التبشير (سهم في خاصرة الأمة)
ياسر منير
إنه لما ضعفت الأمة الإسلامية أخذ الأعداء يتكالبون عليها، ويتغامزونها، ويزرعون فيها الأمراض الاجتماعية حتى يضعفوها، ويوقعوها في الشباك التي طالما عملوا على نصبها، إن الحرب الحضارية بين المسلمين والغرب لم تتوقف رحاها يومًا؛ فالصليبية العالمية لم تتوقف يومًا عن التفكير في النَّيْل من الإسلام وأهله، فكان السعي الحثيث للنيل من بيضة الإسلام من خلال التنصير.
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية - قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله الواحد الهادي، ذي الملكوت والجبروت المنزه عن الشريك والأولاد، القاهر الأشرار من فرعون وثمود وعاد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ذي المعالي والأمجاد، وعلى آله وصحبه الأطهار الأفذاذ، والرحمة والرضى لكل متبع وصالح من الأجداد، وهدانا الله سبل السلام وبلغنا خير المراد، وبعد:
فإنه لما ضعفت الأمة الإسلامية أخذ الأعداء يتكالبون عليها، ويتغامزونها، ويزرعون فيها الأمراض الاجتماعية حتى يضعفوها، ويوقعوها في الشباك التي طالما عملوا على نصبها، إن الحرب الحضارية بين المسلمين والغرب لم تتوقف رحاها يومًا؛ فالصليبية العالمية لم تتوقف يومًا عن التفكير في النَّيْل من الإسلام وأهله، فكان السعي الحثيث للنيل من بيضة الإسلام من خلال التنصير.
والتنصير خارج حدود بني إسرائيل الجغرافية والبشرية مخالف لتعاليم الإنجيل، بدليل ما جاء من نصوص في الإنجيل، أن المسيح رأى امرأة كنعانية شكت له جنون ابنتها، وأنها تسأله أن يشفيها من مرضها، فقال لها: "لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متى 15:22-24)، وفيها وصية المسيح عليه السلام للحواريين: "إلى طريق أقم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متى 10:5-6).
ويتفق هذا مع مضمون القرآن الكريم: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف:6].
لكن دعاة التنصير قد يستدلون ببعض النصوص المنسوبة إلى المسيح مثل: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم..." (متى 28:19، 20)، لكن هذه النصوص لا تصح نسبتها إلى المسيح عليه السلام (أحمد عبد الوهاب: حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر. ص:113، ط 1981م، مكتبة وهبة، القاهرة).
وهناك مَنْ ينسب فكرة التبشير إلى بولس اليهودي المتنصر الذي حرّف المسيحية، فهو الذي أخرج المسيحية من نطاقها الإقليمي إلى رحابة العالم، مع الاختلاف في تحديد دوافع هذا العمل (أحمد عبد الوهاب: حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر. ص 52، 56).
ويمكن إيجاز أهداف التنصير فيما يلي:
1- صرف النصارى عن الإسلام وتثبيتهم على ضلالهم، عن طريق إشعارهم بأن دين النصرانية لا يزال يقوم به رجاله وأنه في اتساع.
2- إخراج المسلم من دينه وإن لم يعتنق النصرانية.
3- إثارة الشبهات والشهوات عندما لا يمكن إخراج المسلم من دينه وهذا من أخطر وسائل التنصير.
4- إطفاء الحماس والغيرة للدين في قلب المسلم عن طريق التودد له والإحسان إليه حتى يثقل عليه الصدع بالحق في شأنهم.
5- تغريب المجتمعات الإسلامية وإشعارها بعقدة النقص تجاه الغربي وثقافته.
أما الغاية التي يسعى المنصر لتحقيقها فهي تمكين الغرب من العالم الإسلامي في كل مهيع.
ومن أخطر مقاصد المنصِّرين، زرع بذور الفرقة والشقاق، والفتنة بين المسلمين، وإثارة النعرات الجاهلية، والعصبيات المذهبية بينهم، وهي أيضًا من الطرق التي تضمن لهم نجاح هجماتهم التنصيرية.
ومن مكائد المُنَصّرين توظيف بعض الافتراءات المنسوبة إلى بعض المذاهب الإسلامية، على طريقة: "رَمتْني بدائِها وانْسلَّت"؛ وذلك من أجل تحقيق ثلاثة أغراض:
الأول: إحراج المسلمين لقولهم بتحريف الكتاب المقدس، لعلهم يحجمون عن ذلك.
