صِناعَةُ المُراهِقِ

المراهقة نَقْلَةٌ حياتية يمرُّ بها الشاب أو الشابة في مرحلة ما بعد البلوغ، وهي تُشْعره بنوعٍ من الاستعظام الذاتي، فيُحاكي أو تحاكي من هو أكبر سناً.

  • التصنيفات: قضايا الشباب -

(المراهقة) نَقْلَةٌ حياتية يمرُّ بها الشاب أو الشابة في مرحلة ما بعد البلوغ، وهي تُشْعره بنوعٍ من الاستعظام الذاتي، فيُحاكي (أو تحاكي) من هو أكبر سناً.

وهذا مُلاحَظٌ فإن أغلبَ المُراهقِيْن يتصرَّفُ تصرفاتِ الكبار، فيصنع كصنيعهم، ويسير مسيرتهم، بغَضِّ النظر عن صحة ذا أو خطئه، فالمهم عنده أنه قلَّد كبيراً، و صنع صنعة من يراه أهلاً للتقليد.

وهذه يستعظمها بعضُ المُرَبين، و يرون أنها آفةٌ من الآفات الخطيرة التي لا علاج لها، ولا سبيل إلى إقصائها وحلها.

لذا كان خطئاً العنايةُ بالتنظير التعليمي للمراهق في علاج تلك الأحوال، ومجانبة تلك التصرفات.

وحتى نجعل من المُراهق شخصاً ذا دورٍ إيجابي فإن لنا مرحلتين جديرتين بالاهتمام الشديـد:

الأولى : المرحلة العاطفية:

غالباً ما تكون مرحلةُ المراهقة مرحلةً يفقد فيها المراهق (العاطفية) و(الحِنيَّة) و(الوداد)، فيسعى لتحقيق تلك الرغبة في أي مجال يتمكن منه.

ولا ريب أن إشباعها يعني الكثير للمراهق، و مِن ثَمَّ يتودد إلى مَن يُشْبِعُ له تلك الرغبة و يحققها له.

لا تكادُ أسماعنا تقف عن سماع أقاصيص من البعضِ في ميول المراهقين إلى ثُلَّةٍ من الناس لا يساوون قذاةً، ولا يَزِنُ بهم شيئاً، ولو بحثنا بِدِقَّةٍ في الأمر لوجدنا أنه حصَّل عندهم ما فقده من الأخيار.

كون المراهق محتاجاً إلى تلك العاطفية عائد إلى صِغَر عُمُرِه، فليس كونه بلغَ (15) وزاد أنه أصبح رجلاً فيُحْرَم من التعامل معه بالعاطفية، وليس كونه تجاوزَ سنةً دراسية كان معه الأخذ له بأسلوب كبير يفوق عقله.

وإشباعُ الحاجة العاطفية لدى المراهق تكون بأمور كثيرة، منها:

1- عُذُوْبَةُ اللفظ، فإن غالباً ما يُواجَه المراهق بألفاظ فيها قسوة وغِلْظةٌ مما يجعله نافراً عن قبولِ أيِّ شئٍ من المقابل له، واللفظ الحسَنُ العذب يَسْلِبُ اللُّبَّ و يَسْحَرُ العقْل، ومعلومٌ حديث رسول الله - صلى الله عليه و سلم-: "إن من البيان لسحراً" وبيانُه يُغْني عن تبيانه.

وتتأكدُ هذه الحالة في حينِ وجودِ أخطاءٍ من المراهق، فإنه يصادمُ بسيئ اللفظ إن أخطأ، ويقابل بفاحش القيل إن بَدَرَتْ منه زلَّةٌ و صبوة.

2- معاملته بتفكيره _ مؤقتاً _ ، يدورُ تفكيرُ أغلب _ بل كل _ المراهقين حول أمورٍ لا يخرجُ مجملُها عن نطاق ضيِّقٍ جداً ، فهي بينَ أمانٍ و طموحاتٍ و آمالٍ من ذوات الظل القريب.

والمَسِيْرُ معه في تفكيره، ومحاكاته في طموحه، والتفاعل مع أطروحاته مما يُشْبِع حاجته العاطفية، فهو يُحِبُ مَنْ يفكر كتفكيره، و يميل إليه و كما قيل: الطيور على أشباهها تقعُ.

