حادثة (شارلي إيبدو)؛ الموقف والرأي.
حسن الخليفة عثمان
الاستمرار في الكذب لا يفيد، ولعبة محاربة الإرهاب والمتاجرة بملف الإرهابيين بعد صناعتهم في طريقها للانتهاء، وفضح أمرها وأمر جنرالات الإرهاب والمرتزقين من وراء هذه المهنة اقترب أوان حسابهم، أيًا كان نوعهم وانتماؤهم وقوتهم.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
خلاصة هذه المقالة، وبكامل الوضوح، لمن يريد أن يفهم، ولمن يريد ألا يفهم: أنها ترفض العنف، وتدين قتل الأبرياء، وترفض كافة أنواع الظلم، والإرهاب، مهما كانت دوافعه، وأشكاله، ومبرّراته.
ونريد أن نؤكد على ثوابتنا الاستراتيجية في تعاملنا، وفي كتاباتنا، وتعاطينا مع الشأن العام، على الحقائق والثوابت الآتية:
أولًا: احترام الدول والشعوب الأخرى، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، تحت أي مسمى، أو ذريعة، بما يسبب الضرر لهذه الدول، أو الشعوب.
ثانيًا: رفض كافة صور وأشكال الاستغلال الخاطئ لبعض الأحداث والوقائع أو الجرائم، للتغطية على جرائم أكثر بشاعة وفظاعة من تلك الجرائم اللاحقة، كما أنه يجب التأكيد على أن الخطأ يبقى خطأ، مهما ادّعى فاعله من نٌبل وسمو الدوافع والمبررات والمقاصد الدافعة لارتكابه.
ثالثًا: نحن أمة ننتمي إلى حضارة تستضيء بكتاب يحرّم عليها الغدر والخيانة والظلم والاعتداء، وتهتدي بهدي نبي يأمرها بالصدق والأمانة والوفاء والشرف، ومن فعل نقيض كل ذلك كان منافقًا خالصًا.
وفي ضوء ما سبق نقول: "إزاء ما وقع من حادث لإطلاق النار، قام به بعض المواطنين الفرنسيين، (قيل إنهم من أصول عربية)، على مقر الصحيفة (شارلي إيبدو) الفرنسية الساخرة، فسقط على إثره قتلى وجرحى، من بينهم شرطي فرنسي مسلم اسمه أحمد.
إن هذا الحادث المؤلم، وغيره من الحوادث المروّعة التي جاوزت حدود العقل والمنطق، وما سبقها من حوادث وجرائم مؤسفة؛ من عنصرية، واعتداءات على المقدسات الإسلامية عند المسلمين، سواء كانت في شخص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو كانت متمثلة في الإجرام الممنهج، والمنظم، والمستمر؛ من حرق للمساجد، واعتداءات على حرماتها، بلغت أكثر من أربعة عشر اعتداءً في السويد في العام الماضي، وفي غيرها من الدول، مما يحدث من موجة عنصرية عاتية ضد الإسلام والمسلمين، ليس آخرها ما يحدث في ألمانيا، من بعض المتطرفين تجاه المواطنين المسلمين الألمان، بما يحمل بعض الشباب الذي يملؤه اليأس من العدالة والقانون والإحباط من المجتمع الدولي، الذي يلتزم الصمت أمام جرائم لا يمكن الصمت عليها، بل يعتبر الصمت عنها نوعًا من المشاركة فيها، وهو ما دفعنا إلى كتابة مقالتنا هذه للتعبير عن رفضنا الواضح، والقاطع، لكافة أشكال وصور الجريمة، أو التحريض عليها، أو تشجيعها، أو السكوت عنها.
نحن نعلن؛ وبوضوح؛ رفضنا لأن تتحول المجتمعات الآمنة إلى ساحات فوضى متناحرة، على يد بعض الذين امتلؤوا ضيقًا وغيظًا، أو تتحول إلى ساحات قتال أعمى، لا طائل من ورائها إلا سقوط المزيد من الضحايا والأبرياء، وتشويه صورة الإسلام، والتنفير منه ومن أتباعه.
و لقد ساءنا، ولفت أنظارنا، أن يرتدي نوعٌ من القتلة والمجرمين مسوغ الوعظ والإرشاد، متخذين من الحادث -المؤلم والمؤسف والمرفوض بجميع العبارات والصور- بابًا وستارًا، يستترون خلفه، ووراءه؛ للتغطية على ما يرتكبونه؛ من جرائم وأهوال في حق البشرية، والإنسانية جمعاء.
ولهؤلاء، وأولئك أينما كانوا، وأينما وٌجدوا، أقول وبوضوح لا لبس فيه:
"لا تغسلوا أيديكم الملوثة بدماء الأبرياء من النساء والأطفال والعجائز، بماء البكاء ودموع التماسيح على ضحايا أنتم أول السعداء بسقوطهم، وأنتم الذين تواصلون ليلكم الأسود المملوء ببث الحقد والكراهية والتحريض والكذب بنهار القتل، والاغتيالات، والاعتداءات والاعتقالات وإهدار الكرامة والإرادات الحرة للشعوب.
