مسافرون إلى الخارج

محمد بن عبد الله الهبدان

فقالت بصوت حزين: كنا نعيش في راحة تامة، وسعادة عامة، أنا ومجموعةٌ من إخوتي، وكانوا حريصين على الخير والاستقامة، محافظين على صلاة الجماعة، فحصلت لأحدهم بعثةٌ دراسية لخارج البلاد، ففرحنا بذلك، واستبشرنا بهذا الخبر!.

  • التصنيفات: التصنيف العام -

الخطبة الأولى:

أيّها الإخوة في الله: تلقيت اتصالا هاتفياً من إحدى الأخوات، فإذا بها تريد أن تعرض مشكلةًَ حصلت في بيتها، وقضيةً أقلقت بالها، وأقضت مضجعها، وقلبت حياةَ السعادةِ همّاً، والراحةِ غمّاً، فقلت لها:

ما هي قضيتك؟!، وما هو خبرك؟!.

فقالت بصوت حزين: كنا نعيش في راحة تامة، وسعادة عامة، أنا ومجموعةٌ من إخوتي، وكانوا حريصين على الخير والاستقامة، محافظين على صلاة الجماعة، فحصلت لأحدهم بعثةٌ دراسية لخارج البلاد، ففرحنا بذلك، واستبشرنا بهذا الخبر!.

ذهب أخي هناك ومكث مدةً طويلة لإتمام دراسته، ثم عاد أخي إلينا، نعم عاد إلينا، وأقيمت له حفلةٌ لسلامته وعودته، وحصولِه على الشهادة، ثم مضت الأيامُ، فإذا بها تكشتف حقيقة مروعة، وصورة مفزعة.

قالت: أخي الذي كنت أعرفه قبل سفره للخارج، أصبح ينظر إلينا باحتقار وازدراء، ويرى أننا لا نزال في قمة الرجعية والتخلف، وبدأ يُظهر إعجابَه بالحياة الغربية، وما هم عليه من التقدم والحرية، ثم هو يناقشنا دائماً: لماذا أنتم غاضبون على يهود، إنهم مظلومون، مشردون، يبحثون عن حقهم وأرضهم، التي سلبت منهم؟!.

وفوق ذلك بدأ يتخلف عن الصلاة، بل تركها بالكلية، إلا مجاملة لضيف أو قريب.

حاولت إعطاءه الأشرطةَ النافعةَ فكان يلقيها ويسخر مني، وضعت كتباً في غرفته فإذا بها في سَلْةِ المهملات.

باختصار يا شيخ: أخي تغير من حياة الإسلام إلى حياة الكفر، فماذا أفعل؟ وماذا أصنع؟ فوالدتي لا يرقى لها دمع ولا يهنأ لها عيش، حزنا على ولدها الذي فقدته وهو لا يزال على قيد الحياة؟!.

 

أيها الأخوة في الله: هذه مأساة تتكرر بسبب تهاونِ كثير من الناس في أمر السفر إلى بلاد الكفر، أو بلاد تشابهها:

أنا لست وحدي في طريق متاهتي *** أبناؤكم في الغرب بالعشرات

أبناؤكم في الغرب مصدرُ رزقهِ *** يتصدقون عليه بالنفقات

سلمتموهم للعدو غنيمةً *** فلتغسلوا الأدران بالعبرات

البعض يذهب هناك من أجل السياحة، أو من أجل تعلم اللغة الأجنبية أو الدراسة، مع عدم توفر الشروط الشرعية فيه: فلا ضرورة في السفر هناك، ولا علم عنده يدفع به عن نفسه الشبهات، ولا دين يردعه عن الشهوات.

