الغفلة عن الوقت
إنَّ الغفلة عن الوقت والاستفادة من الأزمان خطرٌ عظيم؛ لأنَّ الغفلة آفةٌ قاتلة، وداءٌ عُضال فتَّاك، وطريق يكثُر فيه السالكون -إلاَّ مَن رَحِم الله تعالى- دبَّ هذا الداء في جَسَد الأمَّة الإسلامية منذ عدَّة قرون، وأقعَدها عن سبيلها، وأوْهن مِن قُواها، وشغلها أيَّما شغل عن رسالتها وغايتها في هذه الحياة الدُّنيا..
- التصنيفات: تزكية النفس - دعوة المسلمين -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
لنحذر أشدَّ الحذر من هدر الشباب والعمر في غير طاعة واجتهاد، أو إضاعته في الذُّنوب والسيئات، فإنَّ الخاسر يومَ القيامة من يَجد نفسَه بلا حسنات تثقل ميزانه، فيرجو يومَها ويتمنَّى العودة إلى دار العمل، فلا يُجاب، كما أخبر الله تعالى عن هذا الصنف في كتابه؛ فقال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ . فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:99-104].
كما يجب عليكم أن تعلموا أنَّ وقتكم هو رأس مالكم، فإنْ ضاع الوقت والزمان في غير فائدة وثمرة مرجوة، فقد خَسِر الإنسان جزءًا من عمره وشبابه؛ لأنَّ استثمار الأوقات والساعات في طاعة الله ورضاه وعبادته، هو الخير كله، وهو السعادة كلها، كما أنَّ إضاعتها هو الغبن كله؛ فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري).
وإذا تدبرنا آياتِ القرآن رأينا أنَّ الله قد أقسم بالليل والنهار، والفجر والصبح والضحى، والعصر وغيرها من الأوقات من الليل والنهار، وما ذاك إلا لنعلمَ آيات قدرته في الخلق، واستثمار هذه الأوقات فيما شرعه سبحانه قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191].
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْيَوْمَ أَسْرَعُ ذَاهِبٍ *** وَأَنَّ غَدًا لِلنَّاظِرِينَ قَرِيبُ
وقد سأل الفضيل بن عياض رجلاً، فقال له: كم أتت عليك؟ قال: ستون، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك، توشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
ومما يؤسف القلبَ أنَّ كثيرًا من المسلمين اليومَ أصبح لا يهتم بوقته، وصار يهدره في غير فائدة مرجُوَّة، أو ربما في كثير من الذنوب والسيئات، والجلوس في أماكن الفارغين والمقاهي، أو مع رفقة السوء والغيبة والنميمة، أو يقطع النهار والليل أمامَ بعض القنوات والمواقع الإباحية، والتي فيها من مشاهد العُري والفاحشة والزنا ما الله به عليم، وفيها من إماتة الغَيْرة والرجولة والحياء ما فيها، وفيها من نشر الفاحشة والمنكرات بين المسلمين ما فيها، وهذا أمرٌ قبيحٌ في حق المسلم العاقل.
قال علي رضي الله عنه: "إنَّما أخشى عليكم اثنتين: طول الأمل، واتباع الهوى، فإن طولَ الأمل يُنسي الآخرة، وإن اتباع الهوى يصدُّ عن الحق"، وقال عون: "كم من مُستقبلِ يومٍ لا يستكمله، ومُنتظرٍ غدًا لا يبلغه، لو تنظرون إلى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره".
وقال الشاعر:
دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِ
إنَّ الغفلة عن الوقت والاستفادة من الأزمان خطرٌ عظيم؛ لأنَّ الغفلة آفةٌ قاتلة، وداءٌ عُضال فتَّاك، وطريق يكثُر فيه السالكون -إلاَّ مَن رَحِم الله تعالى- دبَّ هذا الداء في جَسَد الأمَّة الإسلامية منذ عدَّة قرون، وأقعَدها عن سبيلها، وأوْهن مِن قُواها، وشغلها أيَّما شغل عن رسالتها وغايتها في هذه الحياة الدُّنيا..
والمتأمِّل في آيات القرآن يرى أنَّ الله تعالى قد أنذر وحذَّر مِن هذا الداء المهلِك الذي أصابَ الأُمم، وأقعدَها عن السَّبِيل الأَمَمِ بل وحلَّ بها عقاب الله تعالى المعجَّل، كما قال تعالى في كتابه لرسوله صلى الله عليه وسلم: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ . لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [يس:6-7].
والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
الشيخ: عاطف عبد المعِّز الفيومي