ولِيُنْتَبَهُ إلى أن التفاعل معه في هذه النقطة مُمَهِّدٌ للمرحلةِ الثانية الجادة، ولكن لابد من خطواتٍ قبل الانتقال إليها، بها يُحْكَمُ سَيْرُ المرحلة الثانية، و يُعْطي المُربي اطمئناناً بِثِقَةِ المراهق بجدوى المرحلة الثانية، و الخطوات هي:

أولاً: التبصُّر بمواضع الضَعْفِ في المُراهق، فَحِيازةُ هذه الخطوة والنجاحُ فيها مكْسَبٌ كبيرٌ جداً للمربي، إذ موضع الضعف في المراهق هو مَكْمَنُ الخَطَر ومَوْطِنُ الزَلل. تقولُ كيف ذلك؟ فأقولُ: الغالبُ على المراهقين أنه يَشْعُرُ بِخَرْقٍ في شخصيته فتراه مُحَاكِيَاً من هو أرفعُ منه _ في ظنه _ فلا يَعْتَرِفُ أنه ذو شخصية متفرِّدَةٍ متميِّزَةٍ، وهذه من أجزاءِ نُقْطَةِ الضعف التي تكون في المراهق.

فإذا تبصَّرْناها وعرفناها بِدقةٍ يكون الانتقال إلى الخطوة الثانية وهي:

ثانياً: معرفةُ ميول المراهق، فإن سِنَّ المُراهَقة سنُّ أحلامٍ وأمالٍ عريضةٍ، ومرحلةٌ واسعةُ الخيال لدى المراهق، فتراه يُؤَمِّلُ آمالاً، ويتمنى أماني، ويَسِيْحُ في خيالاتٍ واسعة الأرجاء.

ومعرفتها مُهمةٌ جداً فمنها يكون التوجيه ومنها تكون التربية، وبِعدمها لن يكون أي نِتاجٍ متين في سلوك التربية مع المراهق.

وإذا تَفَهَّمَ المربي هذه الخطوة وأتقنَها فإنه ينتقلُ إلى الخطوة التالية.

ثالثاً: التوجيه اللبِق _ واللباقة الحذق في العمل _، وهذه بيتُ القصيد في حياة المراهق فإنه لم يجد من يقوم بتوجيهه نحو الأصوب له في حياته، ولم يَظْفَرْ بِمَنْ يُسَدِّدُ له تصرُّفَاتِه.

والمراهِقُ يتصرَّفُ بما يراه من أعمالٍ وتصرفاتٍ حولَه من الناس الذين يراهم قُدُوَاتٍ له يُأتَسى بهم، وحين لا يرى من يوجه ميوله نحو السداد، ويهديه نحو الكمال فإنه سيبقى سادراً في مسيره، هائماً في طريقه.

وهنا لا يحتاجُ المربي إلى كبير عملٍ لأن المراهق نفسه قد أبدى من نفسه قناعاتٍ كثيرةٍ جداً _ كما هو سابقٌ في تبيان الخطوات _، و ما عليه بعدُ إلا أن يبين للمراهق بأن الطريق الصواب هو من هذه الجهة، وبلزوم تلك الطريق.

فإذا ظَفِرَ بها المربي وأحسن سَلْبَ لُبِّ المُراهقِ _ هنا _ يكون البَدْءُ بالمرحلَة الثانية التي تَعْقِبُ المرْحَلَةَ العاطفية، وهي:

الثانية: المرحلة التربوية:

وهذه المرحلةُ هي الأساس وهي المقصد والغاية من معاملة المراهق والعنايةِ به، وتربيةُ المراهق لن تكون صعبةً _ ولله الحمد _ لأننا أنجزنا أكثر من نصف الطريق في المرحلة الأولى.

وكل ما على المربي هو أن يقومَ بتربيةِ المراهقِ تربيةً ذاتِ سداد وإصابةٍ، ويُنَوِّعُ في أساليب التربية حتى لا يَلْحَق المراهق ملل، ولا يعتري التربية خلل.

يستطيعُ المربي التنقلَ بالمراهق في مجالاتٍ كثيرةٍ جداً، ومجموعُ تلك المجالات ثلاث مجالات:

الأول : المجالُ المَعْرِفي:

المَعْرفةُ مما مايَزَ الله به بين الإنسان والحيوان، بل هو أداةُ العقل وغذاؤه، ولا يخلو منه الإنسان مهما كان.