يخرج الشابُ من بيئته المحافظة، ومجتمعهِ الطاهرِ العفيف، فيرى هناك التقدمَ الصناعيَ، والتفوقَ العلميَ، فيصاب بالانبهار بالحضارة الغربية التي هي كسراب بقيعة، فيعتقد أن ما نحن عليه من ضعف صناعي، وتخلف تقني، هو بسبب ما نتمسك به من دين وعقيدة، وقيم وأخلاق، فإذا به يستحي أن ينتمي إلى هذا الدين، وتزداد قناعتُه بما عليه الغربُ الكافرُ من تفسخ وانحلال، وضياع واضمحلال، وأنه الحقُ الذي لا مرية فيه، والصوابُ الذي لا شك فيه، فيبدأ بالتخلي عن مبادئه وقناعاته السابقة، يتخلى عن مبادئ الإسلام العظام، ومبانيه العظام، فيصبح كما أصبح هذا الشابُ المسكينُ، الذي نسأل الله - تعالى -أن يردَه إلى الحق رداً جميلاً وسائر المسلمين يا رب العالمين.

ومن أجل هذا حرص الغربُ الكافرُ على قضية البعثات العلمية، والدعايات السياحية، والتي من خلالها، يتم غسلُ أدمغةِ كثير من أبناء المسلمين، وقلب المفاهيم لديهم، وتغير الحقائق في أذهانهم، إلى مفاهيم منكوسةٍ، ومعاييرَ مقلوبة، فيخرج جيلٌ لا يعرف من الإسلام إلا اسمهُ، ولا من القرآن إلا رسمهُ، فيعمل هؤلاء في بلدهم ما عجز الأعداء عن تنفيذه وعمله.

أيها الأخوة في الله: وإذا انتقلنا من القرن الخامس عشر لنقف على القرن الأول الهجري، قرنِ الجيلِ الفريد، أصحابِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، لنرى صورةً مشابهةً لهذه الصورة، ونعلمَ أن الفتنةَ لا تؤمن على الحي ولو كان أتقى الناس، فـ"القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء" (1) كما قال - عليه الصلاة والسلام -.

فعندما اشتد آذى كفارِ قريش للفئة المؤمنة في مكة، وضاقت بهم الأرض، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وذكر - عليه الصلاة والسلام - أن فيها ملكاً لا يظلم، فانتقل إليها كوكبةٌ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعبدوا الله - تعالى -دون أن يمسَهم أذى أو يصيبَهم مكروه، وكان من ضمن هؤلاء الذين هاجروا عبيدُ الله بنُ جحش الأسدي مع زوجِته أمِ حبيبة بنتِ أبي سفيان - رضي الله عنها -، فلما وصل هناك ورأى أهلَ الحبشةِ وما هم عليه من دين، وكانوا على دين النصرانية، تأثر بهم، فكان يفكّر دائماً، وبعد فترة من الزمن قرر الدخولَ في النصرانية، وبالفعل أخبر زوجتَه أمَ حبيبة أنه ترك الإسلامَ ودخلَ النصرانيةَ! نسأل الله - تعالى -حسن الخاتمة.

تأمل معي أخي الكريم هذه الحادثةَ العجيبةَ، رجل أسلم قديماً، فكان من أوائلِ من أسلم، وهاجر من أجل الدين، ترك أرضَه وأهلَه ومالَه من أجل الدين، وهو من القرن الأول، وممن شاهد التنزيلَ، ورأى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أيده به الله - تعالى -من معجزات، وهجرتُه كانت لضرورة ولم تكن من أجل السياحة والنزهة، أو قضاءِ الوقت للتعرف على معالم تلك البلاد! ومع ذلك؛ حدث له هذا الحادثُ العظيم، الذي خسر به الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران العظيم.

فماذا نقول إذن لمن هم أقلُ من هذا بكثير؟!. ماذا نقول لمن ينتقلون إلى تلك الديارِ البائسةِ من أجل السياحة ويصطحبون معهم فلذاتِ الأكباد، ومهجَ النفوس؟! حتى بلغ عددُ الذين يسافرون لتلك الديار البائسة أكثرَ من أربعةِ ملايين سائح.

