رباط العقيدة أولى بالرعاية
المؤمنون إخوة بنصّ كتاب الله عز وجل، وهذه قاعدة إيمانيّة يجب الإقرار بها أولاً، والعمل بمقتضاها ثانياً. فمن أقرّ بها من المسلمين ثمّ لم يكن تعامله مع غيره من المؤمنين منسجماً معها فهو أحد رجلين: إمّا أنّ إيمانه بها غير عميق، وأنّها لم تأخذ أبعادها في نفسه، أو أنّ معناها غير واضح لديه، وأنّ كثيراً من جوانبها غامض عنده.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
المؤمنون إخوة بنصّ كتاب الله عز وجل، وهذه قاعدة إيمانيّة يجب الإقرار بها أولاً، والعمل بمقتضاها ثانياً. فمن أقرّ بها من المسلمين ثمّ لم يكن تعامله مع غيره من المؤمنين منسجماً معها فهو أحد رجلين: إمّا أنّ إيمانه بها غير عميق، وأنّها لم تأخذ أبعادها في نفسه، أو أنّ معناها غير واضح لديه، وأنّ كثيراً من جوانبها غامض عنده.
وعلى كلّ حالٍ فإنّ على هذا المسلم أن يراجع نفسه، وأن يقف طويلاً أمام هذا الخطاب الإلهيّ قاصداً استيعابه وتمثّله في حياته.
وكيف يُقبَل من مسلمٍ، رضي بالله تعالى ربّاً وبالإسلام ديناً وبسيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً أن يغفل عن هذه القاعدة العظيمة التي لا يقوم للمسلمين مجتمعٌ سليم، ولا كيان قويّ، بدونها.
فكيف إذا انضمّ إلى هذه القاعدة قاعدة أخرى أو أكثر، تؤكّد العمل بمقتضى الأخوّة، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة من الآية:71].
فهي إذا أخوّة تستدعي ولاية ونصرة، وتتطلّب معاضدة ومؤازرة، وتعاوناً على الخير مصداقا لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلىَ البِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة من الآية:2]، وهذه أيضاً قاعدة كبرى من قواعد ديننا العظيم.
لكن قد يُزيّن الشيطان لبعض المسلمين النفرة عن إخوانهم والابتعاد عنهم بحجّة المخالفة في الرأي، وهذا مدخل خطير للشيطان، يفرّق به المؤمنين، ويحول دون تعاونهم ودون اجتماع كلمتهم، والحقّ أن اختلاف الرأي لا يجوز أن يفسد الودّ ولا أن ينسف القواعد، ولقد اختلف أصحاب سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يقاطع أحدهم الآخر، ولم ينتج عن الخلاف في الرأي خصومة.
ثمّ كيف تستطيع أن تؤكّد أنّ رأيك هو الصواب وأنّ رأي غيرك من المسلمين خطأ، أليس من الممكن أن يكون العكس هو الصحيح، ثمّ إنّ بعض تغاير الآراء واختلافها بين المسلمين والعاملين في الحقل الإسلاميّ في أيّامنا هو بسبب الاجتهادات السياسيّة في قضايا يصعب أن تجد فيها آية أو حديثاً، بل يصعب أن تجد فيها رأياً فقهيّا واضحاً عند علمائنا الأقدمين رحمهم الله تعالى.
ومعنى هذا أن مجال الرأي فيها واسع، ولكلّ مجتهد نصيب، فهل يسوغ لمسلم أن يبتعد عن غيره من المسلمين، وهل يسوغ لجماعة تعمل في الحقل الإسلاميّ أن تقاطع جماعة أخرى لأنّها تخالفها الرأي في قضيّة اجتهد كلّ طرف فيها مبتغياً مصلحة المسلمين فأدّاه اجتهاده إلى غير ما وصلت إليه الجماعة الأخرى أو المسلم الآخر!
وكيف يقع المسلمون أو الجماعات الإسلاميّة في هذا المطبّ أو في هذه الحفرة، ونحن نعيش في عصر الحوار وتعدّد الآراء، وأخطر ما يمكن أن يحدث هو إخراج المؤمن عن إيمانه ووضعه في دائرة الكفر بسبب اختلاف الرأي، وهذا الأمر الخطير يقع فيه بعض المسلمين ناسين أو جاهلين معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» (رواه الأئمة مالك والبخاري ومسلم).
ولقد قرّر سلفنا رضي الله عنهم، أنّه إذا كان هناك قول بإسلام إنسان ما، وأقوال كثيرة تحكم بكفره بسبب رأي من الآراء، فالأسلم أن نأخذ بالقول الذي لا يحكم بالكفر.
