تغيير معالم الأمة
سارة خليفة
تلك العقيدة التي ربى الرسول صلى الله عليه وسلم الجيل الفذ الفريد للصحابة عليها، الجيل الذي ساحت كتائبه في العالم أجمع، تنير القلوب بالإسلام.. وتملأ الأرض قسطًا وعدلًا، فبلغوا رسالة نبيهم حتى لم يمت من هذا الجيل في المدينة إلا قليل! "من مائة ألف صحابي حضروا حجة الواداع لم يدفن فى المدينة منهم إلا عشرة آلاف، أين ذهب الباقون ؟ فهموا معاني الشهادة و التبليغ للرسالة و انطلقوا فى الآفاق يمتطون خيولهم و جمالهم ينشرون دعوة الله و يبلغونها للعالمين" (أحمد ديدات، بين الإنجيل والقرآن ص [10-11]).
- التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -
أمة الإسلام.. هي أمة لا تموت.. يصبها الوهن في بعض من فترات حياتها ولكنها تمتلك مصدر قوتها، عقيدتها التي تجعلها حية دائمة.
تلك العقيدة التي ربى الرسول صلى الله عليه وسلم الجيل الفذ الفريد للصحابة، الذي ساحت كتائبه في العالم أجمع، تنير القلوب بالإسلام.. وتملأ الأرض قسطًا وعدلًا، فبلغوا رسالة نبيهم حتى لم يمت من هذا الجيل في المدينة إلا قليل! "من مائة ألف صحابي حضروا حجة الواداع لم يدفن فى المدينة منهم إلا عشرة آلاف، أين ذهب الباقون ؟ فهموا معاني الشهادة و التبليغ للرسالة و انطلقوا فى الأفاق يمتطون خيولهم و جمالهم ينشرون دعوة الله و يبلغونها للعالمين" (أحمد ديدات، بين الإنجيل والقرآن ص [10-11]).
وامتدت حضارة الإسلام وثقافته العالمية وخلافته حتى وصلت إلى الأندلس وأطراف روسيا، وفي قلب القارة الإفريقية.. انتشرالإسلام وانتشر معه النور، حتى جاءت اللحظة الحاسمة التي كانت نقطة تحول في حياة حضارة الأرض، فتحت القسطنطينية العاصمة المسيحية على يد الفاتح.. وتم محصارة المسيحية في الشمال، وكانت هزة عنيفة للعالم المسيحي!
ويقول محمود شاكر في كتابه الرسالة في الطريق إلى ثقافتنا عن تلك المرحلة في حياة أمتنا: "بيد أن هذه الواقعة الباطشة على عنفها، وعلى سرعة ما تلاها من تدفق كتائب الإسلام منساحة في قلب أوربة، لم تفت في عضد المسيحية الشمالية، بل على العكس، زادها الإحساس بالخزي والعار حماسة وتصميمًا وتحرقًا وحقدًا خالط كل نفس من الخاصة والعامة، وصار هم الترك (أي المسلمين) همًا مؤرقًا".
"وبغتة، كما كان اقتحام المسلمين قلب أوربة بغتة، تهاوت الحواجز التي كانت تمنع حرجة اليقظة والتنبيه في أعقاب الحروب الصليبية لأني تؤتي ثمارها، وخرجت أوربة من أصفاد القرون الوسطى، ودخلت بعد جهاد طويل مرير في القرون الحديثة كما يسمونها. ومن يومئذ بدأ الميزان يشول، فارتفعت إحدى الكفتين شيئًا ما، وانخفضت الأخرى شيئًا ما. ارتفعت كفة أوربة بهذه اليقظة الهائلة الشاملة التي أحدثتها الهزائم القديمة والحديثة، وانخفضت كفة المسلمين بهذه الغفلة الهائلة الشاملة التي أحدثها الغرور بالنصر القديم وبالنصر الحديث وفتح القسطنطينية. وكذلك شال الميزان، وكانت فرحة محسوسة في جانب، وكانت غفلة لا تحس في جانب. تاريخ طويل مضى وغاب، وتاريخ طويل سوف يأتي، ثم لا يعلم إلا الله متى يكون غيابه" انتهى.
واختلفت الطرق التي حاربوا بها دار الإسلام الغافلة من حملات استشراق، يتبعها الاستعمار والتبشير، هذا الثلاثي الذي أتى ثماره لهم بشكل لم يتخيلوه هم، ولم نشعر به نحن إلا بعد أن انغرست في أمتنا الهزيمة النفسية وتشكل وعيها بصورة مشوهة هم رسموها لنا عن تاريخنا وحضارتنا!
فهم قد وعوا جيدًا بعد الحملات الصليبية المتكررة، أن الحل لن يكون مع هذا الأمة بالسلاح فقط، لأنه يبعث هذه الأمة الغافلة من سباتها، يحي فيها العقيدة والجهاد من جديد! فكانت الطرق الخبيثة التي غزو بها دار الإسلام من غزو فكري واقتصادي، ولنا في الحملة الفرنسية والاحتلال الإنجليزي في مصر خير مثال على ذلك! فعندما تغيرت مناهج التعليم وقيم المجتمع وإعلامها.. ملكوه.
واستمر ذلك الغزو، حتى انفرطت حبات العقد تمامًا بسقوط الخلافة!
وأصبحت دار الإسلام.. دويلات تفصلها حدود! وبدأت تظهر معها دعاوي الوطنية والقومية.. حتى ظهر داخل بلاد الإسلام من ينادي بالعلمانية، ومحاربة الإسلام بلا مواراة ولا مورابة بتأييد من النظم الحاكمة!
بعدت الأمة عن مصدر قوتها، وانشغلت بما يريدون لها أن تنشغل به.. حتى أصبحت دويلات بلا وزن.. وأصبحت كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم « » (الصحيح الجامع[8183])..
أصبحت الأمة في كل مكان تئن.. بين غزو، واضطهاد وتشريد، ومحاربة.. في كل يوم نستيقظ على خبر جديد عن جزء جديد في أمة يئن! وها قد جاء اليوم.. قفل صغير صدئ يضعه يهودي جبان.. يرتعد من نظرة يقين في عين صغير مقدسي.. يضع قفل.. ويمنع دخول المسلمين لساحة الأقصى. ألهذا الحد أصبحنا كالغثاء؟!.
ولكن يبقى لنا وعد ربنا عزوجل أن هذه الأمة لا تموت ولها تمكين ولو بعد حين! وأن ما يحدث هو أمر عارض في تاريخ تلك الأمة.. وهذا الاستخلاف والتمكين حقيقة يفصلنا عنه تغيير المدخلات التي ندخلها في المعادلة! يقول محمد قطب في كتاب واقعنا المعاصر: "وأما التاريخ فقد قال كلمته، وكلمته هى سنة الله التى لا تتبدل ولا تتحول. أن هذه الأمة تمكن بقدر التزامها بمقتضيات الإيمان، لا بمجرد التصديق والإقرار، وأنها تزلزل ويزول عنها التمكين بمقدار ما تنتقص فى عملها من مقتضيات الإيمان. مقتضيات لا إله إلا الله"..
ألم يحِن بعد أن تشتاق النفوس إلى هذا الوعد الرباني وتعود إلى مصدر حركتها الحية، العقيدة ومقتضيات إيمانها؟!