لمنع شر قد يدمر منظومتنا القيمة.

المحطة الثانية لهذا التحقيق كانت في مجلس إدارة مؤسسة قضايا المرأة المصرية؛ حيث التقينا الأستاذة "عزة سليمان" التي قالت:

-في البداية أود أن ألفت النظر إلى أن العنوسة مشكلة اجتماعية تخص الرجال والنساء، وليست مشكلة قاصرة على النساء فقط، فلماذا نحمل مسئولية العنوسة وتفاقمها للفتيات فقط؟ ولماذا نعتبر الفتاة سلعة محددة بوقت معين لزواجها إذا لم تتزوج فيه فقد انتهت صلاحيتها؟ أما الرجل فهو قادر على الزواج متى ما سنحت له الفرصة ولا يشعره المجتمع بأي نقص أو عيب فيما لو تأخر زواجه ولم يأت نصيبه بعد فهو في نظر المجتمع رجل لا يعيبه شيء وهذا هو التعبير الذي يحاكي واقع وحال هؤلاء الفتيات؟!

ويمكنني أن أشير إلى تعبير آخر مشين يستخدم للتعبير عن موضوع الزواج وهو يعكس تناقضا آخر لمنظومة أفكارنا ونظرتنا للأشياء نحدد من خلاله نظرتنا إلى زواج المرأة بالقول أن الزواج قطار يتجاوزها في عمر معين لتصبح على قارعة الطريق فلا تجد في الحياة مشاركة أو تفاعل، بل تتحول إلى مشاهدة وحدث، فيقال عنها الكثير وتبقى محط استفهامات وتساؤلات ونظرات الجميع، أما الرجل فهو القطار الذي يتجاوز كل القوانين بما فيها نظرة المجتمع المؤلمة.

 وتوضح الأستاذة "عزة" انه بسبب نظرة المجتمع الجارحة للفتاة التي تأخرت في الزواج يوجد في قسم قانون الأحوال الشخصية بالمؤسسة مطلقات تزوجن رغبة في التخلص من شبح العنوسة ونتيجة ضغوط المجتمع الذي اضطرهم إلى القبول بأي زوج يتقدم إليهن، حتى لو كان اختيارهن اختيارا غير متكافئ وهو ما يفضي في النهاية إلى طلاق مؤلم!! كل هذا للتخلص من لقب عانس، وأصبح الكثير من البنات يفضلن لقب المطلقة على لقب عانس، وكم من زوجات وأزواج يجمعهما بيت واحد إلا أنهما منفصلان نفسيا، وبالرغم من مرارة كلمة الطلاق وانه ابغض الحلال عند الله، فالمرأة العانس تعيش عمرها وهي مطاردة بالشعور بأنها امرأة غير مرغوب فيها من الجنس الآخر، ومحرومة من الرباط المقدس الذي أحله الله، وتعاني من نظرة المجتمع لها ومن الحرمان من الشعور بالأمومة والاستقرار الأسري في نظر المحيطين بها، وهي نظرة ظالمة وقاسية ينظر من خلالها المجتمع إليها، لذلك تجد الفتاة أن العانس أفضل بكثير من أن تكون مطلقة...

أما إذا كانت الفتاة تتمتع بشخصية قوية فإنها تنأى بنفسها عن ذلك، فهي في نفس الوقت تمتنع عن الزواج لأنها ترى اهتزاز صفات الرجولة لدى الذكور مما جعل كثيرا من الفتيات ينظرن حولهن فلا يجدن رجلا بمعنى الكلمة يوفر لهن الحب والرعاية والاحتواء فيفضلن العيش وحدهن بعيدا عن التورط مع زوج يعيش عالة عليها أو يطمع في مالها أو يقهرها.

وتتساءل رئيس مجلس إدارة مؤسسة قضايا المرأة المصرية لماذا المجتمع لا يرى المرأة إلا بوجود رجل!!! ويعتبر الزواج هو الأساس وبذلك يلغي جميع مهارات الفتاة وجميع الأشياء المنتجة في شخصيتها إن كانت علمية أو عملية.

