أسطول الحرية في دنيا العبيد

إن تحقق الهدف ثمنه كان غالياً جداً على صعيد كشف حقيقة اليهود الأخلاقية، وأنهم مجرد قطاع طرق دولية، وخاطفين، وقتلة، وقراصنة يستترون بجنح الظلام للسطو على مساعدات إنسانية، عكس الصورة التي رسموها إعلامياً للعالم أنهم واحة ديمقراطية وسلام وسط وحوش غابة.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

تهدف إسرائيل من قتل بعض ركاب أسطول الحرية للإرهاب وردع محاولات كسر حصار غزة الرمزية المستمر منذ ثلاث سنوات، وقد كانت القافلة الأولى والثانية بزعامة النائب البريطاني جورج غالوي، فهل سيتحقق الهدف الصهيوني بالردع؟

إن تحقق الهدف ثمنه كان غالياً جداً على صعيد كشف حقيقة اليهود الأخلاقية، وأنهم مجرد قطاع طرق دولية، وخاطفين، وقتلة، وقراصنة يستترون بجنح الظلام للسطو على مساعدات إنسانية، عكس الصورة التي رسموها إعلامياً للعالم أنهم واحة ديمقراطية وسلام وسط وحوش غابة.

ولقد اتفقت الصحف الإسرائيلية، في شبه إجماع، على أن الطريقة التي تم التعامل بها مع أسطول الحرية، كانت خرقاء لأبعد الحدود، وربما تكون لها تداعيات كارثية على المستوى الدولي.

وفي صدر صفحتها قالت هآرتس: إنّ "هناك فشلاً استخباريًا، أتبعه فشل عملياتي قاد إلى فشل سياسي"، مؤكدةً أنّ بيان استقالة سريعة لباراك سيسمح بتخفيض مستوى لهيب الغضب ضد إسرائيل، وهو نفس المعنى الذي أبرزته صحيفة "معاريف"، مؤكدة أنّ المواجهة الدامية فجر أمس الاثنين، أمام شواطئ غزة والّتي أسفرت عن سقوط 20 قتيلاً وعشرات الجرحى، كانت خليطًا من الإخفاقات، وأنّ الوحدة البحرية 13، الأكثر فخرًا لإسرائيل، أهينت أمس حسب وصفها.

وأضافت معاريف: إنّ "الردع الإسرائيلي تلقى ضربة شديدة، والصورة الإسرائيلية تلقت ضربة قاضية، وكل هذا جعل إسرائيل دولة قراصنة، وتساءلت الصحيفة قائلة: "إذا كانت هذه هي نتائج محاولة السيطرة على سفينة غير مسلحة، على مسافة ربع ساعة من أسدود، ما الذي ينبغي لنا أن نفكر فيه عن المواجهة المتوقعة؟!

من جهتها لفتت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أنّ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حققت نصرًا هائلاً من دون أن تطلق صاروخًا واحدًا، بينما في المقابل فشلت حكومة نتنياهو فشلاً مطلقاً، وهذا الفشل سيلقي بآثاره السلبية على العلاقات مع تركيا ودول أوروبية أخرى.

وفي تقييمها للحصار الذي دخل عامه الرابع قالت صحيفة هآرتس: إنّ "الحصار على غزة أخفق ولم يضعف حماس، ومن المتوقع رحلة بحرية تركية أخرى كبرى، ستضم عددًا أكبر من السفن مع عدد أكبر من الناس، وربما أيضًا مع بعض السفن الحربية التركية".

وكان القادة الإسرائيليون قد ذهلوا من الرد العالمي، فقد فاجأهم قرار مجلس الأمن الدولي، الذي طالب بلجنة تحقيق نزيهة تكشف حقيقة ما جرى، وتحاكم المسؤولين عن الاعتداء، وفاجأهم أكثر امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وفاجأهم الموقف الأوروبي ضد هذا العدوان ومن أجل التحقيق.

ووضع المجلس الأمني المصغر في الحكومة الإسرائيلية، أمس على طاولته تقريراً عن هذه الهبة العالمية، ولم يخف الوزراء قلقهم من خطر تشكيل لجنة تحقيق دولية تعيد إلى الأذهان تقرير غولدستون، الذي حقق في الحرب العدوانية الأخيرة على غزة وخرج بالاستنتاج أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب.

