مقارنة بين الجسد والروح
سعد الدين فاضل
الله سبحانه وتعالى جعل لنا حرية الاختيار في الوقت الذي توعد الشيطان فيه بإغواء الإنسان، وأن يورده مورد الهلاك، ضل كثير من الناس عن سر وجودهم وعن الهدف من وجودهم، فتركوا الأمانة التي تحملوها، حتى إنهم أعرضوا عن خالقهم وانشغلوا بالدنيا التي طالما حذر الله منها، وأنها زائلة لا محالة..
- التصنيفات: فقه العبادات -
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعله مختلفًا عن سائر المخلوقات، وجعل لخلقه هدفًا واضحًا قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وليس معنى هذا أن نمكث في المسجد ليل نهار حتى الموت، لكننا أيضًا مستخلفون في الأرض قال الله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة من الآية:30]، فاستخلفنا الله في الأرض وجعلها دار ابتلاء بعدما حمل الإنسان الأمانة قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72].
ولكن لأن الله سبحانه وتعالى جعل لنا حرية الاختيار في الوقت الذي توعد الشيطان فيه بإغواء الإنسان، وأن يورده مورد الهلاك، ضل كثير من الناس عن سر وجودهم وعن الهدف من وجودهم، فتركوا الأمانة التي تحملوها، حتى إنهم أعرضوا عن خالقهم وانشغلوا بالدنيا التي طالما حذر الله منها، وأنها زائلة لا محالة..
فكثير من الناس يسعى في الأرض ليكسب وليتزوج وليربي أولاده، ثم هو في النهاية يسلم لهم الميراث ليكتشف بعد ذلك الحقيقة التي لم يشغل نفسه بها، والهدف الذي من أجله خلق ساعتها سيقول: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّيَ أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99-100]، والسؤال ما سبب ضلال الإنسان وإعراضه عن الله؟
الإجابة ببساطة أنه لا يعرف نفسه، وفقد سر وجوده والهدف من وجوده، فكان الضلال والغواية واتباع الشيطان، والانغماس في شهوات الدنيا، وإليك أخي القارئ مقارنة بسيطة بين الجسد والروح، محاولين التعرف على أنفسنا، وكيف أننا بحاجة ماسة إلى الدين والتدين لصلاح الدنيا والآخرة..
مقارنة بين الجسد والروح.
نوع المقارنة: الجسد - الروح
1- الأصل: من التراب، من الله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء من الآية:85].
2- الطبيعة: مرئي وملموس، غير مرئي.
3- الغذاء: من التراب (الطعام بكل أنواعه أصله من التراب)، من الله (الصلاة والقرآن والعبادات).
4- مكان تجمع الغذاء: المعدة (ملموس)، القلب (غير ملموس).
5- أهم الأشياء للغذاء: الطعام والشراب، الصلاة والقرآن.
6- مداخل الغذاء: الفم، السمع والبصر.
7- العدو: النفس، الشيطان.
8- المصير: مرتبط بصلاح الروح {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89].
شرح مبسط لهذه المقارنة
هذه المقارنة البسيطة توضح أن الإنسان مكون من شيئين، الأول معلوم، والثانى غيبى لا يعرف حقيقته إلا الله..
ولكل منهما غذاء، ولأننا لا نعرف ماهية الروح وكيفية غذائها والارتقاء بها، كان البعد عن الله وفقد الاتصال به..
فالجسد معلوم وغذاؤه معلوم، ودواؤه معلوم، ولدينا أبحاث وعلوم لا حصر لها تهتم بالجسد وغذائه وعلاجه، والرقي به وراحته، وتناسينا الروح! فما الجسد إلا مركبة للروح، واجب علينا أن نهتم به من أجل أن تقوم الروح بواجبها في عبادة الله وطاعته والاتصال به، أما ما حدث فإننا ارتقينا بالجسد حتى لا يبقى للروح أثر..
وأذكر هنا آيتين من كتاب الله عز وجل، الأولى قوله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]، لاحظ معي أن أهل جهنم -أعاذنا الله منها- لهم قلوب وأعين وآذان، لكنها معطلة عن العمل وهي كما لاحظت معي في المقارنة أنها مداخل الغذاء للروح، فحينما تعطلت هذه المداخل صار جسد الإنسان أشبه بالأنعام بل أضل والعياذ بالله..
الآية الثانية، قال الله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89].
لاحظ معي هنا لفظ (قلب سليم) وهو مكان تلقي الغذاء الروحي من (صلاة، وقرآن، وذكر) لله وغير ذلك، فإذا صح هذا الغذاء صح القلب وكان سليمًا، وإذا كان الغذاء غير تام وغير كامل، كان المرض والعياذ بالله كما قال الله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة من الآية:10]. وأجد توافقًا بين هذه الآية وحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: « » (السلسلة الصحيحة:1385)، وذلك لأن الصلاة أهم غذاء للروح، ومنها صلاح القلب وسلامته..
وبعد أن تعرفنا على طبيعة الإنسان وماهيته، كيف لنا أن نوازن بين غذاء الجسد وغذاء الروح؟!
والإجابة باختصار في: الإيمان بالله وإقامة الصلاة وتدبر القرآن، وينتج عن ذلك كله الفلاح والنجاح، وحسن الخلق وسأوضح ذلك لاحقًا بإذن الله تعالى.