مؤتمرات العار والكذب، التي تخادعون العالم بالدعوة لعقدها هنا وهناك، تحت دعاوى مكافحة الإرهاب ومواجهة الإرهاب، لن تغسل عار طائراتكم في سوريا؛ التي منذ أربع سنوات تحيل مطر السماء إلى براميل موت، تُمطر بها أرض العُزل من الأبرياء، أطفالًا ونساءً وعجائز فتحيلهم (بمئات الآلاف) أشلاءً وجثثًا، لا يجدون من يواريهم الثرى، ومن لم تقتله طائراتكم قتله الصقيع متجمدًا في الشتات؛ حيث لا مأوى له ولا وطن.
ثم تأتي إداناتكم ودعواتكم لمؤاتمراتكم، للتغطية على مؤامراتكم وجرائمكم وفظائعكم التي تمارسونها في حق الأبرياء والمسالمين والعٌزّل.
نفاقكم الرخيص، ودموع التماسيح، لن تغسل عار ما وقف الغرب والعالم كله أمامه مذهولًا، لا يكاد يصدق أن ثمّة بشر يمكن أن يفعلوا أفعالكم ببني شعوبهم وأوطانهم، من قتل للآلاف، ومجازر ومحارق وجرائم في حق المتظاهرين والمعتصمين.
المسرحيات والأفلام التي تقومون بها لإظهار التسامح واحترام المقدسات، لا ينخدع بها أحد، حتى أولئك الذين تم ترتيبها معهم فهم يبادلونكم الابتسامات، لكنهم لا ينسون -أبدًا- أن أيديكم ملوثة بدماء العشرات منهم، الذين فرمتهم ودهستهم دباباتكم على عتبات ماسبيرو، فأحالتهم أثرًا بعد عين، ويتّمت أطفالهم، ورمّلت نساؤهم، ثم ها هم اليوم يصافحون اليد التي قتلتهم، لأنهم يرون صاحبها الآن في مهمة المرتزق، الذي يستأجرونه للقضاء على الإخوان المسلمين، ثم لا يكون بعد ذلك له عندهم حرمة، ولا كرامة، حين يأتي وقت القصاص لقتلاهم الذين قتلهم بدباباته ومدرعاته في ماسبيرو.
القتلة اليوم يتصافحون، ويجتمعون على محاربة الإرهاب أمام الشاشات، وهم جميعًا يعلمون أن اجتماعهم وجمعهم من أجل صناعة الإرهاب، والقتل في خصومهم السياسيين، وتصدير الإرهاب إلى العالم العربي والغربي؛ ليستجيروا بالمرتزقة الشرقيين الذين سيأتون لهم (مسافة السكة)، والذين هم عندهم بمثابة الخرقة التي ينظفون بها ما لا يمكن لهم كغربيين متحضرين أن يلوثوا أيديهم بالقيام بها، سواءً في التعذيب، أو في التصفية، والاغتيالات، أو الانقلابات، والانتهاكات.
وهؤلاء، يظنون أن الغرب لا يعرف من الذي فجّر (كنيسة القديسين) بالإسكندرية في مصر، وقتل العشرات من المسيحيين في أعيادهم، ولم يتم تقديم متهم واحد في هذه القضية، ثم جاءت حادثة (ماسبيرو) وقتل فيها العشرات من المسيحيين بمدرعات (السيسي) ورجاله، ليقف البابا (تواضروس) مؤخرًا ويقول: "إن الإخوان هم الذين استدرجوا الأقباط إلى ماسبيرو!" في مشهد وكلام كشف حقيقة اللعبة للعالم جميعًا، وأضاف دليلًا جديدًا ضد القتلة، الذين قادوا المؤامرة والتحريض والتهديد؛ بقتل محافظ أسوان، وموته موتة شنيعة، والذين تواطؤوا مع القاتل بعدما شاركوا في القتل والفوضى، لتحقيق مكاسب سياسية حين فشلوا في تحقيقها بالطرق السلمية.
الاستمرار في الكذب لا يفيد، ولعبة محاربة الإرهاب والمتاجرة بملف الإرهابيين بعد صناعتهم في طريقها للانتهاء، وفضح أمرها وأمر جنرالات الإرهاب والمرتزقين من وراء هذه المهنة اقترب أوان حسابهم، أيًا كان نوعهم وانتماؤهم وقوتهم.
ولن ينجو إلا من كان الصدق منهجه، والوفاء سلوكه، والوضوح رؤيته، أما المخادعون، ومدعو الذكاء والعبقرية في مخادعة الآخرين، فمهما تأخر أوان حسابهم بالقانون العادل، فلسوف يأتي لا محالة، حين تستعيد الشعوب زمام أمرها، وتسترد من حفنة المستبدين الطغاة كامل حقها.
وختامًا؛ نكرر أن خلاصة هذه المقالة وبكامل الوضوح لمن يريد أن يفهم ولمن يريد ألا يفهم:
(أنها ترفض العنف، وتدين قتل الأبرياء، وترفض كافة أنواع الظلم والإرهاب، مهما كانت دوافعه، وأشكاله، ومبرّراته).
شكرًا لمن قرأ، والشكر موصول لمن سعى في الخير؛ ونشر".