المسجد الأقصى معهد علمي كبير

المسجد الأقصى المبارك كان مركزًا هامًا لتدريس العلوم الإسلامية على مدى العصور وواحدًا من أكبر معاهد العلم في العالم الإسلامي كله، وهو أول معهد إسلامي في فلسطين.

  • التصنيفات: التاريخ الإسلامي -

 

المسجد الأقصى المبارك كان مركزًا هامًا لتدريس العلوم الإسلامية على مدى العصور وواحدًا من أكبر معاهد العلم في العالم الإسلامي كله، وهو أول معهد إسلامي في فلسطين.
فبعد أن فتح عُمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس، وفَدَ مع عُمر وبعده إلى القدس عدد كبير من الصحابة وهم أعمدة العلم والدعوة. وكان أئمة المسلمين وعلماؤهم حريصين منذ البداية على شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك للصلاة فيه ونشر العلم.

وفي القرن الخامس الهجري بوجه خاص كان المسجد الأقصى مركزًا لحياة علمية نشيطة شملت على الأخص علم الحديث والفقه، بالإضافة لعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وأدب، ولم يكن المُدرسون في المعهد الإسلامي الأول في فلسطين يُؤجرون على عملهم وإنما كانوا يؤدونه احتسابًا لوجه الله، ولم ينقطع التدريس في المسجد الأقصى عبر القرون إلا في فترة الاحتلال الصليبي (492- 583هـ).

وبعد تحرير صلاح الدين لبيت المقدس عُني بإعادة الحياة العلمية للمسجد الأقصى.. فرتب له إمامًا وعين على خدمته من يرعاه ونقل إليه عددًا من المصاحف، ووقف على المسجد الأوقاف لإنفاق عليه حتى بدا المسجد درة تتلألأ من جديد في سماء القدس.
وبدأت جماهير العلماء تَفِد إليه من جديد للصلاة فيه وإحيائه من جديد بالعلم والعلماء وحلقات التدريس، وقرَّب صلاح الدين العلماء وأحسن إليهم وحضر مجالسهم في القدس، ووُصِف صلاح الدين بحُسن الاستماع والمُشاركة في مجالس العلم.

وفي أواخر القرن السادس الهجري أخذت المدارس في الظهور وقاسمت المسجد الأقصى التدريس فأصبحت الدراسة أكثر نظامًا، ومع ذلك استمرت حلقات العلم في المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وساحات المسجد الأقصى. وازدادت المدارس حتى أحاطت بالمسجد الأقصى من جهته الغربية والمالية وكان بعضها داخل أسوار المسجد الأقصى.

وفي القرن التاسع الهجري أصبحت بمثابة (جامعة القدس الكبرى) في عدد مُدرسيها وطلبتها وفقهائها ونشاطها العلمي، وأُضيفت مصاطب جديدة لتستوعب مئات المُدرسين لإلقاء دروسهم عليها. وقد صار للمدرسين وكل العاملين رواتب مُحددة تُصرَف عليهم من أوقاف المسجد بالإضافة إلى الهِبات التي تَرِد عليهم من السلاطين وغيرهم.

وفي العهد العثماني (923- 1336هـ) ضعفت الحركة العلمية إجمالًا، وأخذ الدارسون يتجهون إلى الجامع الأزهر ولكن التدريس في المسجد الأقصى استمر حتى في تلك الأيام المضطربة.

وقد لمع في القدس العديد والعديد من العلماء والقضاة والخطباء والمؤلفين ممن عاشوا وعملوا في بيت المقدس. وقد أورد مجير الدين الحنبلي سيرًا مختصرة لحوالي 440 عالمًا ممن عاشوا هناك في فترة ما بعد الفتح الصلاحي أي حوالي 300 سنة فقط، وبالطبع هذا جزء يسير من العلماء والفقهاء الذين عملوا في القدس ولا يمكن إحصاء الجميع. ومن أشهر الفقهاء وأعلامهم الذين درَّسوا في القدس (أبو الفرج عبد الواحد بن أحمد الشيرازي المقدسي) المتوفى سنة (386هـ).

ومما تقدم يظهر لنا بجلاء أن المسجد الأقصى عاش حياة علمية حافلة على مدى القرون، وكان مركزًا من أهم مراكز تدريس العلوم الرعية في العالم الإسلامي.
وقد ظهرت عدة محاولات في القرن العشرين الميلادي وأثناء الانتداب البريطاني لإنشاء جامعة المسجد الأقصى وإحياء بعض مدارس الأوقاف القديمة إلا أن حكومة الانتداب وضعت العراقيل ولم يُنَّفذ المشروع.
وإننا لنأمل أن يأتي اليوم الذي تُرمم فيه المدارس الأثرية وينبعث منها تيار تعليم عصري وثيق الصلة بكل ما هو إيجابي في تراث السلف.

(من كتاب: المسجد الأقصى.. الحقيقة والتاريخ)