الضوابط الشرعية للعمليات التجميلية

فإن الله - عز وجل - خلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلقه على صورته، وفي هذا تكريم للإنسان وتشريف، قال الله - تعالى -: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا.

  • التصنيفات: التصنيف العام -

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلَه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون(1).

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا(2).

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما(4).

أما بعد:

فإن الله - عز وجل - خلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلقه على صورته، وفي هذا تكريم للإنسان وتشريف، قال الله - تعالى -: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا(1).

ولقد استجدت في حياة الناس اليوم مسائل عديدة، وأمور كثيرة منها: الوسائل والطرق الحديثة لتجميل بدن الإنسان، لاسيما وأن البلاء قد عم باستخدامها، والنفوس ولا شك مفطورة على طلب الحسن وحب الجمال، والشريعة الإسلامية راعت هذا الجانب الذي فُطر عليه الإنسان، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي أنه قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، فقال: (إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس)(2).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "قوله إن الله جميل يحب الجمال، يدخل في عمومه وبطريق الفحوى الجميل من كل شيء"(3).

لذا أنكر الله - عز وجل - على المشركين تحريم أنواع من الزينة بغير علم، يقول الله - سبحانه وتعالى -: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق(4).

فالتجمل مشروع في الإسلام، لكن هناك حدوداً وقيوداً وضوابط للتجمل في الإسلام، نستعرض في هذا البحث جملة منها في المباحث التالية:

التمهيد: وفيه مطلبان:

المطلب الأول: تعريف العمليات التجميلية.

المطلب الثاني: الأصل الشرعي للتجمل والعناية بالمظهر.

المبحث الأول: الضوابط الشرعية للتجمل والتزين.

المبحث الثاني: الضوابط الشرعية للجراحة التجميلية.

الخاتمة: واشتملت على أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها من خلال البحث.

ولا أزعم فيما أحرر وأقرر أن ما وصلت إليه في بحثي هو حكم الله الحق قطعاً وجزماً، إنما شأني كشأن غيري ممن استفرغ وسعه، وبذل غاية جهده في البحث الصادق المخلص عمَّا قد يكون هو الحق، فإن أصبت فذلك فضل من الله وحده وتوفيقٌ أحمده عليه أصدق الحمد، وأشكره أجزل الشكر، وإن أخطأت كان عذري أنني قصدت إلى الحق ابتغاء وجه الله - تعالى -، وإسهاماً في التمكين لشريعته، ولم آلُ في ذلك جهداً، ثم أسأل من يطالعه أن يبادر في تنبيهي عن الخطأ، فالكل معرضٌ للخطأ، وجلَّ من لا يخطئ، وإنما الأعمال بالنيات، وعلى الله قصد السبيل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

تمهيد

المطلب الأول: تعريف العمليات التجميلية:

عرفت العمليات التجميلية بأنها: جراحة تجرى لتحسين منظر جزء من أجزاء الجسم الظاهرة، أو وظيفته إذا ما طرأ عليه نقص، أو تلف، أو تشويه(1).

وهذا التعريف يشمل العمليات التجميلية التي تجرى بغرض التحسين، والعمليات التي تجرى بغرض الترميم للجسم، وهذا هو المقصود عند إطلاق العمليات التجميلية، فهو مصطلح شائع يراد به العمليات الجراحية التحسينية، والعمليات الجراحية الترميمية.

وعرفت بأنها: جراحة ترمي إلى تصحيح التشوهات الخلقية، أو الناجمة عن الحوادث المختلفة(2).

والذي يظهر أن التعريف الأول أقرب إلى المراد بالعمليات التجميلية، لأنه يشمل المعنيين: (الترميمي والتحسيني).

المطلب الثاني: الأصل الشرعي للتجمل والعناية بالمظهر:

لقد خلق الله - عز وجل - الإنسان في أحسن صورة، قال الله - تعالى -: وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات(3).

