ما هي الأسرار التي يخفيها الأبناء عن والديهم؟
جاسم بن محمد المطوع
لو اكتشفنا خطأ يفعله أبناؤنا أو بناتنا سرًا فكيف نتصرف معه؟ وخاصة إذا كان هذا الخطأ الذي اكتشفناه كبيرًا؛ كمحادثة ابنتنا مع شاب، أو مشاهدة ابننا الأفلام الإباحية أو التدخين
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -
لو اكتشفنا خطأ يفعله أبناؤنا أو بناتنا سرًا فكيف نتصرف معه؟ وخاصة إذا كان هذا الخطأ الذي اكتشفناه كبيرًا؛ كمحادثة ابنتنا مع شاب، أو مشاهدة ابننا الأفلام الإباحية أو التدخين، ففي مثل هذه الحالات هناك خمس خطوات لا بد من فعلها لنُحسن إدارة الموقف وعلاجه:
الأولى: الالتزام بالهدوء والوضوء والصلاة حتى لا نندفع كثيرًا في مواجهة الحدث ونفسد العلاقة التربوية بسبب ردة الفعل العنيفة.
ثانيًا: نتأكد من صحة الخبر الذي وصلنا ومن مصداقية مصدره حتى لا نبني أفعالنا على تخمينات أو أوهام.
ثالثًا: أن لا نوجه كل أصابع الاتهام لابننا ونحن نتحدث معه حتى نعطيه فرصة للتراجع عن خطئه.
رابعًا: لو أقر بالخطأ أن نعتمد مبدأ المسامحة عند المصارحة حتى نعطيه فرصة لتصحيح خطئه.
خامسًا: التعامل معه بمرونة بين شد وجذب في حالة تكراره للخطأ واستمراره فيه من غير أن نستخدم أسلوب الهجر الدائم أو المقاطعة الطويلة أو الطرد من البيت مهما كان الخطأ الذي ارتكبه، فهذه خمس قواعد مهمة عند اكتشاف سر لأبنائنا.
ولكن السؤال الأهم هو: ما هي الأسرار التي يخفيها أبناؤنا علينا؟ وحتى نجيب عن هذا السؤال لا بد أن نفرق بين الأسباب التي يكون أساسها الوالدان، وبين الأسباب التي يكون أساسها الأبناء، فالابن لا يصارح والديه بأسراره لعدة أسباب، منها كثرة انشغال الوالدين وبعدهما عنه وعدم الاهتمام بتفاصيل حياته، أو قلة محاورة الوالدين للأبناء والصمت عند اللقاء بهم والاجتماع معهم على الطعام أو في السيارة، أو أن يكون الابن قد مر بتجربة سابقة مع والديه عندما كشف لهما عن سر خاص به، ثم علم أنه افتضح أمره عند أهله أو في بيت جدته أو بين أصحابه وأحبابه، والسبب الرابع كثرة عصبية الوالدين واعتماد أسلوب التربية بالصوت العالي ففي هذه الحالة لا يشعر الأبناء بالأمن والأمان فينعكس ذلك على شفافية العلاقة مع الوالدين، وأحيانا يكون السبب عدم ثقة الأبناء بنضج والديهم، وقد مرت علي حالات كثيرة صارحني فيها الأبناء بعدم كشف أسرارهم لوالديهم لهذا السبب.
أما عدم كشفهم الأسرار بسببهم فأول الأسباب هو المحافظة على السمعة والصورة الموجودة لدى الوالدين عن الابن فإذا ارتكب الابن خطأ كبيرًا فلا يكشف سره لوالديه حتى يحافظ علي صورته، أو قد يكون ارتكب ذنبًا ويريد أن يستر على نفسه ولا يريد أن يكشف والداه ستر الله عليه، أو أحيانًا يكون الأبناء لديهم الرغبة بمصارحة والديهم ولكن لا يعرفون كيف يبدؤون الموضوع، أو يخافون من ردة فعل والديهم القوية فيتعرضون للحرمان أو الضرب أو العقوبات الشديدة.
إذا اكتشف الوالدان سرًا لابنهما فإن عليهما الستر عليه ومحاولة إصلاح الأمر، وقد قرأت قصة جميلة حصلت في زمن عمر الفاروق رضي الله عنه تفيد هذا المعنى، فقد أتى رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن ابنة لي كانت وئدت في الجاهلية، فاستخرجتها قبل أن تموت، فأدركت الإسلام، فلما أسلمت أصابت حدًا من حدود الله، فعمدت إلى الشفرة لتذبح بها نفسها! فأدركتُها وقد قطعتْ بعض أوداجها فداويتها حتى برئت، ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة، فهي تُخطب إليّ يا أمير المؤمنين أفَأُخْبِرُ من شأنها بالذي كان؟ فقال عمر: أتخبر بشأنها؟! تعمد إلى ما ستره الله فتبديه! والله لئن أخبرت بشأنها أحدًا من الناس لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، بل أنكحها نكاح العفيفة المسلمة!
فهذا هو المنهج العمري في ستر عيوب وذنوب وأسرار البنات قبل الزواج وكذلك هذا المبدأ ينطبق على الشباب، ولكن الجميل في القصة تفهم الوالدين السر الذي اكتشفوه في ابنتهم ومحاولة استيعابه وقت حدوثه وهذا أهم ما في الموضوع.
فكتمان الأسرار تربية نعلّمها أبناءنا من الصغر فنهمس في أذنهم قائلين: سنقول لكم سرًا لا تخبروا به أحدًا، وبهذه الطريقة يعرفون وهم صغار ما معنى السر، وقد قالها يعقوب عليه السلام لابنه يوسف: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف:5]، ومع كل هذه الاحتياطات كادوا له، ولكن يوسف عليه السلام تعلم من تربية أبيه ومن هذا الدرس فكان يخفي ما في نفسه من معلومات وقت الحاجة، وهذا ما حصل له بعد سنوات طويلة عندما جاءه إخوانه فقالوا له: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} [يوسف:77] فقد تعلم متى يخفي السر ومتى يبديه للمصلحة.
وقبل أن نختم مقالنا هذا نحب أن نقول إن رسولنا الكريم ليس في حياته أسرار، لأنه قدوة للبشر حتي يعرفوا كل تفاصيل حياته فيقتدوا به عليه السلام، فقد (دخل نفر من أصحاب رسول الله على أم سلمة فقالوا: يا أم المؤمنين حدثينا عن سر رسول الله قالت: كان سره وعلانيته سواء ثم ندمت، قالت: أفشيت سر رسول الله قالت: فلما دخل أخبرته فقال: «
» (أحمد والطبراني).