كما أعربت الحكومة الإسرائيلية عن قلقها إزاء ردود الفعل الجارفة في إدانتها، والخطوات التي اتخذت في تركيا بالذات، وقرر المجلس الوزاري وضع خطة جديدة مخالفة لخطة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان؛ لصد الهجمة الدولية على إسرائيل، في مركزها اتخاذ خطوات إيجابية في التعامل مع المتضامنين المعتقلين لإطلاق سراحهم باحترام، والتعجيل في نقل حمولة الأسطول البحري من المساعدات إلى قطاع غزة، وإدخال مواد أخرى إسرائيلية.

وهذه خسارة إستراتيجية لهم تضاف لخسارتين هذا الأسبوع على صعيد الدعوة العالمية لمنطقة خالية من السلاح النووي، وسحب أكبر مصرف ألماني لاستثماراته في الكيان الصهيوني؛ احتجاجاً على بناء الجدار العازل.

حتى حليفتهم أمريكا، ورغم صمتها حالياً، ودفاعها سابقاً عنهم، إلا أنها لم تستطع الوقوف معهم في مجلس الأمن بالفيتو كعادتها (مع هزالة بيان المجلس).

يقول الله - سبحانه -: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم)

القافلة لم تصل لغزة لكن غزة وصلت لقلوب مئات الملايين:

إن "أسطول الحرية" نجح في تطويق "أساطيل الدولة المعتدية" إعلاميا وسياسياً ودبلوماسياً.

وهذا يذكرنا بقصة ذبح يهود للبقرة وكيف زادت خسارتهم بحمقهم وتنطعهم وهنا تتكرر الخسارة.

كما يصور لنا القران علوهم هذا بقوله: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً)

ومعنى الآية: وأخبرنا بني إسرائيل في التوراة التي أُنزلت عليهم بأنه لا بد أن يقع منهم إفساد مرتين في "بيت المقدس" وما والاه بالظلم، وقَتْل الأنبياء والتكبر والطغيان والعدوان.

كما أن من دلالات الحدث بيان مدى العجز الصهيوني عن معالجة المشكلات بشكل يقلل خسائرهم ولا يستبعد أن يحاولوا حل هذه المشكلة التي صنعوها بأيديهم بالهروب إلى الأمام وشن عدوان جديد على غزة.

إن أسطول الحرية يصول ويجول في بحر العبيد، وهم هنا كل من وقف متفرجاً على مأساة سجن غزة، ولم يقم بما يستطيع بل وأسوأ من هؤلاء قوم مجرمون نصروا العدو بقتل أهل غزة، وتحريض العدو عليهم، ومساندة في حصارهم وتجويعهم وقتلهم فهم عبيد للصهاينة.

لقد صرح أردوغان بأنه لن يتخلى عن غزة كما فعل غيره (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)

تركيا تقود معركة كسر الحصار على مستوييها الشعبي والرسمي منذ سنوات، وهي تتقدم بخطى ثابته لقيادة العالم الإسلامي في كسر الحصار، والإمساك بالملف الفلسطيني، وهي لا تكتفي بالتنديد والكلام، بل تسبق القول بالعمل، وما أسطول الحرية إلا مثال.

هذه تركيا (الدولة العثمانية) التي عرفناها رافضة لتقديم فلسطين لليهود إلا على جثة الدولة العثمانية، والآن تعود لتقود تحرير فلسطين.

تركيا (زمن الأتاتوركية) كانت رائدة الحرب على الإسلام تغدو، وتتحول (في عهد أردوغان) لأكبر نصير للمستضعفين من المسلمين، وفي ذلك أمل بصلاح الحال في بلاد العرب إذا ما جدّ المصلحون في إصلاح الحال (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

تركيا آوت اليهود الفارين من مذابح الأندلس على يد النصارى هناك، ثم الجزاء أن يقتل الصهاينة أتراكاً عزلاً في أسطول الحرية، وهم يفعلون ذلك الإرهاب في المياه الدولية، ضاربين عرض الحائط بالعالم وأنظمته، وحق لهم ذلك وهم يرون جريمتهم في حرب غزة تمر مرور الكرام.

