العقوبة بحاصب النار
إبراهيم بن محمد الحقيل
دخان بركان صغير شل أوربا، وقطع المسافرين إليها ومنها، وكبدها خسائر فادحة فأين من غرتهم قوة الحضارة المعاصرة، فتعدوا على جلال الله - تعالى -زاعمين أن القوى العظمى تقف في وجه أي كارثة كونية؟ نعوذ بالله - تعالى -من عبودية غيره، ومن الجرأة عليه، ومن الاستهانة بعذابه.
- التصنيفات: التصنيف العام -
الخطبة الأولى:
الحمد لله القوي القهار، العزيز الجبار؛ لا يقف شيء أمام قدرته، ولا ترد قوة قدره، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، نحمده على ما خلق وهدى، ونشكره على ما أعطى وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يري عباده من آياته ما يذكرهم به، ويخوفهم عذابه (وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ اجتباه ربه واصطفاه، ومن الخير أعطاه، فأرسله للناس (شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب: 45-46]، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس أوصي ونفسي وإياكم بتقوى الله - عز وجل -؛ فإنه لا نجاة من عقوبات الدنيا وعذاب الآخرة إلا برحمة الله - تعالى - لعباده، وعفوه عنهم، وإحسانه إليهم، وتوفيقه لهم إلى ما يرضيه، ومجانبة ما يسخطه، وكل ذلك تجمعه التقوى، فكانت هي نجاة العباد أفراداً وجماعات في الدنيا والآخرة (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزُّمر: 61].
أيها الناس: لله - تعالى - مع عباده عادات لا تتغير، وسنن لا تتبدل، قد مضت هذه السنن في المتقدمين، وقصها الله - تعالى - في كتابه للمعتبرين: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ) [آل عمران: 137]، وحين ناكفت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذبت دعوته، وعذبت أتباعه؛ حذرهم الله - تعالى -سننه في السابقين: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلًا) [فاطر: 43].
إن القرآن مليء بالتحذير من مسالك أهل العصيان، وبيان عاقبتهم، وتفصيل ما أصابهم من عقوبات الدنيا، وعذاب الآخرة أشد وأبقى، ويكفي العباد تذكيراً يؤدي إلى الخوف والهلع حين يقرأ آيات الله - تعالى -في المعذبين: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) [الأعراف: 4]، (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) [الأنبياء: 11]، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ) [محمد: 13]، (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا) [الطَّلاق: 8].
أمنوا كما نأمن، واستبعدوا العذاب كما يستعبده كثير منا، وكان فيهم من ينشرون المنكرات في الناس، ويجاهرون بعصيانهم، ويحاربون الناصحين منهم، ويزادون عتواً ونفوراً حتى أهلكوا، وكل ذلك واقع في مجتمعات المسلمين اليوم، ونجأر لله - تعالى - أن لا يهلكنا كما أهلك السابقين.
كان من أولئك المعذبين قوم لوط - عليهم السلام -، حكى الله - تعالى - قصتهم في تسع سور من القرآن، ذكر الله - تعالى -فيها شركهم ومنكرهم الذي أحدثوه في البشر: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ العَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [الأعراف: 80-81]، فوصفهم الله - تعالى -بالإسراف؛ لأنهم أسرفوا على أنفسهم بالشرك، وأسرفوا عليها بالفواحش، وأسرفوا بإعلانها وإظهارها على الملأ (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ) [العنكبوت: 29]، وأجرموا في حق البشرية حين سنوا فيهم اكتفاء الرجال بالرجال، والعزوف عن النساء (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) [الشعراء: 165-166]، فوصفهم ربنا جل جلاله بأنهم عادون؛ لأنهم تعدوا المشروع لهم إلى غير المشروع، وتركوا الحسن وركبوا القبيح، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، ووصفهم بالإجرام جاء في قول الله - تعالى -: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ) [الأعراف: 84]، ولما سارت الملائكة إليهم بأمر الله - تعالى -، ومروا بخليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام - فأكرمهم، سألهم عن وجهتهم: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الغَابِرِينَ) [الحجر: 58-60].
