(10) لا تثريب عليكم أو لا تعيّر مذنبًا!!
خالد أبو شادي
وهي آفة نفسية وعلة روحية وتشوه سلوكي أصاب الفطرة السوية وابتلي به الكثير اليوم، وقد برأ منه خير جيل: جيل الصحابة، لذا لما مرّ أبو الدرداء رضى الله عنه على رجل قد أصاب ذنبًا وكانوا يسبّونه فقال: "أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟!"، قالوا: "بلى"، قال : "فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم"، قالوا: "أفلا تبغضه؟"، قال: "إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي".
- التصنيفات: الزهد والرقائق - التوبة -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح الجامع [7985])، إنها عقوبة شديدة تدفع العبد إلى عدم الترفع على أي عاصي ولو كان مرتكب كبيرة، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم :« » (صحيح الجامع [587])، ولا يُثرِّب أي لا يُعيِّر، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الدرس العملي للصحابة في ذلك، فلما جُلِد عنده رجل وهو عبد الله الملقَّب بالحمار، جاء من عدة أخبار من البخاري وغيره أن رجلًا قال له: "أخزاه الله"، وفي رواية: "لعنه الله"، فقال صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح البخاري [6781]).
ذلك أن المذنب إذا أقيم عليه الحد ارتفعت عنه التبعة وكان الحد له تطهيرًا لذنبه، وذنوب أهل الإسلام عورة يجب سترها، وقد روى أبو الهيثم كاتب عقبة بن عامر قال: "قلت لعقبة: إن لنا جيرانا يشربون الخمر وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم. قال: "لا تفعل ولكن عظهم وتهددهم"، قال: يفعل ذلك بهم شهرًا، ثم جاء أبو الهيثم إلى عقبة فقال: "إني نهيتهم فلم ينتهوا، وإني داع لهم الشُّرط"، فقال له عقبة: "ويحك!! لا تفعل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » (الجماع الصغير [8683]، حديث حسن)".
ولهذا الحديث شاهد صحيح حيث رحل جابر بن عبد الله إلى مصر خصيصًا ليحصل على حديث من الصحابي الجليل مسلمة بن مخلد الذي قال: "بينا أنا على مصر، فأتى البواب فقال إن أعرابيًا على الباب يستأذن، فقلت من أنت؟ قال: "أنا جابر بن عبد الله"، قال فأشرفت عليه فقلت أنزل إليك أو تصعد؟ قال: "لا تنزل ولا أصعد، حديث بلغني أنك ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المؤمن جئت أسمعه"، قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « »، فضرب جابر بعيره راجعًا بعد أن أخذ ما أراد!!
وعكس من يسترون: الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين يؤمنون، وهؤلاء توعَّدهم ربنا بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19]، قال ابن رجب: "والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن المستتر فيما وقع منه أو اتُّهِم به وهو بريء منه".
وهي آفة نفسية وعلة روحية وتشوه سلوكي أصاب الفطرة السوية وابتلي به الكثير اليوم، وقد برأ منه خير جيل: جيل الصحابة، لذا لما مرّ أبو الدرداء رضى الله عنه على رجل قد أصاب ذنبًا وكانوا يسبّونه فقال: "أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟!"، قالوا: "بلى"، قال : "فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم"، قالوا: "أفلا تبغضه؟"، قال: "إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي".
وقبله كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه يقول: "لو أخذتُ سارقًا لأحببت أن يستره الله، ولو أخذتُ شاربًا لأحببت أن يستره الله عز وجل".
ولم لا وقد تعلموا ذلك من خير مُعلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمعوا وعوا: استأجر هزال ماعز بن مالك وكانت له جارية يقال لها فاطمة قد أملكت، وكانت ترعى غنمًا لهم، وإن ماعزًا وقع عليها فأخبر هزالًا فخدعه، فقال: "انطلق إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأخبره عسى أن ينزل فيك قرآن"، فأمر به النبي عليه الصلاة والسلام فرُجِم ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: « » (صحيح الجامع [7990]).
عقوبة التعيير!!
وعقوبة التعيير الدنيوية ابتلاء المعيِّر بما عيَّر به غيره!! ركب محمد بن سيرين الدَّيْن وحبس به قال: "إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا عيَّرت رجلًا منذ أربعين سنة فقلت له: "يا مفلس"، وما أصدق قول القائل:
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا *** فيكشف الله سترًا من مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذُكِروا *** ولا تعِب أحدًا منهم بما فيكا
ومما سبق خرج الفضيل بن عياض إلينا بهذه النتيجة: "المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر"، ولعل كلمة الفضيل القاسية ووصفه للمعيِّر بالفجور مردُّها أن التعيير بالذنب برهان على إفراط صاحبه في ثقته بنفسه وتزكيته لها، والغرور بوّابة الهلاك وأمارة من أمارات استغناء العبد عن مولاه، وأين هذا عن أعرف الخلق بالله حين قال أحدهم: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود من الآية:47]، وقال الآخر: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف من الآية:33].