وسائل التجميل الحديثة

عبد الله بن صالح الفوزان

وإني لأعجب ويعجب غيري مما يقال عما تفعله أعداد من النساء بأجسامهن، من شتى الأصباغ والألوان، ومختلف الأشكال والرسوم، في رؤوسهن وعيونهن وحواجبهن، وخدودهن وشفاههن مما يجعلهن يبدون في صورة بشعة منفرة مستهجنة!! مما يقطع العاقل مع هذا الصنيع، بغياب العقل الذي فُضِّلَ به الإنسان وميزه الله به على سائر الحيوان، وأهم من ذلك غياب القيم الأساسية التي جاء بها الإسلام.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

يباح للمرأة أن تتزين لزوجها بما ظهر في هذا العصر من وسائل التجميل، من الأصباغ والمساحيق، هذا هو الأصل لعموم الأدلة الدالة على أن المرأة تتزين لزوجها بما ليس فيه محذور شرعي، كالحناء والخضاب ونحوهما.

لكنه من الملاحظ أن هذه الوسائل تعددت أنواعها، وكثرت أشكالها، إلى حد جعل المرأة المسلمة ألعوبة بأيدي مصممي الأزياء وأدوات التجميل، أضف إلى هذا ما يحويه أكثرها من مواد ضارة بالجسم أو بالأعضاء كما سيأتي إن شاء الله -، وصَاحَبَ ذلك كله داعية خبيثة لهذه الوسائل من جهة، وإرشاد لكيفية التجميل من جهة أخرى، لأجل أن تحوز المرأة إعجاب الآخرين، وكأنها صارت سلعة تُعْرَضُ أمام الناس في اصطناع جمال مُزَوَّرٍ، بل تشويه يزيد الدميمة دمامة، والعجوز شيخوخة !!

وإني لأعجب ويعجب غيري مما يقال عما تفعله أعداد من النساء بأجسامهن، من شتى الأصباغ والألوان، ومختلف الأشكال والرسوم، في رؤوسهن وعيونهن وحواجبهن، وخدودهن وشفاههن مما يجعلهن يبدون في صورة بشعة منفرة مستهجنة!! مما يقطع العاقل مع هذا الصنيع، بغياب العقل الذي فُضِّلَ به الإنسان وميزه الله به على سائر الحيوان، وأهم من ذلك غياب القيم الأساسية التي جاء بها الإسلام.

ولا أكون مبالغاً إذا قلت: إن هذا السيل الجارف من هذه الوسائل مسخ لفطرة المرأة وذوقها، وتعطيل لتصورها وتفكيرها، إنها جناية على المرأة المسلمة متى زادت عن حدها المعقول، وإشاعة للفساد والانحلال النفسي والخلقي، يقف وراء ذلك كله مفسدو الأخلاق ومدمرو العالم، من الصليبية الحاقدة واليهودية الماكرة.

ومن المؤسف حقاً أن تظل المرأة المسلمة تلاحق الموضة، وتراقب تغير أدوات التجميل. مهما كلف ذلك من مال، ومهما أضاع من وقت، ومهما دل على عقلية فاسدة واتجاه منحرف، في سبيل إشباع رغبة جامحة. وجمال مصطنع، وما على المرأة إلا أن تطيع كارهةً، وتنساق وراء هذه الموضات، وإلا فهي متأخرة رجعية!! لا تساير ما يستجد على ساحة الأزياء، وفي بيوت التجميل!

وأنا أدعو المرأة المسلمة إلى تأمل الأمور التالية في موضوع أدوات التجميل.

الأمر الأول: نصوص الشرع تدل على أن هذه الأصباغ والمساحيق لا يجوز استعمالها إلا بالشروط الآتية:

الأول: ألا تكون بقصد التشبه بالكافرات، إذ لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتشبه بالكافرة فيما يختص بها من أمور الزينة.

الثاني: ألا يكون هناك ضرر من استعمالها على الجسم، لأنَّ جسم الإنسان ليس ملكاً له. وهو منهي عن فعل ما يضربه.

الثالث: ألا يكون فيها تغيير الخلقة الأصلية كالرموش الصناعية أو الحواجب ونحوهما. ومن ذلك العدسات اللاصقة الملونة، فإنه لا ريب في تحريمها، لما فيها من تغيير خلق الله - تعالى -، حيث تكون العين بلون الثوب، ولأن فيها إسرافاً ببذل المال فيما لا نفع فيه، كما أن فيها إضراراً بالعين، وتشبهاً ببعض الحيوانات ذوات العين البراقة، كالقطط ونحوها.

الرابع: ألا يكون فيها تشويه لجمال الخلقة الأصلية المعهودة.

الخامس: ألا تصل على حد المبالغة، لأنَّ الإكثار فيها يضر بالبشرة. أو يدخل في دائرة الإسراف المذموم.

السادس: ألا تكون مانعةً من وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء أو الغسل، وهذا الشرط مفقود في المناكير (أصباغ الأظفار).