وحملت الأستاذة "عزة" أسباب العنوسة للبنات وللشباب إلى الدولة قائلة: لابد أن نعلم أن الأسباب المسئولة عن تفاقم تلك الظاهرة هي "الدولة" ومشاكلها الاقتصادية، فالاقتصاد بيت الداء في مصر والعامل الاقتصادي يؤثر في قرار إقبال الشباب على الزواج من ناحية قدرتهم على تحمل مصاريف الزواج وارتفاع الأسعار على الصعيد العالمي، وخاصة في مجتمعاتنا، وبالتحديد أسعار الأراضي والبيوت والإيجارات والأثاث، ضاعف من تأثير الجانب الاقتصادي؛ فلابد من تحرك الحكومة لحل هذه المشكلة ووضعها على رأس أولويات العمل في الفترة المقبلة، والحل يكون اقتصاديا عن طريق مساعدة الشباب بقروض وبوحدات سكنية ذات مساحات مقبولة وبأسعار رمزية، فالعامل الاقتصادي يعتبر هو أساس التأثير في أية علاقة إنسانية إن لم نقل انه المحدد الأهم في الزواج.

وترى "عزة سليمان" أن التعدد ليس حلا للعنوسة أن أي امرأة سواء بالغريزة قبل الثقافة لا يمكن أن تقبل فكرة التعدد؛ وأشارت إلى أن تعدد الزوجات مجرد رغبة من الرجل في الامتلاك مثلما يمتلك أي شيء بأمواله، ولدى بعض الرجال حب امتلاك النساء سواء بعلاقة مقننة أو غير مقننة، وأكدت أن هذا شكل مهين للمرأة ويعود بالحياة الإنسانية إلى الوراء...

 الإسلام لم يهن المرأة ووضع قواعد وضوابط محددة لتعدد الزوجات وله حدود معروفة، وقد وضعه الدين ليسهل رعاية وكفالة اليتامى كما تقول الآية الكريمة: (وإن خِفتم أَلا تقسِطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لَكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإِن خفتم أَلا تعدلوا فواحدة أَو ما ملَكت أَيمانكم ذلك أَدنى أَلا تعولوا) لكن ما يفعله الرجال هو فهم خاطئ للدين، الدين الإسلامي الذي يعزز مكانة المرأة ولا يهينها.

العنوسة وآثارها النفسية

عديدة هي المشاكل التي تخلفها وراءها مشكلة العنوسة في بنية المجتمع بشكل عام؛ وفي حياة الأفراد بشكل خاص، وكان لابد لهذا التحقيق أن يقف على تأثيرات العنوسة النفسية، لذلك كانت لنا زيارة إلى جامعة القاهرة، وهناك التقينا الدكتورة "مروة وحاورناها في هذا الأمر؛ فقالت:

- عندما تشعر الفتاة بأنها تحمل لقب "عانس" وتتخطى سن الزواج فإن هذا يعرضها لحالة من الإحباط وتصبح بعدها شخصية غير منتجة في المجتمع أيا كان في عملها أو دراستها أو أي مجال آخر تبدع فيه، وقليلا ما نجد عانسا تتمتع بحياة طبيعية مقارنة بغيرها من المتزوجات حتى إذا كانت ناجحة ومتفوقة في مجال العمل! فالعانس ربما تعاني الوحدة على الرغم من كثرة الناس حولها في بعض الأحيان وتشعر بالانطوائية والانعزالية، وهي من ابرز المشكلات التي تصيب الفتيات بسبب تأخر سن الزواج، هذا بالإضافة إلى إهمالها لنفسها ومظهرها وتصرفاتها ما يؤدي إلى مشكلة أكبر وهي وصولها الي مرحلة الاكتئاب، وتبدأ في رفض هذا المجتمع الذي لا يراها إلا بوجود رجل، وهذا الشعور يكون مختلفا عند الشباب، فالمشكلة تكون اخف واقل عندهم لان المجتمع ينظر لهم على أنهم رجال لا يعيبهم شيء، بالإضافة إلى أن الرجل لديه الكثير من الحجج كمبرر أمام المجتمع والناس لتأخره في الزواج.

وتنوه الدكتورة "مروة" بأنه يجب على الأهل تربية بناتهم على أن الزواج مسألة نصيب إذا تم فهو خير لهم، وإذا تأخر فهذا لا يلغي مكانتها الاجتماعية لديهم، ولابد من التسليم بأمر الله ولابد من تقوية العامل الأخلاقي والتربوي و الديني لدى الأبناء… فالانحراف من أكثر المشاكل التي يعاني منها المجتمع بسبب تأخر الزواج وخصوصا الشباب لتمتعه بحرية أكبر من الفتاة.