والمعرفة يتفاوتُ البشر في تحصيلها، ويتفاوتون في قيمتها، وقيمةُ المرء ما يُحْسِنه.

وأهميتها بالنسبة للمراهق تتركز في جهتين اثنتين:

الأولى: أنها توجيه وتبصير.

الثانية: أنها تثبيت وتأييد.

وسواهما داخلٌ فيهما.

والمعرفة تتنوعُ وإليك أنواعها:

1- المعرفة الدينية، وهي التي يكون بها معرفةُ المراهق أمورَ دينه وأحكامه، وقسمان:

الأول: الواجب العيني ، و هو أنواعٌ أربعةٌ:

أ- أصول الإيمان ، و القدرُ الواجبُ منها العلم الجُمْلي لا التفصيلي.

ب- الأحكامُ الفقهية ، و هي أركان الإسلام ، و الواجبُ معرفةُ ما تقوم به تلك العبادات صحةً و إجزاءً.

ت- معرفة المحرمات ، و هُنَّ خمس _ كبائر _ في قول الله _ تعالى _ : قل إنما حرَّمَ ربي الفواحش ما ظهرَ منها و ما بطن و الإثمَ و البغي بغير الحق و أن تُشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون .

ث- الأخلاقُ و الأدابُ مع الناس خاصةً و عامةً.

انظر: مفتاح دار السعادة 481:1-482.

فإذا مرَّ المراهقُ على هذه المسائل معرفةَ إتقان و درايةٍ بها يكون قد أتى بما لا يجوز له لجهلُ به في دين الله _ تعالى _.

القسم الثاني: الواجب الكفائي ، وهو الإتيان بالعلم بما لا يجب على الإنسان أن يتعلمه و إنما هو من باب الكفائية و الندب.

و هو منقبةٌ و فضيلة.

2- المعرفة الثقافية العامة، كالاشتغال بسائر العلوم التثقيفية كالتاريخ ، و الأدب ، و الإدارة و غيرها من الثقافات.

الثاني: المجالُ الإيماني:

الإيمانُ أساسُ الحياة ، و بستان القلب ، و لا يستغني عنه المرء أبداً و لو تمتع بكل ما أوتيه من مُتَعٍ و لذائذ .

و التربية الإيمانية مهمةٌ في حياة المراهق ، و أهميتها في أمرين :

الأول: أنها أساسٌ في حياته عامةً ، و في حياة المراهقة خاصة.

الثاني: توثيقاً للصلة بينه و بين الله _ تعالى _ ، و نتائج هذه كثيرةٌ و مهمة للمراهق.

و المجالات التربوية الإيمانية ثلاثةٌ:

أولها: الصلاة ، و المراد بها غير الفريضة كـ : الرواتب ، و قيام الليل ، و الوتر ، و النافلة المطلقة ، و النافلة المقيدة.

ثانيها: الذكر ، و هو ذكر الله _ تعالى _ و يُقْصَدُ به غير الواجب، والواجب ما تقوم به الصلاة، والمقصود _هنا _ : أذكارُ طرفي النهار ، و أدبار الصلاة ، و الذكر المطلق.

ثالثها: قراءةُ القرآن في: إقبال النهار و إدباره ، و دُبُرِ الصلوات ، و الوِرْدُ اليومي . و لا يُرادُ بقراءته الواجبة التي لا تتم الصلاةُ إلا بها كالفاتحة.

هذه هي مجالات التربية الإيمانية للمراهق ، و هي الداعم المعنوي للسير به نحو التميُّز و التفوق.

الثالث: المجالُ الخُلُقي:

المرءُ مدنيٌ بطبعه ، لا يستغني عن معاشَرة بني جنسه ، و لا يستطيعُ الفكاك عنهم مطلقاً ، و هذه الغريزة النفسية التي وهبها الله المرء تحتاجُ إلى من يَصقلها و يهذبها ، ويصوِّبُ سيرها نحو الكمال والتمام.

و من كمال الشريعة أن جاءت بما يُكمل هذه الناحية ، و يهذب هذا المجال ، فجاءت بأخلاقٍ كثيرةٍ جداً و آدابٍ بها قِوامُ السلوك الاجتماعي على أحسن وجوهه.

و المراهقُ جزءٌ من المجتمع المسلم _ و غيره _ فلابدَّ من تربيته أخلاقياً حتى يستقيم سيرُه بين الناس على أحسن الأوجه ، و أتم الصُوَر.

