سيادةُ الأمةِ بين الحق والضَّلالِ

فقد نَشَرَ الأخُ الكاتبُ: (عبد الله المالكي) مقالاً له عبر الشبكة العنكبوتية تحت عنوان: (سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة)؛ مِمَّا أثار جدلاً واسعاً في الساحة الفكرية الثقافية؛ إذ انبرى له مجموعةٌ من الكُتَّابِ: نقداً وتحليلاً وتعقيباً وما إلى ذلك.

  • التصنيفات: التصنيف العام -

الحمدُ لله وحدهُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على من لا نبيَّ بعده، أمَّا بعدُ:

فقد نَشَرَ الأخُ الكاتبُ: (عبد الله المالكي) مقالاً له عبر الشبكة العنكبوتية تحت عنوان: (سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة)؛ مِمَّا أثار جدلاً واسعاً في الساحة الفكرية الثقافية؛ إذ انبرى له مجموعةٌ من الكُتَّابِ: نقداً وتحليلاً وتعقيباً وما إلى ذلك.

وبعد قراءةٍ فاحصةٍ للمقال المذكورِ؛ لاح لي أنه -بحقٍّ- جديرٌ بأنْ تُسلَّطَ عليه الأضواءُ: نقداً وتحليلاً ومناقشةً، وسأنطلقُ في ذلكَ كُلِّه -بعون الله ومدده- من خلالِ المحورينِ الآتيينِ:

أولهما: بيانُ الأخطاءِ الصادرةِ عن مقالِ الأخ عبد الله، والتي هي في حقيقةِ الأمر تقع في دائرةِ الأخطاء الجوهرية التي لا يُستهان بها والتي لا يجوزُ غضُّ الطرف عنها بحالٍ من الأحوال.

الآخر: سيادةُ الأمة بين الحقِّ والضلال: متى تكون سيادة الأمةِ حقًّا معتبراً مكفولاً في إطارِ الشريعة الإسلامية؟ ومتى تكونُ ضلالاً وعبثاً وبعداً عن الحقِّ والرُّشدِ والسَّداد؟

أما الأخطاء الجوهرية التي وقع فيها الكاتب؛ فهي تتمثَّلُ في خطاءينِ اثنينِ:

أولهما: الكاتب-هداه الله- احتفى حفاوةً بالغةً بالديمقراطية الغربية؛ حيثُ قرَّرَ فيما كتبه أنَّ الديمقراطية هي السبيل إلى تحقيق العدالةِ والتنمية والحرية وما تتشَّوفُ إليه الشعوب المضطهدة من القيم الأخلاقية العالية التي ظلَّتْ دهراً طويلاً مُغيَّبةً عنها!.

والسؤال الكبير الذي يُطرحُ هاهنا:

أينَ موقع الشريعة الإسلامية من ذلك كُلِّه؟ وهل غفلَ الكاتبُ أو تغافلَ عن أنَّ تلك القيم الأخلاقية العالية لا يُمكنُ ألبتة أن ترى النور في هذا الظلام الدَّامس من الظلم والاستبداد إلا من خلال شريعة الله؟

وإنَّهُ لحقيقُ بي في هذا السِّياقِ أنْ أُنبِّهَ الكاتبَ وكُلَّ قارئٍ على هذه الحقيقة القطعيةُ من خلال إيرادٍ جملة من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة:

-(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90].

- (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)[الحديد: 25].

- (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)[الرحمن: 9].

قال الحافظ ابنُ كثير- رحمه الله - في: "تفسيره": (4/326): "أي خلق السموات والأرض بالحق والعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل".

- قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))[أخرجه البخاري ومسلمٌ واللَّفظ لمسلمٍ].

- عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتْ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا قَالَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَتْ صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ. [أخرجه ابن حبَّان في: "صحيحه" وإسناده قويٌّ].

الخطأُ الثاني: جعل الكاتب-هداه الله- سيادة الأمة هي المرجعية العليا في قضية تطبيق الشريعة في حياة الناس وتنزيلها على أرض الواقع؛ وفي ذلك يقول: "يعني.. أنه لا يحق لأحد بعد تحقيق سيادة الأمة أن يفرض شيئا على هذه الأمة دون الرجوع إلى الاحتكام إلى إرادتها وإلى الدستور الذي اختارته عبر صندوق الاقتراع. فإن اختارت الأمة منظومة القيم والمبادئ الإسلامية كمرجعية عليا وإطارا للتشريع والقوانين فلا يحق لأحد أن يفتئت عليها أو يفرض ما يناقض ويعارض مرجعيتها الدستورية.

وإن اختارت شيئا آخر غير المرجعية الإسلامية؛ فيجب احترام خيارها ولا يجوز قهرها وإجبارها بشيء لا تؤمن به".

وهذا الخطأُ سيكونُ الرَّدُّ عليه -بإذن الله- من خلال المحور الثاني -بإذن الله- غيرَ أَنَّ ثمَّتَ إشكاليةً خطيرةً وقع فيها الكاتب في هذا السِّياقِ من حيثُ استدلالُهُ على حريةِ المسلم في اختياره للشريعة من عدمها بجملةٍ منَ الآياتِ القرآنية:

- (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)[يونس: 99].

- (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ)[الرعد: 40].

ولنا أنْ نَردَّ على هذا الاستدلالِ من وجهينِ:

أولهما: أنَّ الكاتب -للأسف الشديد- لا يُفرِّق بين حرية المعتقد قبل الدخول في الإسلام، وبين إلزام المسلم بتعاليم الإسلام وتطبيق الحدود الشرعية على المخالفين من المسلمين.