وقد أكدت الدراساتُ أن أربعةً وعشرين بالمائة من الأسر السعودية تتجه نحو السياحةِ الداخلية، بينما يتجه سبعةٌ وأربعون بالمائة إلى دول غربية، والنسبة الأخرى متجهةًَ إلى الدول العربية!.

وبلغت نسبةُ المصروفاتِ الخارجيةِ حوالي خمسةٍ وأربعين مليار ريال سعودي(2).

فلا حول ولا قوة إلا بالله.

فإلى الذين يردّدون صباح مساء: لا إله إلا الله، وهم يعلمون أنهم يعلنون بهذا، ولاءهم الكاملَ لله ورسوله، ويسلمون له قيادَهم.

إلى المؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، وعلى ربهم يتوكلون.

إلى هؤلاء نسوق حكمَ اللهِ ورسولهِ - صلى الله عليه وسلم - في هذا المنكر، الذي أصبح اليومَ معروفا، يقول الله - تعالى -: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً [سورة النساء، الآيات: 97-99].

قال ابن ُكثير - رحمه الله -: "هذه الآيةُ الكريمةُ عامةٌ في كلِ من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادرٌ على الهجرة، وليس متمكناً من إقامةِ الدين، فهو ظالمٌ لنفسه، مرتكبٌ حراماً بالإجماع، وبنصِ هذه الآية" (3).

ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "من جامعَ المشركَ وسكنَ معَه فإنه مثلُه" (4). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تستضيئوا بنار المشركين" (5). وفي حديث بهز بن حكيم: "أن تفر من شاهق إلى شاهق بدينك".

قال ابنُ كثير: "معناه لا تقاربوهم في المنازل، بحيث تكونوا معهم في بلادهم، بل تباعدوهم، وتهاجروا من بلادهم"، ولهذا روى أبو داود فقال: "لا تراءى ناراهما" (6). وفي قصةِ إسلامِ جرير، لما قال: يا رسول الله! بايعني واشترط، فقال: "أن تعبدَ الله ولا تشركَ به شيئاً، وتقيمَ الصلاة، وتؤتَي الزكاة، وتناصحَ المسلمين، وتفارقَ المشركين" (7)

وقد أدرك علماءُ السلفِ - رضي الله عنهم - من هذه النصوصِ وغيرِها، تحريمَ السفرِ لبلادِ الكفار لغير عذر شرعي، فعن عبدِالله بنِ عمرو - رضي الله عنهما - أنه قال: "من بنى بأرض المشركين، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة" (8).

وقال الحسنُ بنُ صالح - رحمه الله -: "من أقام في أرض العدو وإن انتحل الإسلامَ وهو يقدر على التحويل إلى المسلمين فأحكامهُ أحكامُ المشركين" (9).

وقال الشيخُ عبدُاللطيفِ بنُ حسنِ آل الشيخ - رحمه الله -: "إن الإقامةَ ببلد يعلو فيها الشركُ والكفرُ، ويظهر فيها دينُ الإفرنج والروافض، ونحوهِم من المعطلة للربوبية والألوهية، وترفع فيها شعائُرهم، ويهدم الإسلامُ والتوحيدُ، ويعطل التسبيحُ والتكبيرُ والتحميدُ، وتقلع قواعدُ الملةِ والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، فالإقامة بين ظهرانيهم - والحالة هذه - لا تصدر عن قلب باشره حقيقةُ الإسلامِ والإيمانِ والدينِ، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين، بل لا يصدر عن قلب رضي الله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، فإن الرضا بهذه الأصولِ الثلاثةِ، قطبُ رحى الدين، وعليه تدور حقائُق العلمِ واليقينِ، وذلك يتضمن من محبة الله وإيثار مرضاتِه، والغيرةِ لدينه والانحيازِ إلى أوليائه، ما يوجب البراءَة كلَ البراءِة، والتباعدَ كلَ التباعدِ، عمن تلك نحلتُه وذلك دينُه، بل نفسُ الإيمانِ المطلقِ في الكتاب والسنة، لا يجامعُ هذه المنكرات" (10).