الشريعة جاءت بأخلاقِ المعاشرة الاجتماعية و نوعتها أنواعاً متعددة يَصْعُبُ حَصْرُها في هذه العُجالة ، والإشارة إلى أصول الأخلاقِ حَسَنٌ جميلٌ.

و أركان الخُلُقِ الحَسَن:

1- العلم ، و مضى تقريرُ ما يحتاجه المراهق.

2- الجود ، و هو مراتب أعلاها: بذل النفس ، و بذل العلم ، و بذل الجاه ، و بذل المال.

3- الصبر ، و هو أربعةُ أنواعٍ:

أ- صبرٌ على الطاعة.

ب- صبرٌ عن المعصية.

ت- صبرٌ عن فضول الدنيا.

ث- صبرٌ على المِحَن و المصائب.

و أضدادها أركانٌ للأخلاق المذمومة المرذولة.

فهذه مجالاتُ المرحلةُ الثانية في التعامل مع المراهق ، و السير معه في إقحامه دربَ النجاة ، و تبقى لفتةٌ ذاتُ بالٍ يجبُ الوقوف عندها ، و هي: أن تمام تينك المرحلتين صُنْعاً و إحكاماً يكون بالمربي ذاته ، فمتى ما كان المربي على أوفقِ حالٍ و أجملها كان النتاجُ طيباً مبارَكاً ، و المربي ينبغي أن يكون متصفاً بأصول ثلاثةٍ:

الأول: العلم ، فإذا كان المربي خالي الوِفاض من العلم و المعرفة كيف يكون متأهلاً للتربية لغيره ، بل عليه أن يكون متأهلاً بعلومٍ و معارف كثيرةٍ.

الثاني: إجادةُ أسلوب التربية ، و أعني بها السياسة التربوية لإيصالِ الغاية و المعرفة للمراهق ، و أصلها التدرُّجُ بالمراهق من البدايات إلى النهايات.

الثالث: أن يكون أهلاً للاقتداءِ به و الإئتساء به ، و التواضع البارد في هذه المجالات غير مقبول و هو نوع من الخذلان و الهروب عن المسؤولية.

نعم ؛ لا نريد رجالاً يعتزون بأنفسهم و يجعلون منها شيئاً له بريقٌ و لمعان مع الخلو من الحقيقة ، كما أننا لا نريد رجالاً لا يرون أنفسَهم شيئاً و هي هي بالمقام التربوي و المعرفي.

إن تأهل المربي لأن يكون محلاً للاقتداء مهم في وظيفةِ ( صناعة المراهق ) لأن المراهق يريد أحداً ينظرُ هو إليه على أنه مستحقٌ للاقتداء به و جعله نبراساً و مثالاً للحذو على منواله ، و أقربُ مَنْ له هذه الصفة و الحالة هو المربي الملاصق له في أغلب ساعات يومه.

و لأهمية هذه اعتنى أهل التربية و السلوك بها فسطروها في تصانيفهم التربوية و السلوكية ذاكرينَ لآدابهم و أخلاقهم ، و ما ذلك إلا لكونهم أسوةً لغيرهم من المُرَبَّيْن وغيرهم.

و أصلُ كلٍّ في المربي أن يكونَ مراقباً الله _ تعالى _ في جميع أحواله و شؤونه فإنه _ تعالى _ رقيب على كل ظاهر و باطن ، و كل جلي و خفي.

و المُربي أصلٌ و المراهقُ فرعٌ و لا يطيبُ الفرع مع فساد الأصل.

و من أجل أن تتحقق الرغائبُ ، و تُنالَ الكمالات في ( صناعة المراهق ) الاهتمام بأمرين مهمين في كل عمل و هما:

الأول: العزيمة في العمل و السير فيه.

الثاني: الجدية في إتقانه.

ومنهما و فيهما أمران:

أحدهما: حُسْنُ الإدارة و ذلك بـ : التخطيط، و صياغة الأهداف.

ثانيهما: التفاؤل و عدمُ اليأس، و الفشلُ أولُ خُطى النجاح.

هذه معالمُ مُشرقةُ واضحةٌ في ( صناعة المراهق ) جادَ بها على عِوَزٍ الفكرُ المكدود ، سدد الله الخُطى ، و أقالَ الخطا ، و بارك في الجهد ، و أفاد السَّعْد.


عبد الله بن سليمان العبد الله