وفي البعد الاجتماعي للمشكلة كان لعالم الاجتماع الدكتور "حسين علام" زاوية نظر مختلفة للموضوع حين التقيناه في جامعة القاهرة؛ حيث قال:

‏- أود أن أنظر إلى قضية تأخر الزواج "العنوسة" من زاوية مختلفة لأن المشكلة أصبحت ملموسة وهذا أدى إلى أضرار ليس للفتاة فقط، فهي مشكلة طالت الفتي والأسرة، وبالتالي ستؤثر على المجتمعات ككل، وللتغلب على هذه المشكلة الخطيرة يتطلب معرفة أسبابها، فيوجد أسباب وعوامل أخرى وراء انتشار العنوسة تأتي قبل العوامل الاقتصادية، فالتغيرات الاجتماعية التي حدثت في القيم والأعراف السائدة في المجتمع العربي في السنوات الأخيرة، مثل ارتفاع حالات الطلاق بهذا الشكل المبالغ فيه خاصة بين الشباب.. هذا جعل هناك تخوفا كبيرا من الإقبال على الزواج وذلك زاد من درجة الانتقاء والاختيار ومن ثم تأخر سن الزواج، بالإضافة إلى عدم الرغبة في تحمل المسؤولية لدى الشباب، والإحباط العام، وفقدان الشعور بالأمن والثقة في المستقبل، وهذه العوامل تأتي قبل العامل الاقتصادي، الذي يتمثل في الدخل المتدني، ومشكلة السكن، وندرة فرص العمل، والبطالة المتزايدة وقلة الإمكانيات المادية للشباب.. مما جعلهم يعزفون عن الزواج لعدم قدرتهم على نفقاته.

وعن الزواج العرفي يرى الدكتور "علام" انه سبب من أسباب التأخر وعزوف الشباب عن الزواج؛ فمع انتشاره أصبح البعض يستسهل الزواج العرفي ويلجأ إليه ويستصعب الزواج الشرعي ويبتعد عنه كل البعد لما له من تكاليف عالية.

وعن كيفية حل مشكلة العنوسة يقول الدكتور "حسين" لحل المشكلة.. يجب أن نغير مفهومنا وثقافتنا عن الزواج، ونؤمن بأن الزواج سكن ومودة ورحمة بين الزوجين ونفعّل المشاركة بينهم، ونبتعد كل البعد عن تكاليف الزواج المرتفعة حتى يستطيع الشباب والفتيات الزواج وتحصين أنفسهم.

إذا نحن نقف أمام مشكلة اجتماعية لها اذرع أخطبوطية تلتف على حياتنا من كل مكان، وتتضخم نتائجها حتى تكاد تتحول إلى تسونامي يريد أن يكتسح حياتنا، وقيمنا، وأخلاقنا، لذلك لا بد أن نعرف أين يقف الشارع الكريم من هذه المشكلة، ففي الشرع الإسلامي هناك الكثير من الحلول لمشاكل الحياة والمجتمع، لذلك كان لنا هذا اللقاء مع "الدكتور احمد عبد الهادي" رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية، الذي أفادنا بما يلي:

- لاشك أن ظاهرة العنوسة مشكلة معقدة، فالدعوة لتعدد الزوجات بدعوى القضاء على العنوسة أو تأخر سن الزواج لدى الفتيات هي دعوة خلت من الحكمة، فالتعدد ليس حلا بديلا؛ والتعدد ليس حقا مطلقا للرجال كما يتخيل الكثير، فمن يتخيل ذلك فهو مخطئ، فلم يشرع الله - عز وجل - تشريعا إلا لحكمة وضرورة، فقد أتاح الله الفرصة للرجل بالاقتران بأكثر من زوجة ولكن بشروط وقواعد محكمة.

