الترغيب في عدد من خصال الخير

عبد الله بن صالح القصير

حدث عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مقدمه المدينة مهاجراً يقول: «أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (متفق عليه).

  • التصنيفات: تربية النفس -

الحمد لله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله ومصطفاه، نبينا محمد صلى الله عليه، وعلى آله, وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فقد حدث عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مقدمه المدينة مهاجراً يقول: «أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (متفق عليه).

فهذا الحديث الصحيح قد تضمن إرشاد المسلمين، إلى تحقيق أربع خصال من خير خصال الإسلام وكل خصال الإسلام خير، لما فيها من المنافع العظيمة في الدنيا والآخرة.

فأول تلك الخصال؛ إفشاء السلام:

أي قراءته، وإلقاؤه على من عرفت، ومن لم تعرف من أهل الإسلام، ذلك لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فينبغي إفشاؤه وإشاعته بين المسلمين، وهو تحية من عند الله مباركة طيبة، وهو من أسباب كمال الإيمان، وإشاعة المحبة بين المؤمنين، ودخول الجنة قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم» (رواه مسلم)، وهو أيضاً دعاء من المسلم لأخيه المسلم بالسلامة من المكاره والشرور وذلك يُنبىء عن حب المسلم لأخيه، وسلامة صدره نحوه،  وإرادته الخير له، والبادىء بالسلام هو أولى الملتقين بالله عز وجل، وفي السلام منافع كثيرة وأجور عظيمة لا يتسع المقام لبسطها، ولقد كان بعض السلف يمر بالسوق من طرفه إلى طرفه، من غير حاجة إلا السلام على الناس.

وأما الخصلة الثانية، عباد الله:

فهي إطعام الطعام، والمراد فضله وما وجب منه لأهله في مناسبة مثل قرى الضيف, وإطعام ابن السبيل، والفقير، والمسكين، وَوليمة العرس، وإكرام الجار وذي الفضل كما كان من هدي النبي  صلى الله عليه وسلم  وأصحابه من غير إسراف ولا تبذير، ولقد أثنى الله تعالى على قوم بكريم الخصال التي جعل جزاءهم عليها الجنة فقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:8-9]، ولئن أغنى الله بفضله، وله الحمد والشكر أهل هذه البلاد عن تحري إتيان الطعام من الآخرين أو انتظار الدعوة إليه فينبغي المحافظة على سنة إطعام الطعام، إحياءاً لسنن الهدى وتقرباً إلى المولى، أما البلدان التي يوجد فيها الجوع والمسغبة، فإطعام الطعام فيها من إغاثة الملهوف، وفك الرقبة، ولا يخفى فضل ذلك وعظم المثوبة عليه لما فيه من الإحسان والمرحمة.

وأما الخصلة الثالثة:

فهي صلة الأرحام وذلك بأداء ما شرعه الله  تعالى لهم من الحقوق من الزيارة، وطلاقة الوجه، وطيب القول، وكف الأذى، وبذل الندى، ونحو ذلك من ألوان الكرم والمواساة عند المصيبة، وإظهار الاغتباط والسرور بما ينالون من خير، وما يتجدد لهم من نعمة، أو يندفع عنهم من نقمة، ولقد أثنى الله  تعالى على الذين: {يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد من الآية:21]، وبشرّهم بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [الرعد من الآية:23]. وصلة الرحم من أسباب المحبة من القرابة، والبركة في العمر والعمل، وكثرة المال وزيادة الدخل، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثرة». 

وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له، في أثره فيصل رحمه» (متفق عليه)، وبالجملة فواصل الرحم موصول من الله  تعالى بكل خير،  في عاجل أمره وآجله، لما ثبت في الصحيح أن الله تعالى قال للرحم: «أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت بلى قال: فذلك لك».

أمة الإسلام: والقاطع للرحم متوعد بأنه لا يدخل الجنة، وأنواع من العقوبة، واللعنة، قال الله  تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23]، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم  قوله: «لا يدخل الجنة قاطع».

وأما الخصلة الرابعة:

فهي الصلاة بالليل والناس نيام، وهي الوتر ما بين صلاة العشاء والفجر، وإذا كانت بعد نوم في جوف الليل كانت أفضل، قال تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79]، وقال الله سبحانه: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16-17].

وهي من أسباب دخول الجنة بسلام، والفوز بما وعد الله تعالى به الصالحين من أنواع النعيم والإكرام، ومن موجبات مغفرة الذنوب، وستر العيوب، وإجابة الدعاء ونيل جليل المطلوب.

فالمشروع أن يصلي المرء من الليل ما كتب الله له، مثنى ويختم بركعة واحدة توتر له صلاته، وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على إحدى عشرة ركعة،  وأقل ما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم فيما أعلم سبع ركعات، وَرُوِي عن الصحابة رضوان الله عليهم دون ذلك إلى ثلاث ركعات، وما ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل حتى توفي، وَوصيته صلى الله عليه وسلم بها وحثه عليها ثابتة في نصوص صحيحة كثيرة.

والمسلم إذا قسم نافلة الليل على أوقاته تيسر له أن يحافظ على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه، فإذا صلى بعد سنة العشاء الراتبة تسليمة أو تسليمتين، ثم توضأ قبيل النوم ليبيت على طهر، وليستجاب دعاؤه ثم صلى تسليمتين ليغفر له ما تقدم من ذنبه وليودي جزءاً من صلاة الليل ثم صلى قبيل الفجر تسليمة وأوتر بعدها سهلت عليه هذه العبادة وفاز بجزيل ثوابها وحظي باتباع النبي صلى الله عليه وسلم على سنته حتى يحبه الله ويغفر له ذنبه ويزيده من فضله. 

فانظر أخي الكريم عظم هذه الوصية النبوية وما تثمره من العواقب الكريمة والأجور العظيمة وقوة الصلة بالله  تعالى والتحلي بالإحسان إلى خلقه فالزمها مخلصاً لربك جل وعلا متأسياً بنبيك المصطفى، وعض عليها النواجذ حتى تلحق بالرفيق الأعلى، ورزقني الله وإياك وكل غالٍ علينا ذلك وجنبنا المهالك.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.