الثاني: تسويغ الخلاف الحاصل بين الكاثوليك والبروتستانت، حول الأسفار السبعة الموجودة في العهد القديم.
الثالث: إيقاع البلبلة والفتنة بين المسلمين.
ومن هنا ينبغي أن نعلم أن التنصير لا يرنو -في الأصل- إلى نشر تعاليم المسيح بالدرجة الأولى، وإنما يسعى إلى مسخ هُوِيّة المسلم؛ حتى يتجرد من السلاح الذي يقف به في وجه أعداء الإسلام.
وسائل العمل التبشيري:
وهذه الوسائل أساسها الخداع والتغرير والاستغلال، ومنها:
1- التركيز على المناطق النائية التي تكون بعيدة عن نفوذ الحكومات المسلمة ومراقبتها.
2- استهداف الدهماء في المجتمع.
3- قصد المناطق المنكوبة والظروف غير الطبيعية.
4- التركيز على الأقليات المسلمة في البلاد التي لا تدين حكوماتها بالإسلام.
5- إثارة الشبهات حول ثوابت الإسلام بقصد التشكيك.
6- التلاعب بالغرائز لدى المسلمين.
7- إثارة النعرات الجاهلية في مجتمعات المسلمين.
وهذا يذكرنا بقول ابن قيم الجوزية (ت:751ه): "ثم إنَّك إذا كشفتَ عن حالهم وجدتَ أئمةَ دينهم ورهبانهم قد نصبوا حبائل الحيل ليقتنصوا بها عقول العوام، ويتوصلوا بالتمويه والتلبيس إلى استمالتهم وانقيادهم لهم، واستدرار أموالهم، وذلك أشهر وأكثر مِنْ أنْ يُذكر" (انظر:إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان. ص:692. تحقيق حسن الحلبي. د.ت).
وسُنَّةَ أهل الضلال في كلِّ زمانٍ ومكانٍ الزجّ بالشبهات مع خصومهم، فتارةً يَسْتَنِدُونَ إلى ما لا يصحُ سندُه بوجودِ راوٍ متَّهمٍ بالكذب؛ بل ويُلزموا به خصمهم فريةً على دينِ الله تعالى، وتارةً يَسْتَنِدُونَ بما قاله الله في القرآن، أو بما صحَّ عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنَّهم يُحرِّفونَ معناه، أو يتَّبِعُونَ ما تشابه مِنْهُ كما أخبر الله تعالى عنهم، فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [آل عمران:7].
ومن افتراءاتهم:
أ- القرآن هو الآخر تعرض للتحريف.
ب- القرآن مستفاد من الكتب القديمة (العهدين القديم والجديد).
ج- الوحي ظاهرة مرضية كانت تعتري الرسول أشبه ما تكون بالصرع.
د- القرآن يحتوي على أخطاء لغوية ونحوية.
هـ- السنة كثير منها من أكاذيب الصحابة والفقهاء وغيرهم.
و- تاريخ الصحابة والمسلمين حافل بالحروب والدمار.
ز- الحضارة الإسلامية ما هي إلا سرقة للحضارات القديمة (د. حسن محمد عيسى عبد الظاهر وآخرون: الثقافة الإسلامية والتحديات المعاصرة. ص:436. ط 1421هـ/2000م، جامعة قطر).
إن من أعظم ما يبشَّر به المسلم في مواجهة التنصير والتبشير قول الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33]. فالإسلام في انتشار وعُلُوّ رغم جهود الشانئين المارقين، وقد رد الله المنصِّرين بغيظهم لم ينالوا خيرًا.
من وسائل لمواجهة التنصير والتبشير:
1- تحصين المسلمين بالعلم الشرعي، والثقافة الإسلامية.
2- تعزيز الانتماء إلى الإسلام والوطن الإسلامي.
3- تحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين.
4- الاهتمام الأكاديمي بمواجهة التنصير.
5- سد المسارب التي يتخللها دعاة التنصير في المجتمعات الإسلامية.
وفي نهاية حديثي أذكّر المبشرين في بلاد المسلمين بقول النابغة الجعدي:
وإنَّا لقومٌ ما نُعوِّدُ خَيْلنَا *** إِذا مَا التَقَيْنَا أنْ تَحِيدَ وَتَنْفِرَا