(12) حملة إعمار أو حسنات تغلب السيئات!!
خالد أبو شادي
فهل يكمن الحل في القعود عن العمل واعتزال الساحة وفي حبس النفس مع إبليس في قفص واحد؟! كلا والله.. فما هذه غير حيلة من حيل الشيطان يمنع بها العبد من الهداية، فخير علاج للذنوب القربات، وخير ما يداوي السيئات الحسنات.. ليس غير الحسنات.
- التصنيفات: الزهد والرقائق - التوبة -
أنوار الطاعات تبدِّد ظلمات المعصية، والدليل قول الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود من الآية:114]، ولهذه الآية قصة، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: "يا رسول الله! إني أصبت حدًا فأقمه علي"، قال ولم يسأله عنه. قال وحضرت الصلاة فصلى مع النبي عليه الصلاة والسلام، فلما قضى النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة قام إليه رجل، فقال: "يا رسول الله! إني أصبت حدًا فأقم فيَّ كتاب الله"، قال عليه الصلاة والسلام: « »، قال: "نعم"، قال: « » أو قال « ».
وهو ما تلمحه في صلاة التوبة وهي عبارة عن ركعتين عقب الذنب تمحوان أثره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح الترغيب [680]).
وعمل الحسنة بنية تكفير السيئة أنفع بكثير من فعل الحسنات المطلقة لعدة أسباب:
- أن ذلك يبعث في النفس اليقظة والمراقبة لتتوب من المعصية فور وقوعها بلا تسويف أو تأجيل.
- أن هذا أعظم ما يمحو الله به السيئات؛ لأن العبد بحسنته هذه جمع بين الفعل والنية: فعل الحسنة، ونية التوبة والندم على الوقوع في تلك السيئة، وقد قدَّم النبي صلى الله عليه وسلم فى الحديث « » لأن المقصود هنا محوها لا فعل « » بحسب.
لكن السيئات ليست على درجة واحدة، فكل سيئة لها ما يقابلها، وليس كل سيئة تمحوها أي حسنة، بل إذا عظمت السيئة وكبرت لم يمحها إلا الحسنات العظام؛ والصغير من الذنوب تمحوه الصغيرة من الحسنات. وتبقى وصية ذهبية للإمام ابن تيمية تجعل المغفرة أرجى: "وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات فإنه أبلغ في المحو".
هدي التربية النبوية!!
وليس بالكلام وحده علَّمنا رسول الله بل رسَّخ معنى التوبة عن طريق العمل الصالح بتربيته للصحابة على هذا، فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رجلًا قال: "يا رسول الله! وقعت على امرأتي وأنا صائم"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، قال: "لا"، قال: « »، قال: "لا"، قال: « »، قال: "لا".. الحديث.
وفي رواية مسلم أن الرجل قال: "احترقت يا رسول الله"، بل وفي رواية مرسلة في الموطأ أن الرجل جاء وهو في شدة الوجل والخوف: جاء أعرابي يضرب فخذه وينتف شعره، يقول : "هلك الأبعد".
فانظر كيف دلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على العمل النافع، وأرشده إلى العمل من بعد العمل، وكلما عجز عن حل دلَّه على غيره.
حيلة إبليسية مفضوحة!!
وبعض الشباب اليوم أصحاب معاصي وزلات، فإذا قلت له: اعمل صالحًا تكفِّر به من خطاياك، قال: "أخشى أن أكون منافقًا!"، فإذا قلنا: "لماذا؟"، قال: "لأني آتي المسجد وأصلي وأنا صاحب ذنوب كثيرة".
فهل يكمن الحل في القعود عن العمل واعتزال الساحة وفي حبس النفس مع إبليس في قفص واحد؟! كلا والله.. فما هذه غير حيلة من حيل الشيطان يمنع بها العبد من الهداية، فخير علاج للذنوب القربات، وخير ما يداوي السيئات الحسنات.. ليس غير الحسنات.