مصاحبة الأحمق وبال
أبو الهيثم محمد درويش
من البلاء مصاحبة الحمقى، لما قد يصيب المرء من سوء فعالهم، وما قد تلصق به من آفات وتهم أقلها شك الناس فيه وتهمته بالحمق مثل صاحبه -فالصاحب ساحب-، وكل قرين بالمقارن يقتدي..
- التصنيفات: تزكية النفس -
من البلاء مصاحبة الحمقى، لما قد يصيب المرء من سوء فعالهم، وما قد تلصق به من آفات وتهم أقلها شك الناس فيه وتهمته بالحمق مثل صاحبه -فالصاحب ساحب-، وكل قرين بالمقارن يقتدي..
يقول الإمام السفريني رحمه الله في شرح منظومة الآداب: "ثم نهى الناظم عن صحبة الأحمق فقال:
مطلب: في النهي عن مصاحبة الحمقى وذوي الجهل، ولا تصحب الحمقى فذو الجهل إن يرم صلاحًا لأمرٍ يا أخا الحزم يفسد -ولا تصحب أي لا تعاشر-، يقال صحبه كسمعه صحابة ويكسر، وصحبه عاشره واستصحبه دعاه إلى الصحبة ولازمه، فنهاك الناظم أن تصحب (الحمقى) قال في القاموس: حمق ككرم وغنم حمقًا بالضم وبضمتين، وحماقة وانحمق واستحمق فهو أحمق قليل العقل، وقوم ونسوة حماق وحمق بضمتين، وكسكرى وسكارى ويضم.
وفي المطالع في قوله أرأيت إن عجز واستحمق -أي فعل فعل الحمقى-، والأحموقة الفعلة الواحدة من فعل الحمق، وفي القاموس: فَعل فِعل الحمقى كاستحمق.
وقال في لغة الإقناع: الحمق ارتكاب الخطأ على بصيرة يظنه صوابًا، وقيل وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه. وقيل استحسان ما تستقبحه العقلاء" (انتهى).
ثم بين الناظم رحمه الله علة ترك مصاحبته بقوله: "فذو" أي: صاحب (الجهل) ضد العلم، "إن يرم" أي: يطلب وهو مجزوم على أنه فعل الشرط الذي هو إن وفاعله ضمير يعود على ذي الجهل الذي هو الأحمق، صلاحا لأمر من الأمور التي أفسدها هو أو غيره أو فسدت بنفسها، "يا أخا": يا صاحب، "الحزم": وهو ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة كالحزامة والحزومة، يقال حزم ككرم فهو حازم وحزيم وجمعه حزمة وحزماء، "يفسد" مجزوم على أنه جواب الشرط وحرك بالكسر للقافية.
وأشار بهذا إلى ما رواه الدينوري في المجالسة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "لا تواخ (ص:480) الفاجر فإنه يزين لك فعله ويحب لو أنك مثله، ومدخله عليك ومخرجك من عنده شين وعار، ولا الأحمق فإنه يجهد نفسه لك ولا ينفعك، وربما أراد أن ينفعك فضرك، فسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه عشرة، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك، وإن تحدث بالصدق لا يصدق، وقيل مكتوب في التوراة من اصطنع معروفًا إلى أحمق فهي خطيئة مكتوبة عليه".
وقال بعضهم: "صارم الأحمق فليس له خير من الهجران".
وقال سفيان الثوري: "هجران الأحمق قربة إلى الله تعالى".
وقال ابن عبد القدوس في قافيته: "ولأن يعادي عاقلاً خير له من أن يكون له صديق أحمق".
وقال بعضهم: "اتق الأحمق لا تصحبه إنما الأحمق كالثوب الخلق، فهو إن رقعته من جانب عاد من هون سريعًا فانخرق، فلا يسوغ لك أيها العاقل الرشيد صحبة مثل هذا الأحمق البليد، فإنه يسوؤك بحمقه وتأنبه، ولا تعرف رضاه من غضبه".
وقد ألف الإمام الحافظ ابن الجوزي كتابًا حافلاً في الحمقى والمغفلين، وكتابًا في الأذكياء، وهما من ألطف الكتب وأغزرهما فوائد.