الأمر الثاني: إن هذه الوسائل كما هي لعبٌ بعقل المرأة المسلمة، فهي ابتزاز لمال المسلمين. حيث تظل المرأة تلاحق الموضة، وتنفق الأموال الطائلة دون أن تشعر مع طول المدى، ومن مكر القوم أنهم يقولون: عن الأصباغ التي لا تؤثر على بشرة المرأة هي ذات القيمة العالية!!

إن القائمين على بيوت الأزياء ومصانع أدوات التجميل أرادوا أن يكسبوا كسبين في آنٍ واحد: الكسب المادي الفاحش..

والكسب الآخر إفساد المسلمين بإفساد المرأة، وإخراجها إلى الطريق فتنة هائجة مائجة، تفتن الرجل وتفتن نفسها معه، غيَّرت شعرها، عبثت بحواجبها، أطالت أظافرها، نبذت تعاليم الإسلام وراء ظهرها!!

الأمر الثالث: إنَّ هذه الأصباغ والمساحيق لها تأثير بعيد المدى على بشرة المرأة، ولا سيما الوجه بما في ذلك العينان والحاجبان.

جاء في مجلة (الوعي الإسلامي) مقال للدكتور: وجيه زين العابدين.يتعلق بهذا الموضوع يقول فيه: (فزينة الشعر أن تضع الفتاة عليه مادةً لزجة، ليقف يسمونها سبراي، وهذا قد يسبب تكسر الشعر وسقوط، أو قد يسبب أذى في قرنية العين إذا أصابها مباشرة، أو بصورة غير مباشرة كحساسية. وربما استمر علاج هذه الإصابة بضعة أشهر، وقد يسبب صبغ الشعر حساسية للمريض لمادة البروكاتين، كما أن المصابات بحساسية البنسلين أو مادة السلفا يتأثرن جداً من أصباغ الشعر، فيصبن بتورم حول قاعدة الشعر، وربما سقط الشعر كله.

وأشد هذه المواد خطراً ما يستعمل لتمويج الشعر بالطريقة الباردة، حيث تستعمل مواد تذيب طبقة الكيراتين، فتسبب لها تكسراً عند تحويل الشعر المجعد إلى مسرح.

أما المساحيق والدهون التي توضع في الوجه، فإنها تعرضهُ للإصابة بالبثور والالتهابات في الجلد، فيضعف ويصاب بالتجعد الشيخوخي قبل الأوان، وقد يترك التجعد خطاً بارزاً تحت العين، ولما تبلغ الفتاة بعد العشرين عاماً وكم من مرة سببت الرموش الصناعية التهاباً بالجفن، أو جاءت الحساسية للجفن من الصبغ الذي يوضع فوقه.

وقد يعرِّض الأحمر الشفاه أو تيبس جلدها الرقيق وتشققه، لأنه يزيل الطبقة الحافظة للشفة.

ويسبب أحياناً صبغ الأظافر تشققاً وتكسراً في الأظافر، ويعرضها للالتهابات المتكررة، والتشوه أو المرض المزمن.

إن الإنسان بطبيعته لابد أن يجد له الحماية من المؤثرات الخارجية التي تصيبه، بحكم حياته في هذه الأرض، والجلد هو خط الدفاع الأول، فبقدر ما تكون عنايتنا بالجلد نستفيد من قواه الدفاعية، ومن المؤسف أن المدنية الحديثة تتعرض لهذه القوى الدفاعية بالأذى، عن طريق الإسراف في استعمال أدوات التجميل ومواده"[1].

ويقول الدكتور وهبة أحمد حسن (كلية طب جامعة الإسكندرية): "إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة، ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من مكياج الجلد، لها تأثيرها أيضاً، فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة، مثل الرصاص والزئبق، تذاب في مركبات دهنية مثل زيت الكاكاو، كما أن كل المواد الملونة تدخل فيها بعض المشتقات البترولية. وكلها أكسيدات مختلفة تضر بالجلد، وإن امتصاص المسام الجلدية لهذه المواد يحدث التهابات وحساسية، أما لو استمر استخدام هذه الماكياجات، فإن له تأثيراً ضاراً على الأنسجة المكونة للدم والكبد والكلى، فهذه المواد الداخلة في تركيب الماكياجات لها خاصية الترسب المتكامل فلا يتخلص منها الجسم بسرعة.

إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كُنا نلاحظ أن الحواجب الأصلية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه" [2].

هذه كلمة الطب الحديث عن أضرار وآثار الإسراف في استعمال أدوات الزينة من المكياج والروج[3]

والكحل السائل والسبراي1 ونحوها مما يستعمل في الوجه أو تمويج الشعر بجميع أشكالها وأنواعها، مما يصعب حصره، مما يبين أنَّ المرأة المسلمة مخدوعة أشد الخداع إزاء هذا التيار الجارف من هذه الوسائل التي تهدف إلى إفساد المرأة بتدمير خلقه وشخصيتها، وإفساد الفطرة البشرية، فهل تتأمل المرأة المسلمة في واقعها، وتعرف ما تأخذ وما تذر من وسائل التجميل وتكون على بصيرة من أمرها؟

الأمر الرابع: جاء في كتاب (الدخيل في اللغة العربية الحديثة ولهجاتها) ما يلي:

ماكياج: التجميل، خصوصاً تجميل وجوه الممثلين والممثلات في المسرح والسينما قبل القيام بأدوارهم، وهي كلمة فرنسية الأصل (MAQUILLAGE) (ماكيلاج) فصارت (مكياج) مع قليل من التحريف.

