علل غير كافية في إقامة المولد (2)

أبو بكر جابر الجزائري

سماع بعض الشمائل المحمدية الطاهرة والنسب الشريف هذه علة غير كافية في إقامة المولد، لأن معرفة الشمائل المحمدية والنسب الشريف لا يكفي فيها أن تسمع مرة في العام، وماذا يغني سماعها مرة، وهي جزء من العقيدة الإسلامية؟

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات - ملفات المولد النبوي -

علل غير كافية في إقامة المولد (2)

 

إن مما يدل على أن مسألة المولد النبوي الشريف قد اتبع فيها الهوى ولم يتبع فيها الشرع تبرير أهلها لها بالعلل الخمس الآتية وهي:

1- كونها ذكرى سنوية يتذكر فيها المسلمون نبيهم صلى الله عليه وسلم فيزداد حبهم وتعظيمهم له.

2- سماع بعض الشمائل المحمدية، ومعرفة النسب النبوي الشريف.

3- إظهار الفرح بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم لما يدل ذلك على حب الرسول وكمال الإيمان به.

4- إطعام الطعام وهو مأمور به، وفيه أجر كبير لا سيما بنية الشكر لله تعالى.

5- الاجتماع على ذكر الله تعالى من قراءة القرآن والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.

هذه خمس علل تعلل بها بعض مجيزي المولد وهي علل كما سترى غير كافية وباطلة أيضا لما فيها من معنى الاستدراك على الشارع، بتشريع ما لم يشرعه مع الحاجة إليه.

وإليك أيها القارئ بيان بطلان هذه العلل واحدة بعد أخرى.

1- كون المولد ذكرى إلخ.. هذه تصلح أن تكون علة لو كان المسلم لا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم عشرات المرات فتقام له ذكرى سنوية أو شهرية يتذكر فيها نبيه ليزداد بذلك إيمانه به وحبه له، أما والمسلم لا يصلي صلاة من ليل أو نهار إلا ذكر فيها رسوله وصلى عليه فيها وسلم، ولا يدخل وقت صلاة ولا يقام لها إلا ويذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه.

إن الذي تقام له ذكرى خشية النسيان هو من لا يذكر، أما من يذكر ولا ينسى فكيف تقام له ذكرى حتى لا ينسى، أليس هذه من تحصيل ما هو حاصل، وتحصيل الحاصل عبث ينزه عنه العقلاء.

2- سماع بعض الشمائل المحمدية الطاهرة والنسب الشريف هذه علة غير كافية في إقامة المولد، لأن معرفة الشمائل المحمدية والنسب الشريف لا يكفي فيها أن تسمع مرة في العام، وماذا يغني سماعها مرة، وهي جزء من العقيدة الإسلامية؟ إن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يعرف نسب نبيه صلى الله عليه وسلم وصفاته كما يعرف الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا لا بد له من التعليم، ولا يكفي فيه مجرد سماع تلاوة قصة المولد مرة في العام.

3- إعلان الفرح إلخ هذه علة واهية، إذ الفرح إما أن يكون بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بيوم ولد فيه، فإن كان بالرسول صلى الله عليه وسلم فليكن دائما كلما ذكر الرسول ولا يختص بوقت دون وقت، وإن كان باليوم الذي ولد فيه، فإنه أيضا اليوم الذي مات فيه، ولا أحسب عاقلا يقيم احتفال فرح وسرور باليوم الذي مات فيه حبيبه، وموت الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة أصابت المسلمين حتى أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون: من أصابته مصيبة فليذكر مصيبته برسول الله صلى الله عليه وسلم . أضف إلى ذلك أن الفطرة البشرية قاضية أن الإنسان يفرح بالمولود يوم ولادته، ويحزن عليه يوم موته، فسبحان الله، كيف يحاول الإنسان غرورا تغيير الطبيعة!!

4- إطعام الطعام إلخ. هذه العلة أضعف من سابقاتها ؟ إذ إطعام الطعام مندوب إليه مرغب فيه كلما دعت الحاجة إليه فالمسلم يقري الضيف ويطعم الجائع ويتصدق طوال العام، ولم يكن في حاجة إلى يوم خاص من السنة يطعم فيه الطعام، وعليه فهذه ليست بعلة تستلزم إحداث بدعة بحال من الأحوال.

5- الاجتماع على الذكر إلخ هذه العلة فاسدة وباطلة لأن الاجتماع على الذكر بصوت واحد لم يكن معروفا عند السلف فهو في حد ذاته بدعة منكرة. إما المدائح والقصائد بالأصوات المطربة الشجية فهذه بدعة أقبح ولا يفعلها إلا المتهوكون[1]. في دينهم والعياذ بالله تعالى، مع أن المسلمين العالمين يجتمعون كل يوم وليلة طوال العام في الصلوات الخمس في المساجد وفي حلق العلم لطلب العلم والمعرفة، وما هم في حاجة إلى جلسة سنوية الدافع عليها في الغالب الحظوظ النفسية من سماع الطرب والأكل والشرب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهوك: التحير والتهور، والاضطراب في القول، فالمتهوكون: المتحيرون المتهورون المضطربون في الدين

 

كتاب الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف

تأليـف / فضيلـة الشيـخ أبي بكر جابر الجزائري

المصدر: طريق الاسلام