فضل عبادة الليل على عبادة النهار

وحيد عبد السلام بالي

إن العبد إذا قام في الليل وصفَّ قدميه لمولاه عابدًا خاشعًا، سهُل عليه القيامُ يومَ يقوم الناس لربِّ العالمين.

  • التصنيفات: التقوى وحب الله -

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

1- عبادة الليل غالبًا ما يتوفرُ فيها الإخلاص؛ لأن العبدَ يقوم في ظلمات الليل لا يراه أحدٌ؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «فضلُ صلاة الليل على صلاة النهارِ، كفضل صدقة السِّرِّ على صدقةِ العلانية» [1].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أفضلُ الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرَّم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل» [2].

2- عبادة الليل أشقُّ على النفس، والمجاهدةُ تكون فيها أكثر؛ ولذلك يكون الأجرُ فيها أعظمَ؛ قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6].

فإذا جاهد الإنسانُ نفسه في ذات الله، هداه اللهُ إلى الطريق القويم، ورفَعه إلى درجة المحسنين؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

3- عبادة الليل يكون فيها مزيدُ تدبُّر وتفهم؛ لأن المشاغل غيرُ متوفرة، فيتواطأ فيها القلبُ واللسانُ على التفهُّم والتدبُّر.

4- الليل موسم لتنزُّل الرحمات، ولنزول رب الأرض والسموات، فعظمت العبادة فيه، وكان لها هذا الأثرُ؛ لأنه وقت فاضل.

5- عبادة الليل ترفَع الإنسان درجات؛ لأنها تجمع بين تخلية القلب من الرذائلِ بغفران الذنوب، وتحليته بالفضائل بكَسْب الحسنات.

 

فوائد قيام الليل:

1- إن العبد إذا قام في الليل وصفَّ قدميه لمولاه عابدًا خاشعًا، سهُل عليه القيامُ يومَ يقوم الناس لربِّ العالمين، ومن استراح هنا تعِب هناك، والجزاء من جنس العمل.

2- من يُكثر القيام في الليل، وكان من الرجال، يزوِّجه اللهُ من الحور العين؛ تعويضًا له عن ترك الفراش الوثير والزوجة الحسناء، والتعبُّد لرب الأرض والسماء.

3- صحة جسم القائم، وصفاء رُوحه، وبهاء وجهه، قيل للحسن البصري رحمه الله: لِمَ كان المتهجدونُ أحسنَ الناس وجوها؟ قال: "لأنهم خلَوْا بربهم فأعطاهم من نورِه".

4- الفتوحات الربانية، والتوفيقات الإلهية، والإلهامات الجلية تتمُّ بفضل قيام الليل؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

قال سري السقطي: "الفوائدُ ترِدُ في ظُلَم الليل". ا.هـ. وكم من عالم استغلق على فهمه مسألةٌ، فقام يناجي ربَّه في جوف الليل، ففتَح الله عليه، ويسَّر له ما كان مستعسرًا من قبل.

5- يمتع الله تعالى القائمينَ الليل برؤية وجهِه الكريم يوم القيامة، قال الحسنُ البصري رحمه الله تعالى: "لو علم العابدون أنهم لا يرونَ ربهم، لذابوا".

-----------------------

[1] رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن؛ قاله المنذري في الترغيب (2/28).

[2] رواه مسلم (8/54 نووي).