" تركيا الكبيرة التي فرضت نفسها في الاقتصاد وفي السياسة هاهي اليوم شقت طريقها نحو فرض القانون الدولي بدماء مواطنيها، هذا القانون الذي وضعه اليهود أنفسهم من اجل تفادي تفتيش السفن التي كانت تقل المهاجرين اليهود الذين فروا من النظام النازي، واليوم القانون الذي وضعوه يحاصرهم ويجعلهم في موقف حرج أمام المجتمع الدولي الذي لا يعيرونه أي اعتبار أصلاً، كما أبانوا عن درجة جنونهم الذي سيقودهم نحو الهاوية لا محالة، وسيغير قواعد اللعبة ضده."

أبطال أسطول الحرية في بحر العبيد هم أبطال من أديان ولغات وقوميات وأعراق شتى، جمعتهم فطرة العدالة، ورفض الظلم، ونصرة المظلومين، وهم يذكروننا بحلف الفضول لقبائل شتى في الجاهلية، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً لو دعيت به في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها، وألا يعز ظالم مظلوماً)) وفي رواية: ((شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ)) وفي رواية: ((ولو أدعى به في الإسلام لأجبت)‏)‏‏. ‏

وعندما حوصر المسلمون وجوعوا ثلاث سنين في شعب أبي طالب تداعى خمسة من مشركي قريش لشق وثيقة المقاطعة وإلغاءها.

عجباً لحلف يقيمه عرب مشركون لمنع الظلم، وحلف يقيمه عرب مسلمون مع الصهاينة لظلم عرب مسلمين.

وقبل سنوات هذه الأمريكية راتشيل كوري(23سنة) قتلتها جرافة صهيونية عام 2003، والمصور الصحفي البريطاني توم هورندال (22 سنة) قتل عام 2004، والأمريكي بريان أفيري (23 سنة) جرح وشوه وجهه وهو ينقذ طفلين فلسطينيين من رصاص الصهاينة.

أسطول الحرية ركبه 750 شخصاً من أحرار العالم من 40 دولة:

ولقد ركب مئات الآلاف من العالمين أسطول الحرية بمظاهراتهم وسائر وسائل النصرة المتاحة لهم.

فماذا فعلنا غير الأسى والنحيب؟

بيدنا الدعاء فهل استعملناه بجد؟

بيدنا الكثير وحين نعزم سنبدع.

بيدنا أن نفكر ونوصل أفكارنا لمن ينفذها

بيدنا سلاح المقاطعة العالمية للبضائع الصهيونية، وحصارهم اقتصادياً كما حاصروا غزة

وقبل ذلك منع دخولها للبلاد العربية عبر قبرص وبعض البلاد العربية.

بيدنا رفع الدعاوى القضائية عبر العالم، وحصار حرية مجرميهم

بيدنا عون الفلسطينيين بأموالنا ونصرتهم بكلماتنا وأقلامنا.

بيدنا أن نسير أساطيل جديدة حتى فك الحصار

بيدنا أن يضم الأسطول القادم شخص واحد على الأقل من كل دولة من دول العالم؛ لنستنفر حكومات العالم وشعوبها عن بكرة أبيها؛ لتدافع عن ممثلها، ولتعلن الحملة هذا، وتطلب من كل دولة رجلاً حراً يشارك في هذه الرحلة، وإذا نجحت الفكرة تنتقل في الرحلة التالية إلى طلب سفينة من كل دولة تمثل أحرارها وأنصار العدالة فيها؛ ليكون لدينا 150 سفينة تمثل أسطولاً للحرية ضارباً يعجز الصهاينة.

بيدنا الضغط على الدول العربية والإسلامية؛ لسحب مبادرة السلام، وما استجابة حكومة الكويت لمطالب مجلس النواب، وانسحابها من هذه المبادرة إلا دليل على فاعلية مثل هذه الخطوة، ولتكون الكويت الأولى فمن الدولة التالية؟

بيدنا انتهاز الفرصة التاريخية لكسر الحصار بشقيه الصهيوني والمصري بالمزيد من الجد والجهد والتعاون والاستمرار.

بيدنا استغلال وسائل الإعلام الجديد "كافة" وخصوصا الإنترنت وتشكيل حلف فضول عالمي جديد.

إنها معركة كسر عظم لكسر الحصار فلنكسر عظمهم.

( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).


إبراهيم التركي