الحل هو (9)

محمد علي يوسف

معنى غرس الفسيلة بغض النظر عن إدراك ثمرتها، وصنع الخير دون انتظار نتائجه العاجلة، وقيمة تجاوز الآمال الضيقة والعاجلة، والأعمار المحدودة

  • التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -

فإن لم يستطع المرء برؤيته العاجلة، وتحليله للحالة المعاصرة أن يجد أثرًا ظاهرًا لما يفعل في تغيير الواقع، فليس هذا معناه أن التكليف قد سقط عنه، ذلك لأن الله لم يتعبده بالنجاح والثمرة، ولكنه تعبده بغرس الفسيلة، وإن لم ير نتاجها، وكفى بالمرء شرفًا أنه حاول وغرس واستفتح وأعذر إلى ربه.

إنها تلك القيمة التي لخصها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، حتى في ذلك الظرف الرهيب الذي تيقن فيه أنه لن يأكل منها فإنه مُكلف بالغرس، مُكلف بالنفع المتعدي طالما كان ذلك بيده.

ربما كان الأمر على سبيل المبالغة في الحث على غرس الخير؛ فإن زلزلة الساعة شيء عظيم، تذهل فيها المرضعة عما أرضعت، ومن باب أولى يذهل حامل الفسيلة عن غرسها؛ لكن المعنى واضح والقيمة ظاهرة، معنى غرس الفسيلة بغض النظر عن إدراك ثمرتها، وصنع الخير دون انتظار نتائجه العاجلة، وقيمة تجاوز الآمال الضيقة والعاجلة، والأعمار المحدودة، ومخالفة طبيعة التمحور حول الذات، والتفكير أحيانًا في أن هناك شيئًا يقال له العطاء، ولا يدري المرء لعل الله يسوق له ثمرة ذلك العمل من حيث لا يحتسب.

المهم أن يقوم العمل، ويقع النفع، ويحصل السعي، المهم أن تُغرس الفسيلة، وأن يحاول ويبذل ولا يتوقف ولا يتثاقل طويلًا في انتظار الحلول السحرية، ولا يستسلم للحسابات المادية، التي لا ينكر أحد ممن تلقوا علمًا شرعيًّا أن في دين الله اعتبارًا لها، ولتقدير المصالح والمفاسد، وللمآلات المتوقعة، والنتائج المفترضة؛ لكن ما يُنكر هو المبالغة في ذلك، وتكلفه بشكل يؤدي إلى تحول الدين إلى تنازل مستمر، أو استسلام على طول الخط.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام