مسيرة باريس ضد "الإرهاب" أم ضد الإسلام؟
إن حياتنا موقوتة، وإننا لم نخلق عبثا، وسوف نحاسب على كل صغيرة وكبيرة، فإن وجدنا خيرا، فلنحمد الله، وإن وجدنا غير ذلك، فلنتهم أنفسنا، ومن وراء كل فساد في مسيرتنا، وعلينا أن نستغفر الله مما ألممنا، ويا حبذا أن تكون محاسبتنا لأنفسنا كل يوم في آخر الليل، ونطلب من الله -تعالى- السداد والتوفيق.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
شيء جميل أن يحتشد زعماء العالم وشعوب العالم أيضاً من أجل محاربة العنصرية والعنف وقتل الأبرياء والتأكيد على مفاهيم العدالة العامة دون تمييز أو إقصاء ولكن ما رأيناه في المسيرة التي دعت لها الحكومة الفرنسية عقب الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" بباريس ومقتل 12 شخصاً لم يكن من هذا القبيل على الإطلاق.
لقد رفعت شعارات مناوئة وساخرة من الإسلام ومن رسول الله الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - داخل المسيرة في تحدٍ سافر لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم وفي تأكيد على أن القضية ليست قضية عدالة وحرية بقدر ما أنها عنصرية بغيضة.
إن الكثير من المسلمين أدانوا الهجوم وبعض الزعماء المسلمين شاركوا في المسيرة فلماذا إذن السخرية من دينهم على هذا النحو المستفز؟! ولو كان اليهود هم المتورطون في هذا الهجوم هل كان سيتم رفع لافتات تسخر من الهولوكوست مثلاً؟! أو تسخر من موسى - عليه السلام -؟!... إن الأزمة التي رسختها المسيرة هي أن هناك ازدواجية في المعايير والنتيجة مفادها أن الدنيا تنقلب عندما يُقتل أفراد من أصحاب الدماء البيضاء النقية! بينما دماء المسلمين في فلسطين والبوسنة وميانمار وأفريقيا الوسطى وتركستان الشرقية رخيصة لأنها دماء مسلمين.
كان استفزازاً شديداً للعرب والمسلمين كافة استقبال رئيس الوزراء الصهيوني ليتقدم المسيرة ويده ملوثة بقتل آلاف الفلسطينيين بعضهم لم تبرد دماؤهم بعد فهل نتنياهو مؤهل لكي يسير في مثل هذه المسيرة مع اعتراف العالم أجمع بأنه يحتل أرضاً بقوة السلاح ويقتل أهلها ويهجرهم ليأتي بأبناء جلدته من كل أنحاء العالم بما فيها فرنسا التي تنطلق نها المسيرة؟!.
هل "الإرهاب" أصبح فقط ضد الغرب والمواطنين البيض دون سواهم؟ ما هي الرسالة التي يريد الغرب أن يبعثوها من خلال هذه المسيرة التي علتها لافتات تسخر من الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ويتقدمها السفاح الدولي نتنياهو؟! هل هي مسيرة لتهدئة الأجواء ومحاربة العنف أم لإشعال المزيد من الكراهية وتغذية العنف؟!.
لقد انطلقت تصريحات إيجابية من قادة غربيين فرقوا فيها بين الإسلام و"الإرهاب" ورحبوا بوجود المسلمين في أوروبا واعتبروهم جزءا أصيلا من هذه القارة ولكن الأفعال تخالف الكلام تماما فالمجلة التي هوجمت من أجل السخرية عادت مرة أخرى لتسخر في تاجيج للفتنة من جديد دون اعتبار أو احترام للقيادات الإسلامية التي عبرت عن إدانتها للحادث وحاولت تهدئة الأجواء...
لقد انسحبت المغرب في موقف مشرف ورائع من المسيرة عندما رأت العبارات المسيئة للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وكان ينبغي أن يكون ذلك رد فعل بقية القيادات الإسلامية والعربية الذين شاركوا في المسيرة وهو ما أدى لاستنكار واسع من قبل عدد من الدعاة والناشطين.. لقد صدق الرئيس التركي عندما قال "إن ازدواجية المعايير للدول الغربية واضحة للجميع، وأضاف:"نحن المسلمين لم نكن إطلاقاً في جانب الإرهاب أو ساهمنا بارتكاب المجازر. إن العنصرية وعبارات الكراهية والإسلاموفوبيا تقف وراء هذه المجازر، نرجو من الدول التي يتم فيها الاعتداء على مساجدنا أن تتخذ حكوماتها التدابير اللازمة. لاحظوا كل هذه الأفعال لا تتم عن عبث، فكلها عبارة عن نتائج وآثار لسيناريو مخطط له"...
وأخيراً هل يا ترى سيتفهم الغرب حقا خطورة ممارساته وازدواجية معاييره وعنصريته وتفرقتة بين الدماء؟ أم أنه ينوي سكب المزيد من البنزين على النار؟!، المهم في الأمر ألا تتركي حياتك تسير هملا بغير هدى ولا بصيرة، فبرمجة الحياة على مشروع حياتك يعلمك النظام في العمل، والدقة في التنفيذ، وتقدير الوقت، ونبذ السلبية من حياتك، وهي من الآفات التي أصابت مجتمعاتنا وخاصة مجتمع طالبات العلم، ولا مانع من مراجعة برنامجك بعد كل مرحلة من حياتك، وقد تضطرين إلى التعديل، أو الزيادة، أو الإضافة.
إن حياتنا موقوتة، وإننا لم نخلق عبثا، وسوف نحاسب على كل صغيرة وكبيرة، فإن وجدنا خيرا، فلنحمد الله، وإن وجدنا غير ذلك، فلنتهم أنفسنا، ومن وراء كل فساد في مسيرتنا، وعلينا أن نستغفر الله مما ألممنا، ويا حبذا أن تكون محاسبتنا لأنفسنا كل يوم في آخر الليل، ونطلب من الله -تعالى- السداد والتوفيق.
خالد مصطفى