الأحكام الفقهية المتعلقة بالإيدز
ثم ختم الباحث بحثه بأبرز النتائج لهذا البحث بإيجاز بعد أن بين الصعوبة التي واجهها الباحث في ربط هذه الأحكام بأصولها في الفقه الإسلامي، والمطلع على هذا البحث يعلم مقدار تلك الصعوبات التي لم تقف حائلاً أمام الباحث في تقديم هذا البحث المتميز في مسماه وفي معناه، فجزاه الله خيراً على هذا البحث القيم والمفيد.
- التصنيفات: التصنيف العام -
• بدأ الباحث بمقدمة بين فيها أهمية هذا البحث، من جهة أن هذا المرض أصبح الشغل الشاغل للإعلام الغربي واللجان الصحية، كما أصبح الإيدز يمثل الرعب الذي كان يمثله الطاعون في القرون السابقة، وفي مثل هذا العصر أصبح من المستحيل السيطرة عليه، وقد بلغ عدد المصابين به وقت كتابة هذا البحث 1417هـ، قرابة اثنين وعشرين مليون مصاب، وهو مرض معد سريع العدوى، وهو كذلك مرض مميت فلم يكتشف له علاج وحتى الآن، ولأن هذا المرض العصري لم يكن معروفاً في السابق، فإنه يترتب عليه أحكام شرعية خاصة بمن يصاب به، وكذلك يترتب عليه أحكام خاصة بالمجتمع الذي يعيش فيه المصاب، ومما لاشك فيه أن معرفة تلك الأحكام أمر يهم الكثير من المسلمين، وخاصة من ابتلي بشخص مصاب بذلك المرض.
• مهد الباحث في بداية البحث بالتعريف بمرض نقص المناعة المكتسبة وأعراضه، وذكر أسباب الإصابة به،
وهي تتركز في ثلاثة أمور:
1- الاتصال الجنسي
2- الدم ومشتقاته عن طريق نقل الدم أو الإبر
3- انتقال العدوى بواسطة الأم للجنين.
• ثم ذكر حقوق المريض وواجباته، وبين أنه يجب على المجتمع بأن يتعامل مع مريض الإيدز بشفقة ورحمة، خاصة وأن كثيراً ممن أصيبوا بهذا المرض الخبيث في بلادنا كان ناتجاً عن نقل الدم، وقد يكون اتصل بزوجته قبل أن يعلم بإصابته ونقل إليها المرض، وهؤلاء كلهم أبرياء، ثم على فرض أن الشخص قد ألم بخطيئة ثم تاب، فإن في المرض كفارة له، وواجب المجتمع معاملته بالشفقة والرحمة، والسعي في التخفيف عنه، ولا يجوز أن يلزم مريض الإيدز ويوصم ويحقر ويجب على من أصيب بهذا المرض أن يستسلم أولاً لقضاء الله وقدره، ويبادر بالتوبة، ويستعد لما لابد له منه وهو ملاقاة ربه، ولا يفعل مثل فعل الكفار الذين يبادرون إلى الانتحار والعياذ بالله فتنتهي بذلك حياته أسوأ نهاية وينتقل نعوذ بالله من عذاب الدنيا إلى عذاب الآخرة، وقد قال - سبحانه -: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً"(الطلاق: من الآية2)، وقال - سبحانه -: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً"(الطلاق: من الآية4) فإنها وإن كان الطب الحديث لم يتوصل إلى علاج لإزالة هذا المرض فيجب ألا تفقد الثقة بالله فهو القادر على كل شيء، فإن من رضي بقضاء الله وقدره وفعل الأسباب التي أمر بفعلها من الرقى الشرعية والأدوية الطبية المعتبرة فإما أن يشفيه الله - سبحانه - مما أصيب به، وإما أن يجعل هذا المرض سبباً في عودته إلى الله، وسبباً في توبة نصوح تدخله جنة عرضها السماوات والأرض، وكما قال - سبحانه -: "فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"(النساء: من الآية19).
• ثم قام الباحث بعد ذلك بتقسيم بحثه إلى أربعة فصول في كل فصل عدد من المباحث.
• ذكر في الفصل الأول أحكام المصاب بمرض نقص المناعة فيما يتعلق بأحكام الأسرة، ومن أهم ما توصل إليه الباحث في هذا الفصل:
* بما أنه قد ثبت طبياً أن أبرز أسباب انتقال العدوى بفيروس الإيدز، هو: الاتصال الجنسي المباشر، فلا يجوز زواج السليم بالمريضة، ولا رضا السليمة بالمريض، ويترتب على ذلك:
1- جواز إلزام الزوجين بالفحص الطبي قبل الزواج، وللحكومة أن تعد ذلك من مسوغات إبرام العقد من باب حماية أفرادها.