مانكير: معالجة أظافر السيدات بالتسوية والصبغ. ويطلق أيضاً على من يتولى هذه العملية. وهي كلمة فرنسية (MANUCURE) 2

هاتان الكلمتان مما دخل في اللغة العربية في عصرنا الحاضر من لغات الأجنبية وما أكثرها، حتى استقر بعض هذه الألفاظ الدخيلة في لغة الكتابة وبعضها في لغة التخاطب فقط، وإنما أوردت هاتين الكلمتين في هذا الموضوع لتعلم المرأة المسلمة أن الأولى مربوطة بالممثلين والممثلات، والثانية بإطالة الأظافر وتسويتها وصبغها، فهل ترضى مسلمة أن يكون أهل المجون والخلاعة من كفار أوربا قدوة لها؟

الأمر الخامس: إن القيام بعملية التجميل بهذه الأصباغ والمساحيق إضاعة للوقت، إضاعة للحياة، فإن الوقت هو الحياة، والمرأة المسلمة يشملها قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ("لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه فيما فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه")، وفي حديث آخر: ((وعن شبابه فيما أبلاه)) 3.

ولا ريب أن المرأة التي تمضي ساعة للعناية بالبشرة، وساعة للأهداب المستعارة والحواجب الصناعية، والعدسات الملونة اللاصقة، حسب نوع الثوب وكذا من الوقت للأظفار، ووقتاً للعناية بالكفين والقدمين، ووقتاً لتسريحة الشعر وتمويجه!! هذه المرأة أضاعت حياتها وقتلت وقتها، وصيرت نفسها دمية أنيقة! لا روح فيها، فهي مسخرة للآخرين، وملهاة للأطفال والمتفرجين من النساء اللاتي من الله عليهن بالعقل، والحمد لله على العافية.

تظن هذه المرأة أن تبرجها شيء عادي لا يمس عقلها، ولا يؤثر على دينها وخلقها، وهذا تصور خاطئ، فإن كل عمل يقوم به الإنسان لابد أن يكون له آثار على فكره عقله ولو بعد حين.

فهل نطمع من امرأة مسلمة، شرفها الله - تعالى -بدين حفظ لها كرامتها وأنوثتها، وحمى عفتها وجمالها، من عبث العابثين، وكيد الكائدين، هل نطمع منها أن تثوب إلى رشدها، وتراجع عقلها، وتعمل بشرع ربها وأحكام دينها. وألا تكون معول هدم تعين القوى الكبرى التي تعمل على ابتزاز أحوال المسملين. وهدم المجتمعات وتفويض بنيان الأسرة؟

لا شك أن المرأة بفعلها هذا تؤيد الذين يقفون وراء بيوت الأزياء وأدوات التجميل بإسرافها ومتابعتها، فهي تحثهم على اختراع زي جديد كل يوم، وموضة جديدة! ولو كان على حساب الدين، والعفة والفضيلة، وهذا إفساد للفطرة، وعبث بالخلق، يقضي على حياة الأسرة، ويزلزل ميزانية البيت ويشغل المرأة بالتافه من الأمور عما خلقت له، وكلفت به!

 

----------------------------------------

[1] مجلة الوعي الإسلامي الكويتية عدد 140، ص93 وما بعدها.

[2] المرأة المسلمة في وجه التحديات ص69

[3] والروج (أحمر الشفاه).

1والسبراي (مادة غازية "بخاخة"تنشر على الشعر إما لصبغه أو تجعيده أو تكسيره).

2 الدخيل في اللغة العربية الحديثة ولهجتها ص 132، 133.

3أخرجه الترمذي (7/101) عن أبي برزة الأسلمي. وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه الدرامي (1/110) تخريج: عبد الله هاشم يماني، والخطيب في

(اقتضاء العلم العمل) ص 16، تحقيق الألباني. والثاني أخرجه الترمذي (7/99) بتمامه. وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي – صلى الله عليه وسلم -

إلا من حديث الحسين بن قيس وحسين يضعف في الحديث من قبل حفظه. وفي الباب عن أبي برزة وأبي سعيد، وعلى هذا فحديث أبي برزة المذكور يقوي حديث ابن مسعود هذا ويدل على أن الحسين بن قيس قد حفظه (انظر الصحيحة للألباني رقم 946) ومما يقويه ـ أيضاً ـ حديث معاذ بن جبل عند الطبراني والبراز بإسناد صحيح (انظر:الإقضاء ص17) والله أعلم.