الطاقة النفسية الجبارة
إذًا لا بد من استفراغ الطاقات النفسية ببراعة التحفيز، وقوة الترغيب، وحسن التهيئة، حتى تهضم النفوس والعقول أهمية العمل، وضرورتيه، وأثره في الحياة، وبعد الممات.
- التصنيفات: التصنيف العام -
ما أحوج أمتنا إلى من يأخذ بأيد أبنائها لاستغلال طاقاتها البشرية، ومواهبها، وينميها ويستخدمها ويوظفها توظيفًا مثاليًا، ينفع الله به البلاد والعباد، بالعدل والإنصاف، وإيتاء الحقوق، ثم باكتشاف طاقتها النفسية المهدرة والمعطلة والخاملة والتي لو أتيحت لها أسباب النهوض والاستيقاظ والنشاط لعادت أمتنا إلى سابق عهدها ومجدها وعزها وخيراتها، ولتعافت مما هى فيه من ضعف وخور.
يجمع المربون على أن التهيئة النفسية الحقة تساهم في وضع فسيولوجيا الأفراد في أعلى حالات التأهب من أجل إنجاز المهام المكلفين بها بنجاح، (لا توجد نتائج قوية بدون سيكولوجيا قوية)، ويقول (أنتوني روبينز): "تعد السيكولوجيا أقوى أداة لدينا لتغيير حالاتنا من أجل النتائج المبهرة".
وهذا ما حدث يوم بدر؛ حيث خرج صلى الله عليه وسلم يهيأ أصحابه ويحرضهم، فرفع المعنويات، وغير حالتهم النفسية، فأشار إلى مصارع القوم، وألح على الله في الدعاء، وأعطى التهيئة وقتها الكافي قائلًا: « »، فأقبل الجند، وأدبر الخوف من قلوبهم، وكان الإنجاز الذي وصل معدله إلى ثلاثمائة بالمائة تقريبًا، إذ استطاع ثلاثمائة وأربعة عشر أن ينتصروا على ألف، وهزموهم هزيمة نكراء رغم قلة العدد والعدة.
وهذا ما حدث مع سلمه بن الأكوع حين اختاره صلى الله عليه وسلم لتسلق جبل بني لحيان؛ لكشف كمائن العدو على الجبل؛ لتأمين الجيش من المفاجآت، موضحًا صلى الله عليه وسلم أنه ليس بين هذا الذي سيصعد الجبل في الليل البهيم، وبين مغفرة ذنوبه، إلا صعود الجبل، والإتيان بخبر القوم، فيقول سلمه: "فرقيت الليلة الجبل مرتين أو ثلاث"، وهو معرض للموت أو القنص أو الأسر في أي لحظة، فكان المستهدف إنجازه صعود الجبل مرة واحدة، وهذا يكفي، ولكن معدل الإنجاز تحقق بنسبة ثلاثمائة بالمائة، يقول أ/ الغضبان: "أي جِنِّي هذا الذي يصعد الجبل وحده ثلاثة مرات، لا يعرف الرعب سبيلًا إلى قلبه"، فلا مجال للفجوة، ولا للخطأ، ولا للفشل مع التحفيز، والتهيئة، ووضوح الرؤية.
وها هو حذيفة بن اليمان ينجح بنسبة مائة بالمائة في الإتيان بخبر القوم، ولم يخرق الإستراتيجية العامة للنبي صلى الله عليه وسلم، (السلمية المبدعة)، ولم يحدث فيهم حدثًا برغم البرد الشديد، والرياح العاصفة، والظلام الحالك، والخوف الشديد من أن يقوم من مكانة، وما أن ظهر فجر الأجر إلا وهان عليه مشقة التكليف (اضمن لك العودة والجنة).
ومحمد بن مَسْلَمة قائد العمليات الخاصة، يقوم بمشهد تمثيلي ولا أروع، ويأتي برأس الكفر كعب بن الأشرف، فأخذ الإذن وانطلق إليه وسط قبيلته، وقطع رأسه، مائة بالمائة، امتياز مع مرتبة الشرف الأولى.
وسيف الله المسلول يخرج بالجيش في ملحمة بطولية عسكرية فذة، تُدَرس كأرقى خطط القتال رغم صعوبة الموقف، وقلة العدد، فالمسلم يقابله سبعة وستون مشركًا، ثلاثة آلالاف، مقابل مائتي ألف، في مؤتة، نتائج مبهرة، ولا أروع، نفوس قوية لا تقهر، إرادة وعزيمة لا تُغلب.
ونعيم بن مسعود، في الخندق، إنما أنت رجل، فخذل عنا، فاستخدم العقل والحيلة والمكر؛ في فض التحالف الآثم بين اليهود والمشركين، وزرع بينهم الشقاق، وعدم الثقة، فكان تخلخل الأعداد وتفرقهم.
وأبو جندل بن سهيل يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الدنيا على قريش ولا تقعد، وتهدد مصالحها الاقتصادية، وسمعتها الدولية، وتطلب هى تغيير البنود الظالمة بالاتفاقية، ويكون ذلها من حيث أرادت العزة، وفقرها من حيث أرادت الغنى، وضعفها من حيث أرادت القوة.
» (صحيح أبي داود:2765)، وهو وحده، ومأسور بين رجلين من المشركين، فيتغلب عليهم، مائتان بالمائة، فيقتل أحدهما ويفر الأخر، ويجمع حوله أمثاله، فتقومإذًا لا بد من استفراغ الطاقات النفسية ببراعة التحفيز، وقوة الترغيب، وحسن التهيئة، حتى تهضم النفوس والعقول أهمية العمل، وضرورتيه، وأثره في الحياة، وبعد الممات.
بقلم / ماهر إبراهيم جعوان.