وقد اتخذ من هذه الآيات دليلاً على عدم مشروعية إلزام المسلمين بتعاليم الإسلام وأن الإنسان له الحرية فيما يفعل ويختار.

وهذا استدلال في غير محله، لأن هذه الآيات تعطي الإنسان الحرية في اختيار المعتقد من حيثُ البداياتُ؛ فلهُ أنْ يختارَ ما شاءَ من الأديانِ قبل أن يعتنق الإسلامَ؛ أمَا وقد دخلَ الإسلامَ؛ فيجب عليه الإذعانُ لشريعته؛ كما يجبُ على ولي أمر المسلمين إقامة الحدود على المخالفين من المسلمين وتطبيق شرع الله عليهم.

الثاني: من العجيب حقًّا أنْ ينتقي الكاتبُ الآيات الدَّالة على حرية المعتقد، ويتغاضى عن الآيات والأحاديث التي تلزم المسلمين بالإتباع وإقامة شرع الله مثل قوله - تعالى -: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)[المائدة: 49].

المحور الثاني: سيادةُ الأمة بين الحقِّ والضلال: متى تكون سيادة الأمةِ حقًّا معتبراً مكفولاً في إطارِ الشريعة الإسلامية؟ ومتى تكونُ ضلالاً وعبثاً وبعداً عن الحقِّ والرُّشدِ والسَّداد؟

الجواب عن هذا أنْ يُقالَ: إنَّ سيادة الأمةِ تعتبرُ حقًّا معتبراً مكفولاً في إطارِ الشريعة الإسلامية؛ إذا كانَ ذلكَ في إطار التشاور معها في اختيار السلطة الحاكمةِ القائمةِ عليها والحقِّ في ترشيح ولِيِّ أمرها دون ضغطٍ أو استبدادٍ؛ ومِمَّا يدلُّ على ذلكَ ما يلي:

- قالَ عُمرُ-رضي الله عنه-: "مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا"[أخرجه البخاري في: "صحيحه" من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-].

ولما فوَّض الصحابة عبد الرحمن بن عوف -رضيَ الله عنه- في شأن الخلافةِ بعد مقتلِ عمرَ-رضي الله عنه- أخذَ يطوفُ في الناس لأخذ رأيهم؛ فقد أخرج الإمام البخاريُّ في: "صحيحه" بسنده: "أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ، فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ، قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنْ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِي، فَقَالَ: ادْعُ لِي عَلِيًّا فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمَانَ فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا...".

فهذا نص رواية البخاري وفيها أن عبدالرحمن مكث عدة ليالي، وأن "الناس" وليس طائفة معينة اجتمعوا على عبدالرحمن لتنفيذ الشورى، كما في النص السابق " ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي".

وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل: "أتدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع عليه المسلمون، كلهم يقول "هذا إمام" فهذا معناه"[منهاج السنة: 1/529].

وقد علّق الإمام ابن تيمية على إمامة أبي بكر وعمر، كلاهما، تعليقاً وضح فيه أن إمامتهما لم تنعقد وتستقر باختيار طائفة معينة ولا بعقد، بل انعقدت واستقرت باختيار ورضا جمهور المسلمين، يقول ابن تيمية عن خلافة أبي بكر-رضي الله عنه-: "ولو قُدِّرَ أنَّ عمر وطائفة معه بايعوا أبا بكر، وامتنع سائر الصحابة عن البيعة، لم يصر إماما بذلك، وإنما صار إماما بمبايعة جمهور الصحابة، الذين هم أهل القدرة والشوكة"[منهاج السنة: 1/530].

فاعتبر ابن تيمية أن انعقاد البيعة لأبي بكر لم يحصل بمجرد بيعة خاصة الصحابة، بل بمبايعة جمهور الصحابة.

وقال الإمام ابن تيمية أيضاً: "وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر، إنما صار إماماً لما بايعوه وأطاعوه، ولو قُدِّرَ أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماماً، سواء كان ذلك جائزا أو غير جائز" [منهاج السنة: 1/530].

وإذا كانت سيادة الأمة تعني أن تكونَ هي المرجعية العليا في تطبيق الشريعة في حياة الناس وتنزيلها على أرض الواقع؛ بحيث إذا اختارتِ الأمة ذلك وأرادته كان لها ذلك؛ وإلا فلا؛ فهذا هو الضلال بعينه؛ والفسادُ في أوْجهِ -عياذاً بالله- إذ إِنَّ من أعظم محكمات الإيمان التسليم والخضوع (علماً وعملاً) لشريعة الإسلام في المنشط والمكره، والرضا والغضب، وعدم تقديم أي أمر من الأمور على كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والإقرار بهيمنة الشريعة وحاكميتها وتقديمها والقبول بها قولاً وعملاً دون أي شرط أو استثناء هو قاعدة الإيمان وأصله؛ وإليك جملةً من النصوصِ الدَّالةِ على هذه الحقيقة الكبرى:

- (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[المائدة: 48].

- (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)[المائدة: 49].

- (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً)[الأحزاب: 36].

- (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[النور: 51].

- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الحجرات: 1].

- (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الجاثية: 18].

- (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[يوسف: 40].

- (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)[النساء: 65].

والله أسألُ أنْ يرزقنا جميعاً الهدايةَ والسَّدادَ -بفضله وكرمهِ-، وأنْ يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه.


النميري بن محمد الصبار