موقف المسلم من إعصار ساندي

من حزن بسبب إعصار ساندي فلا إثم عليه؛ إذا كان حزنه بسبب شعور إنساني تجاه آلام الناس ومظاهر الخوف والهلع التي تبدو على وجوه الأطفال وآبائهم. وهذا الشعور الإنساني، لا يقف الموقف منه عند عدم تأثيمه فقط، بل هو شعور كريم ممدوح؛ لأنه شعور إنساني نبيل يستحق الثناء.

  • التصنيفات: التصنيف العام -

"المهم في الموقف من إعصار ساندي وأمثاله: أن لا يكون حزن من حزن له من المسلمين مذيبا شعوره ببغض كفر الكافرين، ولا يكون منسيا له اعتداء الظالمين. وأن يكون فرح من فرح به من المسلمين: ليس شماتة، ولا مميتا للشعور الإنساني تجاه آلام الأبرياء. هذا هو ضابط الأمر، وإحكام هذا الكلام المختصر يغني عما سواه.

ولتفصيل ذلك أقول:

من حزن بسبب إعصار ساندي فلا إثم عليه؛ إذا كان حزنه بسبب شعور إنساني تجاه آلام الناس ومظاهر الخوف والهلع التي تبدو على وجوه الأطفال وآبائهم. وهذا الشعور الإنساني، لا يقف الموقف منه عند عدم تأثيمه فقط، بل هو شعور كريم ممدوح؛ لأنه شعور إنساني نبيل يستحق الثناء.

ومن فرح لإعصار ساندي؛ لأنه صُرف عنه وعن وطنه؛ فهذا شعور إنساني طبيعي، لا يأثم عليه أيضا. ولا بد أن يحمد الله كل من صُرف عنه ابتلاء؛ إذ لا عاصم له من الله بابتلائه بمثله.

ومن فرح لإعصار ساندي؛ لأنه تذكير بقوة الله - تعالى -وبعجز البشر، فهو فرح مشروع. خاصة مع شيوع الفكر المغتر بالقدرة البشرية غرورا مقيتا لا تكاد تعرف البشرية له مثيلا على امتداد تاريخها، ولأن هذا الإعصار ربما أعاد للعقل البشري اتزانه، ليدرك هذا الإنسان المغرور ضعفه وعجزه أمام قوى الطبيعة (كما يسميها الملحدون) وقوى الطبيعة التي خلقها وقدرها الخالق - سبحانه - (كما يقول غير الملحدين).

ومن فرح لأن هذا الإعصار ربما أذاق الحكومة الأمريكية ذل نكبة طالما أذاقت هي شعوبا ودولا أخرى بعضا من ويلاتها، فهذا شعور طبيعي أيضا، ولا يمكن أن نجرم هذا الشعور. لكنه شعور يتوجه للحكومة خاصة، لا للشعوب.

 ومن فرح لأن هذا الإعصار شفى غيظه من دولة مازالت ترعى الإرهاب الصهيوني في فلسطين، وتحتل بلادا من بلاد المسلمين وتغتصب خيراتها، فهو شعور ديني واجب، لأن الحكومات الأمريكية المتعاقبة كانت ومازالت تمارس هذا الظلم والطغيان.

وهذه المشاعر المتضاربة (بين فرحها وحزنها)، والتي قد تتعاقب  على القلب السوي، رغم تضادها، المهم تجاهها هو ضبطها بما قدمت به الكلام.

ولا تستغربوا إمكان اجتماع المشاعر المتضادة في قلب واحد: فرؤية طفل عدوك وهو يُقتل، وهو طفل لعدو طاغية كان بقتل الأطفال الأبرياء، مشهد يجتمع فيه الشعوران المتضادان: فهو يُحزنك أن ترى طفلا يُعذب، بل يجب عليك منع هذا الفعل أن يقع لو كنت تقدر على منعه. وإن كنت في ذات الوقت، وإن تم ذبح طفل ذلك العدو السفاح دون إرادتك، سيشعرك ذلك أيضا بارتياح، لجريان عدالة القدر عليه في الدنيا قبل الآخرة، بابتلائه بمثل ما ابتلى به الآخرين.

فهنا يجتمع الحزن والفرح، وقد يغلب أحدهما الآخر، لكن لا يحق لك بحجة الحزن على طفل ذلك المجرم أن تتسامح مع إجرامه، ولا يبيح لك إجرامه أن تبيح الإجرام ضد طفله البريء.

 ولذلك فإني أستغرب غاية الاستغراب ممن يجعل إعلان الفرح بمثل هذه الكوارث من دلائل صحة المعتقد وكمال الولاء والبراء، ناسيا هذا الفرق: فشعورك بالفرح إن صح ووجب من وجه، فلا يصحح لك ذلك أن يصبح شماتة بإعلانه وإسماع المبتلين به بلسان الساخر المعير!!".

 

حاتم بن عارف العوني