ويقول العلامةُ ابنُ باز - رحمه الله تعالى -: "السفر إلى البلاد التي فيها الكفرُ والضلالُ والحريةُ وانتشارُ الفسادِ من الزنى وشرب الخمر وأنواع الكفر والضلال فيه خطر عظيم على الرجل والمرأة، وكم من صالح سافر ورجع فاسداً، وكم من مسلم رجع كافراً، فخطرُ السفرِ عظيم والواجب الحذر من السفر لبلادهم، لا في شهر العسل ولا في غيره" (11).

ويقول الشيخُ صالحُ الفوازان - حفظه الله - تعالى -: "لا يجوز السفرُ إلى بلاد الكفار من أجل النزهة لما في ذلك من الخطر على العقيدة والأخلاق، ولا يجوز للمرأةِ أن تطيعَ زوجَها في السفر في هذه الحالة لأنه معصية، ولا طاعَة لمخلوقٍ في معصيةِ الخلق" (12).

بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

أيها الأخوة في الله: ومع هذه الأدلة ِالواضحةِ، والبراهينِ الساطعةِ، وأقوالِ السلفِ والخلفِ النيرةِ، نرى بعضَ الأسرِ ينتظرون بفارغ الصبر لتبدأ رحلات سياحية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بدعوى الترفيه.

وإنني إذ أدعو كلَ أبٍ إلى الترفيه المباح الحلال له ولأولاده، أقول: يجب أن يكون هذا الترفيهُ متفقاً مع قيمنا، متكاملاً مع عقيدتنا، يبني ولا يهدم، يقدم ولا يؤخر، فيزداد الأولادُ بالتأمل في خلق الله من جبال وأنهار، وسهول وبحار، وزهور وأشجار إيماناً وتسليماً، كما يزدادون معرفةًَ ببلاد الله الواسعةِ وعبادهِ المنتشرين فوقَ أرض الله.

ولكن أن تصبح السياحةُ في بلاد تخلع فيها الكرامة وينسلخ بها الحياء، ثم نبذل فيها الأموال الطائلة، فقل لي بربك:

ماذا ستجني الأمةُ من جراء ذلك؟!.

وكم من المكاسب سيتحصل عليها الأعداءُ من ذهابنا إلى ديارهم؟! من ضعف في الديانة، وتدهور في الأخلاق والكرامة وذلك.

والله، إنّ هذا لهو الخسران العظيم.

وإننا لا نعجبُ والله من القنواتِ الفضائية، والإذاعةِ الغربية في التسويق للسياحية الخارجية، لأنهم نصبوا أنفسَهم لحرب الدين والقضاء على أهله، ولكنّ العجبَ كلَ العجبِ من صحفنا ومجلاتنا وأماكن الدعايات في شوارعنا، التي أصبحت مرتعا لما نُحَّذر منه، فحين نُقلبَّها لا نجدها ممتلئة بشروح مفصلة لما يتعرض له المسلمون في شرق الأرض وغربها من حروب فتاكة، ودماء مهدرة، وأراض منهوبة، وحقوق مضيعة، كلا، كلا، فهذه قضايا جانبية، وأحداث هامشية.

وقد بلغ بهم التضليلُ لأبناء هذا الوطن المعطاء أن تُفَرغ أعمدةٌ كاملةٌ للإعلانات، عن ماذا يا ترى؟!.

هل لحملة تبرعات لإخواننا المتضررين في مشارق الأرض ومغاربها؟!.

كلا، بل أقل من ذلك!.

هل هي إعلاناتٌ من أجل السياحيةِ الداخليةِ في هذا البلد الذي تتوفر فيه مقومات السياحة؟!.

أيضاً: كلا، إنها الإعلاناتُ السياحة، والتخفيضاتُ الخيالية عن أسعار التذاكر، والإقامة في بلدان تغلب عليها الرذيلةُ!.