2- لا يجوز للزوجة القبول بهذا الزوج المريض، وللولي أن يمنعها من ذلك.
3- إن اشتراط الولي على طالب الزواج إثبات سلامته من مرض نقص المناعة شرط صحيح، وكذلك يحق للزوج أن يشترط سلامة المخطوبة من هذا المرض خاصة إذا كانت مطلقة.
* يجوز للمصاب بهذا المرض أن يتزوج امرأة مصابة مثله بشرط التأكد من القدرة على منع الإنجاب؛ لكيلا ينقلا العدوى لطفليهما، وبشرط استشارة الأطباء في ذلك؛ لأن مريض الإيدز كغيره عنده الغريزة الجنسية، ومنع من ذلك قد يلجئه إلى المحرم، وفي ذلك زيادة لانتشار هذا المرض.
* يجب على من أصيب بهذا المرض أن يخبر صاحبه (الزوج أو الزوجة) بذلك و إلا كان جانياً يستحق العقاب وقد يصل إلى القصاص.
* أن لكل من الزوجين حق طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز.
* في حالة الرضا من الطرفين ببقاء الزواج مع وجود هذا المرض في أحدهما فلا مانع من ذلك بشرط تجنب الجماع المباشر أو استعمال الواقي استعمال صحيحاً، وكذلك يجوز المباشرة فيما دون الفرج بشرط اتخاذ جميع الاحتياطات؛ لأنه قد ثبت أن المني يحمل الفيروس، وللزوجة أن تمتنع من الجماع وليس للزوج إجبارها على ذلك.
* أن الوالد السليم هو أولى بالحضانة من المريض، و لا مانع شرعاً من حضانة الأم المصابة بفيروس الإيدز لطفلها، ولكن بما أن احتمال العدوى أثناء الرضاعة وارد وإن كان قليلاً، فإن الأحوط هو عدم إرضاع الأم لطفلها، وتعتاض عن ذلك بمرضع أخرى أو بغير ذلك من الأغذية، إلا إذا تعذر ذلك فلابد من إرضاعه حماية له من الهلاك، وكذلك الحكم فيما إذا كان المحضون مصاباً، وإذا كان كل من الحاضن والمحضون مصابين بالمرض فلا مانع الحضانة من باب أولى.
* تجب النفقة لمرض الإيدز على أقربائه فإن لم يكن له أقرباء، فتجب على الدولة، فإن لم تنفق عليه الدولة، فتجب نفقته على من علم بأمره من المسلمين.
• ثم بين الباحث في الفصل الثاني أحكام المصاب بمرض نقص المناعة في باب الجنايات والحدود، وكان من أبرز ذلك:
* أن من تعمد نقل مرض الإيدز بأي وسيلة كانت سواء عن طريق نقل الدم أو الاتصال الجنسي أو غير ذلك، يعد قاتل عمد يقتص منه بعد موت المجني عليه لتوافر شروط القتل العمد، وهي: قصد القتل، وقصد الشخص المقتول، ولأن ذلك من العدوان بغير حق، ولأنه استعمل أمر الغالب الهلاك منه، وأقر ذلك مجمع الفقه الإسلامي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، فإذا مات المنقول إليه المرض قتل من نقله إليه قصاصاً.
* أن من كان قصده إشاعة المرض الخبيث في المجتمع بصفة عامة لا لشخص بعينه فإن هذا يعد نوعاً من الحرابة والإفساد في الأرض، ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة.
ثبت طبياً أن أبرز أسباب انتقال العدوى بفيروس الإيدز، هو: الاتصال الجنسي المباشر، فلا يجوز زواج السليم بالمريضة، ولا رضا السليمة بالمريض
* أن من نقل هذا المرض إلى غيره عن طريق الخطأ بأي وسيلة كانت تجب عليه الدية وكفارة القتل الخطأ، ويحرم من الميراث والوصية.
* أن مريض الإيدز حكمه كحكم الصحيح من جهة الاعتداء عليه، فمن اعتدى على مريض الإيدز متعمداً فجزاؤه القصاص، سواء بالنفس أو ما دونها، ومن اعتدى عليه مخطئاً فعليه الدية والكفارة إن كان على النفس أو الدية أو بعضها أو الأرش إن كان على مادون النفس حسب الاعتداء.
