مسائل معاصرة في الحج
تظهر في كل عصر مستجدات وحوادث، لم تكن في السابق، مما يفرض على أهل العلم بيان حكمها وكيفية التعامل معها، وتتجدد بعض مسائل الحج المعاصرة بتجدد أسبابها: كتغير أحوال الناس، واستحداث مخترعات جديدة في وسائل النقل، واللباس وما يحتاج إليه عموم الناس في الحج وغير ذلك.
- التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
تظهر في كل عصر مستجدات وحوادث، لم تكن في السابق، مما يفرض على أهل العلم بيان حكمها وكيفية التعامل معها، وتتجدد بعض مسائل الحج المعاصرة بتجدد أسبابها: كتغير أحوال الناس، واستحداث مخترعات جديدة في وسائل النقل، واللباس وما يحتاج إليه عموم الناس في الحج وغير ذلك.
ومن هذه المسائل سفر المرأة بلا محرم للحج بالطائرة، وقد اختلف العلماء في حكم سفر المرأة من غير محرم، والراجح جواز ذلك إذا وجدت المرأة رفقة مأمونة.
جاء في "الاختبارات" لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - "وتحج كل امرأة آمنة مع عدم محرم لزوال العلة". قال أبو العباس: "وهذا متوجه في كل سفر طاعة". عن الزهري قال: ذكر عند عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم؟ قالت عائشة - رضي الله عنها -: "ليس كل النساء تجد محرماً".
وعن نافع مولى ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: "كان يسافر مع عبد الله بن عمر موليات له ليس معهن محرم". لاسيما مع مصاحبة بعض الموانع المادية والأمنية ووجود الأمن في الطائرات التي تقطع بها المسافات الطويلة في زمن يسير، كانت تقطع قديماً بوسائل النقل القديمة في زمن طويل، وأما الحوادث التي قد تتعرض لها بعض الطائرات فهي نادرة، والنادر لا حكم له.
الكمامات:
وعن المسائل الجديدة أيضاً لبس المحرم للكمامات وهذه المسألة مبنية على ما ورد في النهي عن تغطية الوجه، وذلك أنه جاء في بعض ألفاظ حديث الرجل الذي وقصته ناقته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) أخرجه مسلم، وقد اختلف أهل الحديث في هذه الرواية، فمن أهل العلم من صححها، ومنهم من حكم عليها بالشذوذ، ولعل الراجح كون هذه الرواية شاذة، وعلى تقدير صحتها فقد أجاب عنها أهل العلم بأن النهي عن تغطية وجهه إنما كان لصيانة رأسه، لا لقصد كشف وجهه، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة عن النقاب، وسكت عن الرجل، مما يدل على أن كشف المحرم وجهه ليس مقصوداً للشارع. كما أن الكمامة لا تدخل بحال في المنصوص عليه ما يحرم على المحرم،
لا بالنص، ولا هي في معناه، وعليه فإن المحرم إن كان رجلاً جاز له تغطية وجهه، سواءً بكمامة أو غيره. أما المرأة، فلما كانت منهية عن النقاب، فإن الكمامة تلحق به، فتنهى عنه ما لم تكن لحاجة.
وروى القاسم قال: "كان عثمان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم يخمرون وجوههم وهم حرم"، وكذا ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في (المحلى) وروى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر–رضي الله عنهما- أنه قال: "إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه"، وقال جابر - رضي الله عنه – "يغطي المحرم أنفه من الغبار، ويغطي جهه وهو نائم".
النظارة وساعة اليد:
لبس النظارة، أو سماعة الأذن، أو ساعة اليد، أو الحزام أو ضبابة (ضغاطة) اليد أو الرجل أو الحذاء المخروز الذي فيه خيوط: بين النبي - صلى الله عليه وسلم – ما يحرم على المحرم لبسه، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً قال: يا رسول الله: ما يلبس المحرم من الثياب؟
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس))، والنظارة والسماعة وساعة اليد والحزام وضبابة اليد أو الرجل والحذاء المخروز الذي فيه خيوط لا تدخل في هذه الخمسة لفظاً ولا معنى، وإذا ستر المحرم رأسه بساتر متابع كالمحمل والثوب والشمسية فعند الحنفية والشافعية أنه لا شيء عليه، وهو الصواب، لما روى مسلم في "صحيحه"» عن أم الحصين - رضي الله عنها - قالت: "حججت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة".