ويؤكد الدكتور أحمد عبد الهادي أن في الإسلام حلا جذريا للقضاء علي مشكلة العنوسة، حيث قال: الإسلام ييسر سبل الزواج، وينهى عن المغالاة في المهور، ويحض على العفاف، وأكد على أهمية تيسير أمور الزواج بعيدا عن التعقيدات ومظاهر الترف، ولابد من رسوخ المفاهيم الدينية التي تحض على الزواج كحصانة للشاب وستر للأنثى، وسيادة الأعراف والتقاليد الاجتماعية واعتبار الزواج مصاهرة وقربى وتقوية للعلاقات الاجتماعية وعدم تعرض المجتمع للإعلام الغربي وأنماط ثقافية غريبة عن ثقافته.

 ويضيف إن منهج التربية الإسلامية هو السياج الآمن والقوي فقد قال الله - عز وجل -: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم).

إن مشكلة العنوسة تهدد بفساد المجتمع بأكمله وذلك واضح في حديث للنبي صلي الله علي وسلم الذي قال فيه: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)) وهو الأمر الذي يدعو إلى اتخاذ كل السبل التي من شانها حل هذه المشكلة، لذلك لا داعي للمبالغة في تكاليف الزواج طالما كان رجلا صالحا وتم التأكد من أخلاقه.

 وأشار الدكتور عبد الهادي إلى "أن الإسلام حارب العنوسة، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أربعة من سنن المرسلين النكاح والسواك والطيب والحناء))...

وترك الزواج عن عمد مكروه شرعاً وهذا ليس من الدين، فالله خلق الرجل للمرأة، وخلق المرأة للرجل، ونظم العلاقة بينهما عن طريق الزواج وهو الوسيلة الوحيدة التي تضمن للمرأة كرامتها وعفافها.

ويرى الدكتور عبد الهادي أن حل كل المشكلات يكمن في كلمتين هما: "الدين والقيم، وهذه الظاهرة تستدعي علاجا فوريا قبل فوات الأوان فلا بد من استحضار البعد الديني في المسألة، فنحن أمة دينها الإسلام الذي يصرف العلاقة بين الجنسين داخل مؤسسة الزواج، والذي يحث على التكاثر، ويطلب الدكتور عبدالهادي من الآباء والأبناء العمل على خفض تكاليف الزواج، والرجوع إلى السُنَّة النبوية الشريفة، ويكون تقييم الرجل من خلال دينه وتمسكه بصحيح الإسلام، وليس من خلال مقدرته المالية، ولا بد أيضاً أن تتمسك المرأة المسلمة بتعاليم الإسلام، وأن تضع نصب عينيها اختيار الرجل على أساس دينه ومعاملته، وليس من أجل قدراته المادية، كما يجب على الآباء مساعدة أبنائهم وعدم المغالاة في متطلبات الحياة الزوجية.

أخيرا:

الإعراض عن الزواج لدى الجنسين في مجتمعنا بات ظاهرة ملحوظة تكاد تصل الى درجة الاستفحال!! وملاحظة هذه الظاهرة، ومتابعتها بالدراسة، والتحليل، والنقد، والمعالجة أمر ضروري لتدارك جوانبها السلبية، وتأثيراتها الاجتماعية، والنفسية، والأخلاقية؛ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: على عاتق من تقع هذه المهمة والمسؤولية؟.

لا شك أن الدولة بمؤسساتها؛ والحكومة بأذرعها التنفيذية على رأس المطالبين برصد الظاهرة وتطويقها وإعداد الدراسات والخطط اللازمة لمعالجتها، ووضع الميزانيات الكافية لردم الهوة ومعالجة المشكلة.

كما ان الجامعات ومراكز البحث والدراسات، ومؤسسات الإعلام، ومراكز استطلاع الرأي تلعب دورا هاما للغاية في المشاركة بهذه العملية، على سبيل الاقتراح يمكن أن توجه الجامعات طلاب الدراسات العليا إلى تقديم بحوث الماجستير وأطروحات الدكتوراه في الجانب الميداني للمشاكل الاجتماعية بدل الاكتفاء بالجانب البحثي الأكاديمي الذي لا ينتج إلا بحوثا تجد لها طريقا إلى رفوف النسيان.

كما أن للمؤسسة الدينية دورا توعويا لا يغفل، لما تحضى به من جماهيرية وقدرة على التواصل مع الناس، حيث يمكن وضع خطط مبرمجة تساعد في الجانب التوعوي والإرشادي المهم جدا في هذا الجانب.


سمير سيد