الواقع العربي بين شبابه ومشيبه
أما الشيب فجاء بوقاره مفجوعاً على شرخ الشباب، وفجأةً ظهرت على الساحة العربية شعارات الثورة والنصر والتغيير، وهبت الجموع العربية بكل سلميّة؛ تطالب بحقوق بسيطة أدناها تحسين مستوى المعيشة وانتشالها ليس من الفقر ولكن من تحت خط الفقر.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
لم يكن مهندس برج إيفل بارعاً بقدر مهندسي السياسة العربية الذين صمموا لنا في كل قطرٍ عربي أبراجاً من الأوهام صوراً وأصناماً معبودة؛ وقفت عندها أحلام كل مواطنٍ عربي بسيطٍ وقفة ذلٍّ ويأس.
عشنا زمن الصبا نحلم بشعارات تقدمية وطنية وقومية واستفقنا في مقتبل الشباب على الهزائم تلو الهزائم واحتراق الشعارات وانتكاسات عربية كبيرة؛ تعلقنا بعدها بانتصار كروي هزيل.
وبرع العرب في سياسة التنازع والانقسام؛ فما إن يلتئم شمل العرب، ويشتد عوده حتى يعود منقسماً من جديد في دوراتٍ متتالية من التشظي والانشطار.
أما الشيب فجاء بوقاره مفجوعاً على شرخ الشباب، وفجأةً ظهرت على الساحة العربية شعارات الثورة والنصر والتغيير، وهبت الجموع العربية بكل سلميّة؛ تطالب بحقوق بسيطة أدناها تحسين مستوى المعيشة وانتشالها ليس من الفقر ولكن من تحت خط الفقر.
وما إن أطلَّ بصيصُ نورٍ حتى حلَّ ظلامٌ كبير، وبرزت على السطح مؤامرات دولية تروِّجُ بين الأمم المستضعفة والمستهلكة لفكرة الانبطاح والتطبيع؛ في الوقت الذي هرمت فيه الشعوب على الظلم والجوع والتخلف.
عادت الانقسامات من جديد، وعمت الفوضى، وارتفعت شعارات جديدة مختلفة ومتباينة؛بل متناقضة ومتحاربة في الوقت نفسه، واستغل أرباب المصالح الدولية وكَذَبة الساسة هذا الوضع المتردي للالتفاف على القضايا العربية الكبرى؛ تارة بوعود دولية وهمية، وتارة بحرب معلنة تحت بند حق النقض الفيتو الذي ينقض الحقوق، ويكرس للجور والاحتلال والظلم من دول تزعم الديموقراطية، وترفع بيدها الملطخة بالدماء شعار التسامح والإنسانية، إنه زمن الشعارات الفارغة.
نشط تجار الأسلحة في نفث السموم الطائفية، وبث العنف، ودعم الإرهاب، وتسليح الجماعات المتطرفة وتطويعها لصراعات دول مختلفة، وتهييج الشعوب على الساسة، واستعداء الساسة على الشعوب. انقسمت كثير من الدول العربية وبعضها لا يزال مهدداً بالتقسيم، وأصبحت أشهر العواصم العربية في قبضةٍ فارسية فماذا ينتظر العرب؟!!
وما عسى أن يفعل مواطنٌ عربي غير انتظار الفواجع والمبكيات على خيال رمالٍ وأشباح أطلال بعد أن فقد أهله ووطنه وشُرِّد في الأقطار بأيدٍ تزعم إنها عربية؟!
وهل يا ترى يأتي المشيب باكياً على زمن الشباب أم أنهما يبكيان معاً.
زين العابدين بن غرم الله الغامدي