يقول ابن العربي - رحمه الله -: "إن الله - سبحانه - خلق الصور فأحسنها في ترتيب الهيئة الأصلية، ثم فاوت في الجمال بينها، فجعلها مراتب"(1)، ودلت الشريعة الإسلامية على الرغبة في التجمل، فقال: (إن الله جميل يحب الجمال)(2)، قال الله - عز وجل -: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق(3)، قال ابن العربي - رحمه الله - فيه ثلاثة أقوال:

الأول: ستر العورة، إذ كانت العرب تطوف عراة، إذ كانت لا تجد من يعيرها من الحمس(4).

الثاني: جمال الدنيا في ثيابها وحسن النظر في ملابسها ولذاتها.

الثالث: جمع الثياب عند السعة في الحال(5).

يقول القرافي - رحمه الله - في الفروق: (وأما التجمل فقد يكون واجباً في ولاة الأمور وغيرهم إذا توقف عليه تنفيذ الواجب، فإن الهيئة الرثة لا تحصل معها مصالح العامة من ولاة الأمور، وقد يكون مندوباً إليها في الصلوات، والجماعات، وفي الحروب لرهبة العدو، والمرأة لزوجها، وفي العلماء لتعظيم العلم في نفوس الناس، وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أحب أن أنظر إلى قارئ القرآن أبيض الثياب)، وقد يكون حراماً إذا كان وسيلة لمحرم كمن يتزين للنساء الأجنبيات ليزني بهن، وقد يكون مباحاً إذا عري عن هذه الأسباب)(1).

ولذا شُرع للمسلم أن يتجمل ليوم الجمعة، ففي الحديث قال رسول الله: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته، كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها)(2).

فدل الحديث على مشروعية التجمل، ولبس أحسن الثياب والتطيب، وفي هذا دلالة على حث الشارع على التجمل والتزين وأن ذلك من دين الله - عز وجل -.

بل ربما يستعان بهذا التجمل على طاعة الله فيكون ذلك من القربات إلى الله - سبحانه -، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (من حرم الطيبات التي أحلها الله من الطعام واللباس والنكاح وغير ذلك، واعتقد أن ترك ذلك مطلقاً هو أفضل من فعله لمن يستعين به على طاعة اللّه، كان معتدياً معاقباً على تحريمه ما أحل اللّه ورسوله، وعلى تعبده لله - تعالى -بالرهبانية، ورغبته عن سنة رسول اللّه، وعلى ما فرط فيه من الواجبات، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب)(3).

الخاتمة

الحمد لله وحده الذي يسر كتابة هذا البحث اليسير في هذه المسألة المهمة المعاصرة، وإني ألخص أهم نتائج البحث فيما يلي:

أولاً: الضوابط المتعلقة بالتجميل والتزيين على وجه العموم هي:

1- أن لا يكون في التجمل والتزين تشبه منهي عنه.

2- أن لا يكون في التجمل والتزين تغيير خلقة الله.

3- أن لا يؤدي التجمل والتزين إلى كشف ما أمر الله بستره.

4- أن لا يكون في التجمل والتزين تدليس أو غش.

5- أن لا يؤدي التجمل والتزين إلى الخيلاء والكبر.

ثانياً: الضوابط المتعلقة بالتجميل عن طريق العمليات الجراحية منها

1- أن تكون العملية لإعادة الجسم إلى الخلقة المعهودة بإيجاد عضو مفقود، أو لإعادة شكله أو وظيفته، أو إصلاح عيب في هذا الجزء من الجسد.

2- أن يغلب على الظن نجاح العملية الجراحية.

3- أن لا يترتب على العملية الجراحية ضرر كإتلاف عضو أو ضعفه.

4- أن يأذن المريض في إجراء العملية.

وختاماً أسأل الله - جل جلاله - أن يجعل في هذا البحث الفائدة والنفع، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


عبد الرحمن بن عبد اللّه السند