لقد توعدهم الله - تعالى - بعذاب يصبه فوق رؤوسهم، وينزله عليهم من سمائهم (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [العنكبوت: 34]، فنالهم من العذاب أشده، وأصابهم من العقوبة أفظعها وأنكاها؛ جزاء لهم على كفرهم بالله - تعالى -، وتكذيبهم رسله، وتمردهم على شريعته، وانتكاس فطرتهم، وتلويث البشرية بأقبح الفواحش والمنكرات التي سنوها فيهم.
انقلبوا على الفطرة السوية فقلب الله - تعالى -ديارهم عليهم، وجعل عاليها سافلها، وطهر الأرض من رجسهم وأوبئتهم بحجارة من نار صبت عليهم فأحرقتهم.. فيا لخسارتهم، ويا لشدة ما حاق بهم من العذاب، حكاه القرآن بأبلغ عبارة، وصوره بأوضح صورة.. تنخلع قلوب من قرأ قصتهم في القرآن فتدبرها، يخشى أن يصاب بمثل مصابهم..
صبحوا بعذابهم، والناس يتفاءلون بصبحهم، وقوم لوط كان صبحهم شؤماً عليهم، والصبح أجمل وقت عند الناس؛ لأنه منتهى نومهم، وتجديد نشاطهم، وبدء أعمالهم، فانقلب أجمل أوقاتهم إلى أقبحها، وتحول أحسنها إلى أسوئها (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) [هود: 81-82] أي: حجارة من نار متتابعة لم تتوقف حتى شوت أجسادهم ونساءهم وأطفالهم، وطمرت بطميها ورمادها وحممها ديارهم، فلم يبق فيها حي ولا عمران.
هلكوا في الصبح عن بكرة أبيهم بوعد من الله - تعالى -للوط - عليه السلام -: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [الحجر: 66]، فأشرقت شمسهم بصفرتها وجمالها يزامنها صيحة العذاب متبوعة بانقلاب الديار، والإمطار بالحجارة والنار (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)[الحجر: 73-75]. أي: آيات للمعتبرين.. للمتعظين.. للمتذكرين؛ ليجانبوا أسباب العذاب، فلا يصيبهم ما أصاب السابقين (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ) [القمر: 38-39].
ولا ينتفع بذكر قصتهم إلا المؤمنون الذين قادهم إيمانهم إلى قراءة القرآن وتدبره والعمل بما فيه.. حين يقرأ مشاهد العذاب الذي أصابهم، ويُنقل إليه أهل التاريخ والآثار خبر قراهم التي ما عمرت بعدهم، فغدت أخبارهم وآثارهم آية للناس على مرِّ الزمان (وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [العنكبوت: 35].
وكان أهل مكة يمرون بقرى قوم لوط في أسفارهم للشام فذكرهم الله - تعالى -بما رأوا من آثار عذابهم (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الصَّفات: 137-138].
هذا؛ وحاصب النار، وإمطار الحجارة على الرؤوس قد أدرك قوم من هذه الأمة قوماً عذبوا به، ورأوا ما أصابهم، وكان ذلك قبيل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وأرخت العرب بهذا الحدث لعظمه وأهميته، وكان ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم في عامه؛ إذ أجمع أهل السير على أنه صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل: 1-5]، وهدد الله - تعالى -عصاة هذه الأمة بالحاصب في موضعين من القرآن الكريم؛ أولهما في سورة الإسراء (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا) [الإسراء: 68]، والثاني في سورة الملك (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك: 17].
ومن قرأ ختام قصة قوم لوط في سورة هود خاف من العذاب بالحاصب؛ لأن الله - تعالى - لم يخص قوم لوط بذلك، بل أوعد به من سار سيرتهم في إشاعة الفواحش، وإعلان المنكرات، وبقي هذا التهديد ما بقي الزمان (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود: 83]، قال قتادة - رحمه الله تعالى -: يعني ظالمي هذه الأمة والله ما أجار منها ظالما بعد.
نسأل الله - تعالى - العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إنا نَعُوذُ بِرِضَاكَ من سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ من عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لاَ نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنت كما أَثْنَيْتَ على نَفْسِكَ.. وأقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله - تعالى –وأطيعوه، (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [البقرة: 223].