جدة ليست ميقاتاً:
أجمع أهل العلم على أن أهل جدة والمقيمين في جدة وكل من أنشأ نية الحج أو العمرة من جدة، أجمعوا أن ميقاته حيث كان، أي: من جدة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر المواقيت: ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ))، حتى أهل مكة من مكة. واختلف أهل العلم في من خرج من بيته ونيته الحج أو العمرة قبل أن يصل إلى جدة، فهذا من أين يحرم، وهل تعد جدة بالنسبة له ميقاتاً أم لا؟ والراجح أن جدة ليست ميقاتاً لأحد، حيث وقت النبي -صلى الله عليه وسلم- المواقيت وبينها للمسلمين، ولم يذكر جدة ضمن هذه المواقيت، إلا أنه لما كانت جدة تعتبر بمحاذاة (يلملم) اعتبرت ميقاتاً لمن مر بها، سواءً بالبحر أو بالجو. أما البر، فإن من أرد النسك، وكان سيمر حتماً على ميقات من المواقيت المحددة، فإنه لا يجوز له تجاوزه من دون أن يحرم، فإن تجاوزه وقصد جدة ليحرم منها فهذا يلزمه أحد أمرين: إما الرجوع إلى ميقاته، وإما دم لتجاوزه الميقات من دون إحرام. أما من ليس له طريق إلى الحرم إلا بالمرور على جدة، ولا يمر على ميقات آخر، كمن يأتون من السودان ومصر عن طريق البحر، فإن أقرب نقطة تقابلهم هي جدة، وهي في محاذاة يلملم، فيحرمون منها، لا لكونها جدة، إنما لكونها في محاذاة أحد المواقيت.
من أراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره
تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم - عليه السلام - حين فدى الله ولده إسماعيل بذبح عظيم، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم – ((ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما)) متفق عليه. وروى مسلم وغيره عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره، -وفي رواية- فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي))، وهذا النهي ظاهره أنه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد، إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه.
العمل الصالح في عشر ذي الحجة:
من الأوقات الفاضلة التي شرعها الله وميزها على سائر الأوقات العشر الأوائل من ذي الحجة التي هي من أفضل أيام السنة. قال الله - تعالى -: (والفجر وليالٍ عشر).
والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة. وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: (( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)).
ويشرع للمسلم الإكثار من ذكر الله - تعالى - من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)) رواه أحمد. ورواه الطبراني: (( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)). أي: أكثروا فيهن من قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه! قال ابن رجب الحنبلي: "وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -.
ويقول أكثر العلماء -أو كثير منهم- بفضل صيام هذه الأيام. وقد خص النبي،- صلى الله عليه وسلم - صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: ((صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده)) رواه مسلم.
كان حكيم بن حزام يقف بعرفة ومعه مائة بدنة مقلدة ومائة رقبة فيعتق رقيقه فيضج الناس بالبكاء والدعاء يقولون: "ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيده ونحن عبيدك فأعتقنا".
المناديل المعطرة:
عرض على لجنة الأمور العامة في هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف الاستفتاء التالي ونصه: هل يجوز استخدام مناديل رطبة أثناء مناسك الحج أو قبلها أو بعدها أي بعد التحلل، علماً بأن هذه المناديل الرطبة هي لتطهير الجروح وتنظيف اليد والوجه وغيرها من أعضاء الجسم من الأوساخ، كما أن هذه المناديل تحتوي على نسبة من الكحول (اللازمة) أي يجب وجودها؛ لأن هذه المادة (الكحول) هي التي تطهر الجروح وتزيل الأوساخ، (ونرفق لكم عينة منه). وقد أجابت اللجنة بالتالي:
من مستلزمات الإحرام امتناع المحرم مدة الإحرام عن التطيب بأي مادة ذات رائحة طيبة أو عطرة. وبما أن (المناديل) المستفتى عنها والمرفق بالاستفتاء عينة منها فيها مادة عطرية فلا يجوز للمحرم استعمالها مدة إحرامه، سواء أكان فيها كحول أم لا، لما تقدم. والله - تعالى -أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إحرام صاحب الشعر المستعار:
كما عرض على اللجنة أيضا الاستفتاء التالي ونصه: رجل يضع على رأسه شعراً صناعياً أو طبيعياً (باروكة) فماذا يلزمه عند الإحرام. علما بأن هذا الشعر ملصق بطريقة معينة عند إحدى الجهات المختصة، ولا يمكنه رفعه وإعادة وضعه إلا عند الجهة المذكورة. فهل يجوز له الإحرام مع وجودها ويفدي عن ذلك؟
وقد أجابت اللجنة بالتالي: يعد هذا الشعر الملتصق بالرأس غطاء للرأس، وهو من محظورات الإحرام للحج أو العمرة، وعلى المحرم نزعه عند الإحرام إلى نهايته، فإذا تعذر عليه ذلك أو صعب وأبقاه في إحرامه، فعليه ــ عند جمهور الفقهاء ــ فدية وهي: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، أيها شاء وفي أي مكان شاء، أخذاً بمذهب المالكية، كما تنبه اللجنة إلى أنه لا يجوز الوصل بشعر الآدمي للرجل أو للمرأة على سواء، أما الوصل بشعر غير الآدمي فإنه يجوز للحاجة ما لم يكن فيه تدليس أو خداع. والله - تعالى -أعلم.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
موسى الأسود