إنها دعوة لأهل هذه البلاد رجالاً ونساءاً، صغاراً وكباراً إلى السفر للخارج، وبذل الأموالِ الطائلةِ لإضاعةِ قيمِ الإنسان ومبادئهِ، وأخلاقهِ وعفافهِ، وطهرهِ ونقائه!.

ويا ترى ماذا يفعل بعضُ شبابِنا هناك، هناك في ديار العهر والفساد، هناك في بلاد الكفر والإلحاد:

في أرض أوروبا قتلت كرامتي *** وأضعت في حاناتها ثرواتي

وعلى مسارحها نثرت دراهمي *** وأجدت فيها أحسنَ الرقصات

باريس تعرفني ولندنُ لم تزل *** ترنو إلى جيبي وحسنِ هباتي

وعيون مانيلا تراقب مقدمي *** ولكم غرستُ بأرضها شهواتي

كم حانة ذوبت فيها همتي *** وعقدتُ فيها خيرَ مؤتمراتي

وشربت فيها الكأس حتى خِلتني *** أدمي فؤادَ الكأسِ بالرشفات

أيها الأخوة في الله: إذا كنا نشكو من وفرةِ المالِ فإن هناك إخوانا لنا من المسلمين يتضورون جوعا وتهلكهم المصائبُ ولا يجدون من يغيثهم؟!

وإذا كنا نشكو من الفراغ فلنتذكر حديثَ نبينِا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - حين قال: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ (13).

وإذا كنا عازمين على السفر للخارج، فلماذا لا يتم التنسيقُ مع المؤسسات الخيرية، والجمعيات الإسلاميةِ لتكون الرحلاتُ دعويةً، بدلاً من أن تكون سياحيةً، فتطعم المساكين، وتفرج كربةَ المكروبين، وتعلم الجاهلين، وتتحسّس أخبار المضطهدين، وتعلم ماذا يفعل النصارى الحاقدون بإخوانك المسلمين.

وإذا كنا نشكو من قلةِ الفرصِ المتاحةِ لنا ولأبنائنا، فإن سبلَ الخير متوفرةٌ وموجودةٌ، ولا عذرَ لأحد في تجاهلها من سياحة داخلية في بلادنا العامرة، وعمرةٍ لبيت الله الحرام، وزيارةٍ للأقارب والأرحام، ومراكزَ صيفيةٍ بناءة، وحَِلق تحفيظِ القرآن للرجال والنساء، وغيرِها من فرص الخير.

ولنعلم جميعاً أننا أمةٌ إن تعاونت على البر والتقوى، فلن يكون بها مكان لسماسرة الترفيهِ المشبوه ولا لألبسة التحرر الموبوءة.

وسنجني بإذن الله - تعالى - أطيبَ الثمارِ عندما نحافظ على فلذاتِ أكبادِنا، ونحرص على تربيتهم التربيةَ الجادة.

وهذا وصلوا وسلموا - رحمكم الله - على النبي العظيم، والمرشد الكريم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [سورة الأحزاب، الآية: 56].

 

ــــــــــــــــــ

المراجع:

(1) رواه الترمذي (2140) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

(2) انظر: جريدة المحايد عدد (5) 7/3/1422ه ص 9.

(3) تفسير ابن كثير ص 353 ط دار السلام.

(4) رواه أبو داود (2405) من حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -.

(5) رواه النسائي ورقمه (5209) من حديث أنس - رضي الله عنه -.

(6) رواه أبو داود ورقمه (2645) والترمذي ورقمه (1604) وقال الألباني في الإرواء (1207) (5/29): سنده صحيح.

(7) رواه النسائي ورقمه (4177).

(8) قال شيخ الإسلام في الاقتضاء ص 200 إسناده جيد.

(9) أحكام القرآن للجصاص (3/216).

(10) انظر: فتاوى الأئمة النجدية (2/447-448).

(11) انظر: فتاوى علماء البلد الحرام.

(12) انظر: فتاوى المنتقى لفضيلة الشيخ صالح الفوزان.

(13) رواه الترمذي ورقمه (2417) وقال: هذا حديث حسن صحيح.