أيها الناس: البراكين نوع من الحاصب، وهي جنود من جند الله - تعالى -، تثور بأمره - سبحانه -، وتهلك به من شاء بقدره - عز وجل -؛ فالبراكين بأصوات انفجاراتها المرعبة تخلع قلوب القريبين منها، وتقذف حمماً وصخوراً عظيمة من نار، وتغمر بطميها قرى كاملة، تسير فيها أودية من نار تلظى لا تبقي على حي إلا أهلكته، ولا على زرع إلا أتلفته، ولا على شيء إلا أحرقته، وأبخرتها وغازاتها تخنق من أصابته بأمر الله - تعالى -..
وأشهر بركان في التاريخ اكتشفت آثاره هو بركان فيزوف الذي دمر مدينة بومباي الإيطالية وما حولها قبل مئات السنين، وكانت مشهورة آنذاك بإشاعة الفواحش، والإعلان بالمنكرات، وعرفوا بالشذوذ، فأصابهم ما أصاب قوم لوط، ولا يظلم ربك أحداً، واكتشف أهل الآثار أسراً كاملة في أوضاع مختلفة استحالت إلى حجارة بسبب هذا البركان المخيف، وفي عصرنا بلغت الفواحش مداها، ونقلت أخبارها ومقدماتها وتنوع الإغراء إلى فعلها والمفاخرة بها عبر الإعلام الفاسد، وبلغت الجرأة بأهل الفواحش والشذوذ ذكوراً وإناثاً أنهم يسجلون مغامراتهم في الزنا والسحاق وعمل قوم لوط في قصص وروايات فيكرمون بسببها، ويمنحون عليها الجوائز، فوا عجباً من أمة تقرأ في القرآن عاقبة قوم لوط، وقد ذيلها الله - تعالى –بقوله: (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود: 83]، ثم يشيدون بمن ينشرون الفسوق والزنا والشذوذ في الناس، فأين أهل العقول أين؟ ألا يخافون من وعيد الله - تعالى -للظالمين؟ ألا يخشون أن يصيبهم ما أصاب من كانوا قبلهم؟!
وقد رأينا جندياً صغيراً من جند الله - تعالى - تحرك في إيسلندا فشل حركة الطيران في أوربا، وأضر باقتصادها واقتصاد المتعاملين معها، وألغيت آلاف الرحالات الجوية لأجل بخار البركان ودخانه فقط، فكيف لو سالت حممه في أرجاء أوربا؟! وكيف لو قذف حجارة بحجم الجبال والبيوت والسيارات على رؤوس الناس؟! وقد وقع ذلك من قبل..
دخان بركان صغير شل أوربا، وقطع المسافرين إليها ومنها، وكبدها خسائر فادحة فأين من غرتهم قوة الحضارة المعاصرة، فتعدوا على جلال الله - تعالى -زاعمين أن القوى العظمى تقف في وجه أي كارثة كونية؟ نعوذ بالله - تعالى -من عبودية غيره، ومن الجرأة عليه، ومن الاستهانة بعذابه.
إن البشر ضعاف مساكين مهما كانت قوتهم وقدرتهم، وأياً كانت حضارتهم وعمرانهم؛ فهم لا يستطيعون تعطيل أمر الله - تعالى -، ولا دفع عذابه، ولا الهرب منه، ولا يدرون متى يعذبون، ولا كيف يؤخذون، ولا ملجأ لهم من الله - تعالى -إلا إليه: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) [الطُّور: 7-8] (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ الله ذِي المَعَارِجِ) [المعارج: 3] فيا أهل الإيمان توبوا إلى الله ربكم قبل أن يحل بكم ما حل بالأمم قبلكم، وخذوا العبرة مما وقع لغيركم، ولا تغتروا بما أنتم فيه من نعمة وأمن ورغد عيش؛ فإن الله - تعالى -غالب على أمره، وعذابه قد يبغت عباده: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ العَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ) [العنكبوت: 54]..
وصلوا وسلموا على نبيكم.