فأين هذا ممّا يفعله بعض من تستبدّ بهم الحماسة، ويستخفهم الانفعال والجهل، فيسرعون في تكفير المسلمين ورجال الفكر والدعوة بحجج هي أوهى وأوهن من بيت العنكبوت، لو كانوا يعلمون، فيفرّقون بين المسلمين، ويزرعون العداوة والبغضاء في وقت نحن أحوج ما نكون فيه اللقاء والتعاون ورصّ الصفوف.
إنّ على الجماعات الإسلاميّة في هذه الأيّام الصعبة أن تلتقي وتتعاون، فهؤلاء أعداؤنا قد اجتمعوا على الباطل بعد أن تداعوا علينا كما تداعى الأكلة إلى القصعة، فكيف نواجه هذا السيل الجارف الأهوج متفرقين مشتتين؟! ولا شكّ أن الحوار الهادئ المنضبط بآداب الإسلام هو سبيل عظيم إلى اللقاء، ومَنْ أولى من الجماعات الإسلاميّة بالحوار المثمر؟! فلقد حاور الرسل الكرام وعلى رأسهم رسولنا صلى الله عليه وسلم الناس أصدقاء وأعداء، ووضّحوا لهم الحقّ، وأجابوا على أسئلتهم، وكان لذلك أثرٌ طيّبٌ في الناس، وفي انتشار دعواتهم والإيمان بهم.
وقد تُلْقي كلّ جماعة اللوم على غيرها، وترى أنّها سبب البعد، وعدم اللقاء، وأنّ الآخر هو الذي يرفض الحوار أو يرفض التعاون، ولكن هل تُنجي هذه الحجّة صاحبها عند الله تعالى يوم القيامة يوم يجمع الناس ليوم لا ريب فيه؟! هل تنجي هذه الحجّة صاحبها في هذه الأيّام التي يأخذنا فيها الأعداء مجموعة بعد أخرى، وكلّ فريق ينظر ويشاهد من غير أن يحرّك ساكناً، أو يفكّر في جمع المسلمين وتوحيدهم أمام الهجمات الشرسة الظالمة على الإسلام؟!
إنّ حال المسلمين اليوم كحال قومٍ يعيشون في بيت أحاط به الأعداء، وراحوا يحفرون حوله ليزرعوا المتفجرات وينسفوه بمن فيه. وأهل البيت مختلفون متدابرون لا يرضى أحدهم أن يكلّم الآخر! وما ذاك إلاّ لأنّ لكلٍّ منهم رأياً في اللون الذي يودّ أن يصبغ به الجدران؛ ونسي كل منهم أن جدران البيت سوف تتطاير بعد قليل، وقد تتطاير أشلاؤهم معها، إن لم ينزعوا عن هذا الموقف السخيف، ولقد بلغ الأمر ببعض المسلمين أن يكون شخصٌ ما، من جماعة أو حزب بعيد عن الإسلام، أقرب إليه من بعض المسلمين، أو كثير من المسلمين.
وبتنا نرى جماعة إسلاميّة تقيم علاقات واتفاقات مع حزبٍ علمانيّ وتأبى أن تقيم علاقة مع المسلمين، فهل هذا وضعٌ يقبله عقل سليم، أو إنسان يفهم دينه الفهم الصحيح القويم؟! إنّه لا يصحّ بحالٍ من الأحوال أن يكون أحد ما من جماعة غير إسلاميّة أو من حزب غير إسلاميّ أقرب إلينا وإلى نفوسنا من إنسانٍ إسلاميّ أو من جماعة إسلاميّة مهما كانت الذرائع والأسباب.
وعلى الجماعة الإسلامية الأكثر وعياً، وأكثر حرصاً على المصلحة العامّة، أن تكون هي الأمّ الحقيقيّة، فتحثّ الخُطا على هذا الدرب، وتدأب في جمع المسلمين وتوحيدهم، ولقد وضع الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى مبادئ اللقاء، وأمر إخوانه أن يتعاونوا مع كلّ من يعمل للإسلام، ولو كان عمله مقتصراً على جانبٍ واحد من جوانبه، ما دام لا ينكر الجوانب الأخرى، ولا يُعادي من يعمل فيها.
ووَجَّه كلمةً إلى المسلمين جميعاً يدعوهم فيها إلى أن يتعاونوا على ما اتفقوا عليه، ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه. ومعنى هذا أنّ نبحث عن القواسم المشتركة، وعن مؤيّدات اللقاء، لا أن نبحث عن أسباب الخلاف والشقاق، ولا ريب أنّه لا بدّ من وجود الاختلاف، وهو يُعَالَج كما مرّ بالحوار، في لقاءات إسلاميّة أخويّة تقرّب وجهات النظر، وتزيد أسباب المودّة والتعاون.
وأخيراً فلنتذكر أننا مسلمون، وأن رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر» (رواه البخاري ومسلم)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً» (رواه البخاري).
والحمد لله ربّ العالمين.