الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ
ليس حقيقة الغنى كثرة المال، لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه
- التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
» (1).
شرح المفردات(2):
«النفس.
» أي: أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى
من فوائد الحديث(3):
1- قال ابن بطال: "معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال، لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي، وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب، فكأنه غني".
2- قال القرطبي: المرء إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله، ويكثر من يذمه من الناس، ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل.
3- أن الفقر والغنى ابتلاء من الله يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7]، وقال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35].
4- على المسلم أن يصبر عند الشدة؛ فلا يتسخط أو يضجر، بل يكون راضيًا بقضاء الله وقدره عليه، فإن ذلك يورثه الطمأنينة في قلبه، والراحة في نفسه.
5- أنه لا حرج على المسلم من طلب المال واكتسابه من طرقه المباحة؛ ليقضي به مصالحه، وينفق منه على من يعول، ويبذل ما تيسر منه في سبل الخير المختلفة، ولكن المحذور هو في طلبه من كل طريق بلا تمييز بين الحلال والحرام، أو أن يبالغ في السعي في تحصيله فيضيع الوجبات والفرائض من أجل الازدياد منه.
----------------
(1) أخرجه البخاري، رقم (6081).
(2) فتح الباري لابن حجر (18/ 264).
(3) انظر: المرجع السابق.