* أنه إذا أمكن اكتشاف مرض الإيدز في المرأة الحامل قبل الأربعين يوماً الأولى من عمر الجنين فإنه يجوز الإجهاض، ويجوز الإجهاض إذا كان قبل نهاية الأربعة أشهر إذا تحقق انتقال المرض إلى الجنين، أما بعد الأربعة أشهر أي: بعد نفخ الروح فلا يجوز الإجهاض مطلقاً؛ لأن نسبة انتقال العدوى من الأم إلى الجنين نسبة ضئيلة 10% وقد أمكن تقليلها بإجراء الولادة بالعملية القيصرية فلا يهدر حق الجنين لمجرد الاحتمال.
* أنه لا يجوز الإجهاض من أجل إنقاذ الأم المصابة بهذا المرض عند التعارض؛ لأن موتها محقق حتى لو أسقط الجنين، أما الجنين فحياته محتملة فيرتكب أهون الضررين.
* أن إقرار المريض بهذا المرض إقرار صحيح ومقبول كإقرار الصحيح.
* أن قذف مريض الإيدز بالزنا يوجب حد القذف على من قذفه لاحتمال انتقال المرض إليه بطريق آخر غير الزنا؛ كنقل الدم ونحوه.
• ثم ذكر الباحث في الفصل الثالث اعتبار مرض نقص المناعة مرض موت، وما يترتب على ذلك من أحكام، وتوصل الباحث في هذا الفصل إلى ما يلي:
* أن مرض الإيدز يعد مرض موت إذا بدأت مرحلة ظهور المرض وأعراضه بوضوح فيحكم على تصرفاته كما يحكم على تصرفات من به مرض الموت، وعلى هذا:
1- فتصرفاته في البيع والشراء صحيحة إذا لم يغبن كثيراً، ولم يكن عليه دين.
2- زواجه يكون صحيحاً وترتب عليه أحكام الزواج الصحيح.
3- هباته وتبرعاته ووقفه ووصيته صحيحة إذا كانت من الثلث وكانت لغير وارث، فإن كان تزيد على الثلث أو كانت لوارث، فلا تصح إلا بإجازة الورثة
4- وكذلك له أن يبرئ من له حق عليه بشريطة أن يكون دون الثلث فإن زاد على الثلث فلابد من إجازة الورثة، فإن كان عليه دين يستغرق ماله كله فلا يحق له الإبراء.
5- وله أن يقف من ثلث ماله، وما زاد على ذلك فلا بد من إجازة الورثة.
6- ويصح إقراره للأجنبي بحق عليه ولو كان إقراره بما يزيد على ثلث ماله.
• وفي الفصل الرابع ذكر الباحث وسائل مواجهة مرض نقص المناعة، ومن أبرز الوسائل التي يراها الباحث في مواجهة هذا المرض تتمثل في الآتي:
1- البعد عن العلاقات الجنسية المحرمة.
2- البعد عن المسكرات والمخدرات.
3- فحص الدم قبل نقله إلى المحتاج إليه.
4- إجراء الفحوص اللازمة قبل الزواج.
5- الرقابة على الجهات الصحية التجارية.
6- علاج المريض بمرض نقص المناعة، وتوعيته بكيفية المحافظة على حالته من مزيد من التدهور، وكف العدوى عن الآخرين.
7- عزل المريض في حدود ما يمكن لدرء انتقال المرض، وذلك بتجنب أساب انتشاره، وهي المتمثلة في الأمور الثلاثة التي سبق ذكرها، ولا يعني ذلك عزله عن المجتمع؛ لأن العدوى لا تنتقل إلا بما تقدم ذكره، ولا تنتقل بمجرد الاختلاط المعتاد.
8- فحص الوافدين على البلاد للحج وغيره.
9- توعية الحجاج بأن من أسباب انتشار المرض هو استخدام أمواس الحلاقة الملوثة، والتشديد على الحلاقين الذين يخالفون الشروط اللازمة للوقاية الصحية.
• ثم ختم الباحث بحثه بأبرز النتائج لهذا البحث بإيجاز بعد أن بين الصعوبة التي واجهها الباحث في ربط هذه الأحكام بأصولها في الفقه الإسلامي، والمطلع على هذا البحث يعلم مقدار تلك الصعوبات التي لم تقف حائلاً أمام الباحث في تقديم هذا البحث المتميز في مسماه وفي معناه، فجزاه الله خيراً على هذا البحث القيم والمفيد.
والله الموفق.
يوسف بن عبد العزيز العقيل